الجنوب السوري يتجه للانفجار بعد أن نكث النظام وموسكو بمواثيق المصالحة

توصلت فصائل المعارضة السورية في محافظة درعا جنوبي سورية، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وما يسمى بـ”المصالحة” التي رعتها روسيا، في يوليو 2018م، تضمن إجلاء المقاتلين والمدنيين الرافضين للتسوية إلى شمال غرب البلاد في محافظة إدلب، وإعادة الموظفين إلى أعمالهم وإعادة المهنيين إلى نقاباتهم، وإطلاق سراح المعتقلين، وبموجب الاتفاق تم تسليم السلاح الثقيل والسلاح المتوسط، بالإضافة إلى تسليم النقاط الحدودية إلى قوات النظام.

جاءت التسوية بعد عملية عسكرية لقوات النظام بدعم روسي، في 19 يونيو 2018م، دفعت أكثر من 320 ألف مدني للنزوح من منازلهم، وفق الأمم المتحدة؛ وتوجه عدد كبير منهم إلى الحدود مع الأردن أو إلى مخيمات مؤقتة في محافظة القنيطرة قرب هضبة الجولان المحتلة، وعلى إثر الضغط العسكري قاد ضباط روس مفاوضات ماراثونية، توصلت بموجبها قوات النظام والفصائل المعارضة إلى تسوية وموسكو هي الضامن.

نقض العهد

اتفاق المصالحة المبرم هيأ الأرضية لسيطرة قوات النظام وأجهزته الأمنية على محافظتي درعا والقنيطرة، وتبين لاحقاً أن الاتفاق كان مدخلاً واسعاً للفتك بأهالي درعا، عقاباً على خروجهم ضد النظام منذ عام 2011م، بعد أن نقض النظام عهوده ولم يلتزم الجانب الروسي بمواثيقه التي قطعها.

وخلافاً للاتفاقات المبرمة، مارست حواجز النظام والموالين له عمليات اعتقال بحق أهالي درعا، كما بدأت عمليات اغتيال تطال المسلحين والنشطاء الذي تصالحوا مع النظام، وآخر تلك العمليات جرت يوم الأربعاء 18 مارس الجاري، بعد أن تمركزت قوة للنظام تابعة للفرقة الخامسة، في منطقة منشرة الخطيب على الطريق الواصل بين جلين وبلدة الشيخ سعد غرب درعا، وفي هذه الأثناء توجه إليها ثلاثة من القياديين السابقين في الجيش الحر من أعضاء اللجنة المركزية التابعة للنظام في درعا والمعنية بتسيير أمور المنطقة الغربية من المحافظة، وعند وصولهم تم إطلاق النار عليهم بشكل مباشر وقتلهم على الفور، وهؤلاء القياديون من الذين عقدوا مصالحة مع النظام برعاية روسية.

ورداً على العملية قام عناصر سابقون في الجيش السوري الحر، بالهجوم على عناصر الفرقة الخامسة في بلدة جلين، وطردهم منها بعد أن تم قتل 12 عنصراً من هذه القوات، ما دفعها للرد بالقصف المدفعي والصاروخي على منازل المدنيين بعد الانسحاب، ما أدى إلى مقتل 8 مدنيين وجرح آخرين.

وفي سياق متصل، استقدمت قوات النظام، الإثنين 10 مارس، تعزيزات عسكرية إلى محيط مدينة جاسم في ريف درعا، وأشارت مصادر إعلامية في المعارضة السورية، إلى أن هذه القوات نصبت مدافع ثقيلة على تل مطوق وتل أم حوران، فيما استدعت عشرات الوجهاء من مدينة جاسم وريفها، وأنذرتهم بوجوب تسليم السلاح الموجود في المنطقة، ومنحتهم مهلة 10 أيام حتى يتم تسليم السلاح وإلا يتم اقتحام المدينة، على الرغم من اتفاق “المصالحة” الذي ينص على احتفاظهم بالسلاح الخفيف.

مسلسل الاغتيالات

وبالتزامن مع التصعيد العسكري، عمدت أجهزة النظام الأمنية إلى رفع وتيرة الاغتيالات في درعا التي لم تتوقف منذ توقيع الاتفاق، حيث وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان، خلال الفترة الممتدة من يونيو الماضي، وحتى مارس الجاري 353 عملية، قتل فيها 213 شخصاً، بينهم 45 مدنياً، و113 من قوات النظام والمسلحين الموالين له والمتعاونين مع قوات الأمن، و39 من مقاتلي الفصائل ممن أجروا “تسويات ومصالحات”، وباتوا في صفوف أجهزة النظام الأمنية، من بينهم قادة سابقون، و16 من المليشيات السورية التابعة لحزب الله اللبناني والقوات الإيرانية.

وبحسب المرصد، تمت الاغتيالات عبر تفجير عبوات وألغام وآليات مفخخة وإطلاق نار مباشر.

من جهته، وثق تجمع أحرار حوران، خلال فبراير الماضي، 37 عملية ومحاولة اغتيال، أسفرت عن مقتل 26 شخصاً وإصابة 12 آخرين، فيما نجا 8 أشخاص من محاولات الاغتيال.

وفي بيان صادر عن المقاومة الشعبية في محافظة درعا، التي تضم مقاتلين كانوا من فصائل المعارضة رفضت التسوية مع النظام، قالت: إن “القبضة الأمنية والاعتقالات والاغتيالات من قبل قوات النظام بحق المعارضين له في المحافظة، سبب رئيس من أسباب الاحتقان والاستياء الذي يعم درعا”.

وأضافت: أنها تعمل لـ”ردع قوات الأسد والمليشيات الموالية لها، في ظل استمرارها بالاعتقالات والانتهاكات بحق مناطق الجنوب السوري”.

هجمات منظمة

محاولة النظام السيطرة على الجنوب السوري، تأتي في إطار هجمات منظمة للسيطرة على الأحياء الخارجة عن سيطرته، خصوصاً في مدينة الصنمين.

وقال مصدر في المعارضة السورية، طلب عدم الكشف عن هويته: إنه “خلال الشهر الحالي والماضي، حاول النظام السيطرة على مناطقنا عبر تحشيد أكثر من 7 آلاف مقاتل، شنوا هجمات تدعمهم الدبابات والعربات المدرعة”.

وأضاف، في حديثه لـ”المجتمع”: “تمكنا من التصدي لجميع الهجمات، وقتلنا وجرحنا عدداً كبيراً من المهاجمين، كما دمرنا عدداً من المدرعات، بواسطة سلاح “آر بي جي” المضاد للدروع الذي لا نملك غيره إلى جانب الأسلحة الشخصية”.

وأكد المصدر أنه “منذ اتفاق المصالحة، في منتصف عام 2018م، وبعد مرور 20 شهراً، شنت قوات النظام عدة حملات عسكرية عديدة في محاولة للسيطرة على المناطق الخارجة عن سيطرتها”.

يشار إلى أن مساحة محافظة درعا الواقعة أقصى جنوب سورية تبلغ 3730 كم، يحدها شمالاً محافظة ريف دمشق، وشرقاً محافظة السويداء، وغرباً محافظة القنيطرة، وتعد بوابة سورية الجنوبية لمتاخمتها الحدود الأردنية من الجنوب وتضم معبر “نصيب” الحدودي.

ويربط درعا طريق يمر بمعظم القرى والبلدات والمدن في الريف الغربي وطريق دمشق الأردن الدولي الفاصل بين ريفيها الشرقي والغربي، وبحسب مصادر المعارضة السورية، فإن إيران الداعم الرسمي للنظام السوري تولي درعا أهمية قصوى، قريبة من الجولان السوري المحتل وتحد الأردن، لتستخدمها كورقة ضغط في معاركها الدولية عبر إظهار نفسها كلاعب رئيس وفاعل في المنطقة وتمتلك أوراق ضغط وتهديد، ومن هذا المنطلق سعت طهران لتشكل حاضنة شعبية طائفية في المنطقة، عبر تجنيد الشباب في مليشيات محلية.

Exit mobile version