تحفظ إيراني على تكليف الزرفي لتشكيل الحكومة العراقية

كلّف الرئيس العراقي برهم صالح، الثلاثاء الماضي، محافظ النجف السابق عدنان الزرفي، بتشكيل حكومة جديدة تخلف حكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، الذي استقال بسبب التظاهرات المطالبة بالتغيير التي اندلعت منذ مطلع شهر أكتوبر من العام الماضي، ولازالت مستمرة.

يأتي تكليف الزرفي في ظل ظروف عصيبة يعشها العراق، بسبب انسداد أفق الحل السياسي لمشاكل البلد، وسط خلافات حادة بين مكونات العملية السياسية، وبعد أن رفض الشارع العراقي عدة مرشحين سابقين، فيما تعثر التوافق بين الكتل السياسية على حكومة وزير الاتصالات الأسبق محمد توفيق علاوي، الذي قدمت اعتذاره عن تشكيل الحكومة لرئيس الجمهورية.

وأمام الزرفي، العضو السابق في حزب الدعوة الشيعي، 30 يوماً لتشكيل الحكومة ونيل ثقة البرلمان، وتنظيم انتخابات نيابية مبكرة.

تعهدات في خطاب التكليف

وفور تسلمه كتاب التكليف، القى الزرفي خطاباً بدئه بتقديم الشكر لمن وصفهم بـ”المرابطين منذ شهور في سوح الاعتصام والتظاهر بحراكهم السلمي من أجل التغيير والمطالبة بالحقوق المشروعة لبناء دولة المؤسسات”.

وقال في كلمته: “أنحني إجلالاً لأرواح الشهداء وإكراماً لدماء الجرحى من المتظاهرين السلميين وقواتنا المسلحة، ممن استرخصوا أرواحهم ودماءهم لبلوغ الحياةِ الحرة والكريمة التي يستحقها منا العراق العزيز وتليق بالعراقيين الغيارى”.

وتعهد الزرفي: “برسم سياسة خارجية عراقية متوازنة، وإجراء انتخابات مبكرة، وملاحقة قتلة المتظاهرين، ومحاربة الفساد، ومواجهة تفشي وباء كورونا”.

وأشار إلى، أن “حكومته ستعمل على حماية أمن المتظاهرين والناشطين، والتأكيد على حرمة التعرض لهم، والاستجابة لمطالبهم المشروعة في تحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير فرص العمل، وتحسين مستوى الخدمات الأساسية”، متعهداً “بإجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، بالتعاون مع ممثلية هيئة الأمم المتحدة العاملة في العراق، وخلال مدة أقصاها سنة واحدة من تشكيل الحكومة القادمة”.

كما تعهد رئيس الوزراء المكلف بـ”العمل على حصر السلاح بيد الدولة والقضاء على كل المظاهر المسلحة، وبسط سلطة الدولة، وتعزيز استعادة السلم الأهلي التام والتعايش المشترك بين الجميع على اختلافهم وتنوعهم”.

وبخصوص سياسة العراق الخارجية بين الزرفي، أن الحكومة التي سيشكلها “ستعتمد سياسة خارجية قائمة على مبدأ العراق أولاً، والابتعاد عن الصراعات الإقليمية والدولية التي تجعل من العراق ساحة لتصفية الحسابات، فضلاً عن السعي للانفتاح على جميع دول الجوار والمنطقة وعموم المجتمع الدولي، بما يحفظ استقلال العراق كدولة ذات سيادة”.

كما تعهد بتحقيق مطالب المتظاهرين فيما يتعلق بمحاربة الفساد، وقال بهذا الخوص: “اتعهد بالتصدي بحزم للفساد المستشري في وزارات الدولة والمؤسسات المختلفة وقطع دابر المفسدين، وسأحرص على ملاحقة الفاسدين قضائياً واستعادة أموال الدولة المنهوبة، وتوفير سبل العيش الآمن ومتطلبات الحياة الكريمة للمواطنين، وتقديم الدعم اللازم للمحافظات والحكومات المحلية”.

تحديات كبيرة

وفي حال حصوله على ثقة البرلمان ستواجه الزرفي، تحديات كبيرة وخطيرة، على رأسها الأزمة الاقتصادية بسبب هبوط أسعار النفط، وخطر انتشار فايروس كورونا في العراق، بعد تسجيل أكثر من 150 إصابة و11 حالة وفاة.

لكن العقبة الأكبر التي تواجه الزرفي، هي التحفظ الإيراني على تكليفه برئاسة الوزراء، حيث عبر عن ذلك تحالف “الفتح” الذي يمثل الحشد الشعبي، المقرب من إيران، وقال الفتح: إن “الرئيس صالح تجاوز الدستور من جهة ولم يلتزم بالتوافق بين القوى السياسية من جهة أخرى”، محملاً إياه ما وصفه بـ”كامل المسؤولية عن تداعيات هذه الخطوات الاستفزازية، وسنأخذ كافة الإجراءات لمنع هذا الاستخفاف بالقانون والدستور”.

ويرى مراقبون أن سبب رفض القوى الموالية لإيران تكليف الزرفي، يعود إلى اعتراضه على قرار سحب القوات الأمريكية من العراق، حيث خاض خلال الشهور الماضية سجالاً علنياً مع حلفاء إيران بشأن هذا الملف، وتحدث عن أن إخراج القوات الأميركية حالياً يفتح الباب على خطر عودة تنظيم “الدولة”، ويهدد علاقات العراق مع الولايات المتحدة الأمريكية أهم شريك سياسي واقتصادي للعراق.

ولم يقتصر رفض الفصائل الموالية لإيران على الجانب السياسي، بل وصل الرفض إلى حد تهديد قادة ميدانيين في الفصائل المسلحة، بقلب الطاولة في حال نيل الزرفي ثقة البرلمان.

حيث أعلن جواد الطليباوي، وهو قائد ميداني بارز في عصائب أهل الحق: أن “موقف أغلب المقاومين ضد المترجم عدنان الزرفي” في إشارة إلى عمل الزرفي مع القوات الأمريكية كمترجم إبان احتلال العراق عام 2003.

وهدد في بيان، يوم الاثنين، قبيل إعلان تكليف الزرفي رسمياً: بأن “المجاهدين في المقاومة الإسلامية سيقلبون أوضاع العراق أسفلها على أعلاها إذا قام برهم صالح بتكليف عدنان الزرفي”.

من جهته قال النائب في البرلمان عن “العصائب” حسن سالم: إن “تكليف الجوكر (عبارة تستخدم لوصف من يتعاملون مع أمريكا) النائب عدنان الزرفي برئاسة الوزراء خيانة لدماء الشهداء”.

سريعاً ترجمت التهديدات على شكل هجمات صاروخية، حيث سقط صاروخان من طراز كاتيوشا، بعد إعلان تكليف الزرفي، على المنطقة الخضراء المحصنة التي تضم المقار السيادية للدولة، إلى جانب السفارة الأمريكية، وكانت المنطقة تعرضت لهجوم صاروخي في 5 مارس الماضي، ليصبح الهجوم الأخير هو الثالث من نوعه خلال هذا الشهر.

وجاء الهجوم بعد ساعات من سقوط صاروخين على قاعدة عسكرية شمال بغداد تأوي قوات أجنبية، بحسب ما أعلن الجيش العراقي، وذلك في ثالث هجوم من نوعه خلال أقل من أسبوع.

والزرفي من مواليد مدينة النجف العراقية عام 1966، انضم إلى صفوف حزب الدعوة العراقي، واعتقل بسبب هذا الأمر عام 1988 من قبل نظام صدام حسين.

هرب من سجن أبي غريب عام 1991، والتحق بمعسكر اللاجئين العراقيين في مخيم رفحاء بالسعودية، قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1994 وحصل على جنسيتها.

عاد إلى العراق عام 2003 وأصبح عضواً في فريق خاص بالإعمار تموله وزارة الدفاع الأميركية، ثم كلفه الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر، بمنصب محافظ النجف، قبل أن ينتقل لشغل منصب كبير في وزارة الداخلية، فاز بعضوية البرلمان العراقي في انتخابات عام 2018.

Exit mobile version