الاقتصاد العراقي بين مطرقة أسعار النفط وسندان فيروس كورونا

تعصف بالعراق أزمة اقتصادية حادة، بعد أن وضعته الظروف الدولية تحت مطرقة انخفاض أسعار النفط، وسندان تأثيرات فيروس كورونا، فيما هو يعاني منذ أشهر من أزمة الفراغ السياسي، بعد استقالة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي أواخر العام الماضي على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي تطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد.

وعجزت القوى السياسية العراقية عن تسمية بديل لعبدالمهدي حتى الآن، في حين عجز البرلمان ونوابه المنقسمون في التوافق على مسودة موازنة عام 2020، التي قدمت على أساس سعر افتراضي للنفط مقدر بـ56 دولاراً للبرميل، وهو أعلى من مستوى أسعار السوق اليوم.

خفض أسعار النفط

بعد إخلال روسيا باتفاقها مع منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، الذي يقضي بخفض الإنتاج للحفاظ على مستوى العرض والطلب، أعلنت السعودية خفض أسعار بيع نفطها تسليم شهر أبريل القادم، وبأثر رجعي قرر العراق تخفيض أسعار بيع نفطه الخام بعد يوم واحد من قرار الرياض.

وتسببت هذه الإجراءات بهبوط حاد في الأسعار العالمية، وسجل النفط أعلى انخفاض له في ثلاثة عقود، يوم الإثنين الماضي، ويتوقع خبراء واقتصاديون أن يكون العراق أكثر المتضررين من تبعات هذا الانخفاض بعد أن كان قد حدد سعر برميل النفط بـ56 دولاراً للبرميل الواحد في موازنة العام الجاري.

ويعود سبب كون العراق المتضرر الأكبر بين دول “أوبك” المصدرة للنفط، التي تضررت ميزانيتها بشكل جماعي بالتوازي، كون الاقتصاد العراقي يعتمد بشكل كامل على واردات النفط وهو ما يجعله عاجز عن تعويض هذه الخسارة.

الحل في الاقتراض

الخبراء يرون أن الحل الوحيد أمام العراق للخروج من المأزق هو الاقتراض من الخارج لتفادي أزمة مالية كبيرة، قد تتسبب بانهيار الاقتصاد.

الخبير الاقتصادي العراقي، عمر عادل الجنابي، قال لـ”المجتمع”: إن الموازنة المقترحة للعام 2020 التي تبلغ حوالي 165 تريليون دينار عراقي، بنيت على عجز متوقع قدره أكثر من 50 تريليون دينار، وهي قائمة على سعر تقديري لبرميل النفط عند سعر 56 دولاراً.

وأضاف: مع انهيار سعر البرميل إلى أدنى من هذا الرقم لنحو الضعف، فإن العجز سيتجاوز 100 تريليون دولار، وستصل الدولة لمرحلة عدم القدرة على سداد رواتب الموظفين، الذين يشكلون نسبة عالية جداً في الدورة الاقتصادية، ويبلغ عددهم 7 ملايين موظف في عموم العراق.

وتابع الجنابي: حجم العجز الفلكي سيرغم الحكومة على تأجيل مشروعات مهمة في قطاعات حيوية مثل قطاع الطاقة، واتفاق ضخم مع شركات عالمية بالجنوب لتطوير حقول النفط، وزيادة طاقة التخزين البترولية، إلى جانب مشاريع النقل والبنية التحتية للتصدير، وبناء وحدات لمعالجة منتجات الغاز الثانوية، والتي كان يفترض أن تزيد من ورادات العراق المالية.

وأشار إلى أن الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد العراقي التي ستكلفه عشرات مليارات الدولارات، ستؤثر بشكل كبير على توفير الخدمات والأدوية والأغذية، في الوقت الذي تواجه فيه البلد مخاطر انتشار فيروس كورونا، الذي انتقل من إيران عبر المسافرين لزيارة العتبات المقدسة.

وختم الخبير الاقتصادي بالقول: إن التأثير سيكون كبيراً على الموازنة التشغيلية، وبشكل خاص ربما على توفير المواد الغذائية الأساسية، التي يعتمد العراق على ما نسبته 90% منها عبر الاستيراد من الخارج.

وكانت صحيفة “بابل” العراقية المحلية نقلت عن مسؤولان بوزارة التجارة، لم تسمهما واصفة إيهما بأنهما “في موقع المسؤولية”، قولهما: إن الوزارة تجد صعوبة في استيراد أغذية أساسية مدعمة، مثل زيت الطعام والسكر والعدس، والتي توزع من خلال بطاقات التموين.

وأضاف أحدهما: لدينا عجز بالفعل في المخصصات المالية الكافية لشراء الأغذية الأساسية، ببساطة ليس لدينا المال وعلى الحكومة إيجاد حل وإلا سنواجه مشكلات معقدة.

وأشار إلى أن تأخر إقرار موازنة عام 2020 يعرقل توقيع عقود جديدة لشراء الحبوب.

“كورونا” تحدٍّ إضافي

جاءت أزمة تفشي فايروس كورونا، لتضيف عبئاً جديداً على كاهل الاقتصاد العراقي، حيث تسبب بتراجع مؤشرات الاقتصاد العالمي، وهو ما ألقى بظلاله على الاقتصادات الهشة التي تعتمد على واردات النفط بشكل كلي، وهو ما يجعلها لا تمتلك المرونة للتكيف مع الأزمات، كما هو الحال مع الاقتصاد العراقي.

سوران سيوكاني، المحرر الاقتصادي في مجلة “الحوار” العراقية قال: إن انتشار الفيروس أثار الذعر في عموم المجتمع العراقي، وهو ما انعكس على كل القطاعات الاقتصادية، بسبب ضعف كفاءة الجهاز الصحي في العراق، فضلاً عن عدم إيجاد العلاج المناسب للفيروس عالمياً؛ وهو ما دفع قطاع الأعمال لاتخاذ خطوات احترازية، وصلت إلى حد التوقف الكامل في بعضها.

وأضاف في حديثه لـ”المجتمع”: إن عدم كفاءة الدولة في التحول إلى المعاملات الإلكترونية، على المستوى الرسمي وغير الرسمي، جعل العراق غير قادر على نقل النشاطات الإدارية والاقتصادية والخدمية من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي كما هو حاصل في معظم بلدان العالم التي تأثرت بالفيروس، فالعراق يحتل المرتبة 155 من أصل 197 عام 2018 في مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية.

يشار إلى أن العراق أقدم على تعطيل المدارس والجامعات، وجعل الدوام في المؤسسات الحكومية بنسبة 50% باستثناء مؤسسات الأمن والصحة، كما أوقف السفر من وإلى العديد من الدول المتأثرة بالفيروس، وقامت بعض المحافظات بغلق حدودها أمام الوافدين إليها من المحافظات الأخرى، وغيرها من الإجراءات الأخرى، التي أسهمت في شل النشاط الاِقتصادي.

Exit mobile version