كورونا المستجد.. ثلاثية الإنسان والمال والسلطة

تمكن فيروس لا يرى بالعين المجردة من الاستحواذ على اهتمام العالم، متجاوزاً أهمية التطورات الاقتصادية المرتبطة بتباطؤ عالمي محتمل، وتدن مفاجئ لأسعار النفط، والسياسية حول الانتخابات التي تدور رحاها في الولايات المتحدة، وتطورات المنطقة العربية المتسارعة؛ بل أصبح هذا الفيروس صانع الأحداث اقتصادياً وسياسياً.

 وفي وسط هذه التطورات يقف الإنسان الضحية الدائمة لصراعات المال والسلطة، فبينما ينتشر المرض يتضح التباين في أعداد الضحايا ونسبة الفتك بين الدول الفقيرة والغنية، والحكومات المستقرة والمضطربة، وتلك التي تتعامل بشفافية وحرص على مواطنيها وأخرى تحجب المعلومات وتضحي بالمواطن لحماية النظام.

جاءت موجة انتشار هذا المرض والعالم على شفا جرف هار سياسياً واقتصادياً، كان الحديث يدور حول تباطؤ اقتصادي عالمي، ولم تكد تخلو زاوية من زوايا العالم من أزمة سياسية أو إرهاصات أزمة، وكان الفيروس هو القشة متناهية الصغر التي قصمت ظهر البعير الدولي، فبات أهل الاقتصاد يحذرون اليوم من تداعيات خطيرة على الأسواق العالمية مع انهيار البورصات وتراجع أسعار النفط والخسائر المباشرة وغير المباشرة على قطاعات الطيران والسياحة والتكنولوجيا والتصنيع، وعلى المستوى السياسي كانت الأزمات السياسية حاضرة في التعامل مع انتشار المرض، فالعدد الكبير للدول الهشة والفاشلة حول العالم كان له تأثير على سرعة انتشار الفيروس في تلك المجتمعات، وعجزت الحكومات الضعيفة وغير المستقرة عن التعامل معه، حتى في واشنطن التي كانت دوماً عاصمة التصدي لمثل هذه الأمراض وانتشارها عالمياً نجد البيت الأبيض ينشر المعلومات المغلوطة حول المرض لحماية فرص ترمب الانتخابية، ويتحدث المختصون عن تأثير سلبي لسياسات الإدارة في تمويل البحث العلمي والحكومة الفيدرالية على قدرة المؤسسات في التعامل مع الحدث، ويتسبب التعاطي غير الشفاف والمسيس مع الأزمة في دول مثل مصر وإيران على زيادة انتشار المرض في دول أخرى، اقتصادياً وسياسياً لا يبدو أن آثار هذا المرض ستكون قصيرة المدى، فضلاً عن أثره الإنساني.

سيناريوهات انتشار المرض والتعامل معه لا تبدو واضحة حتى اليوم مع تضارب المعلومات حول سرعة ووسائل الانتشار والمدى الزمني للوصول لعلاج، ومع التحديات الاقتصادية التي رافقت انتشار المرض هناك تساؤلات كبيرة حول تأثيراته طويلة المدى، من الناحية الإيجابية هناك تراجع في الحالات في منشأ المرض في الصين التي بدأت تفكيك بعض المستشفيات المؤقتة، كما أن الأرقام ما زالت مشجعة حول عدد المتعافين مقارنة بأعداد المصابين، وقد ينجح العالم في كبح جماح الفيروس خلال أشهر قليلة، ولكن آثاره السياسية والاقتصادية والمتشابكة مع ظروف وأزمات غير مرتبطة بالمرض ستبقى خلال هذا العام العسير على البشرية، لعل أهم التأثيرات سيكون في قطاعات الطيران والسياحة، التي بدأت فيها حالات الإفلاس، وكذلك الدول الهشة اقتصادياً والتي بدأت تترنح في إطار التداعيات المباشرة وغير المباشرة.

العالم اليوم بأمس الحاجة إلى تعاون يتجاوز الخلافات السياسية والمصالح الاقتصادية والأجندات الشخصية لتجاوز هذه الأزمة بأبعادها المختلفة، ولعل رحم هذه الأزمة يلد لنا رؤية مختلفة للعالم تدرك هشاشة النظام العالمي، وحاجته إلى وضع الإنسان في مركز الاهتمام، ولكن التاريخ مع الأسف يؤكد أن صراع المال والسلطة لا يعرف الإنسان إلا كأداة صراع ومصدر إنتاج.

 * المصدر: صحيفة الشرق القطرية.

Exit mobile version