أشارت استطلاعات للرأي نشرتها وسائل إعلام فرنسية إلى نسبة امتناع قياسية في التصويت خلال الدورة الأولى من الانتخابات البلدية التي شهدتها فرنسا، أمس الأحد.
وتأتي هذه الانتخابات في ظروف استثنائية، إذ تعيش البلاد في شلل شبه تام بسبب تفشي فيروس كورونا الذي أودى بحياة 120 شخصاً وإصابة 5400 آخرين، حسب آخر حصيلة رسمية أعلنها وزير الصحة أوليفييه فيران، مساء أمس الأحد.
وبدا غير واقعي إبقاء الانتخابات التي دعي إليها نحو 47.7 مليون ناخب لاختيار رؤساء بلدياتهم ومجالسهم البلدية، في أعقاب قرار السلطات وقف الحركة في البلاد على نحو واسع، فيما غطت الأزمة الصحية تماماً على الاقتراع.
وقدّر مركزا استطلاع رأي نسبة العزوف عن المشاركة بين 54 و56%، في ارتفاع كبير عن النسبة التي سجّلت في الاقتراع السابق في عام 2014.
وقال برونو جان-بار، مدير مركز “أوبينيون واي”: نحن في طريقنا لتسجيل تراجع بنحو 20 نقطة نسبةً إلى اقتراع عام 2014، مضيفاً: المفترض أن تخلص نسبة المشاركة عند 45 – 46%.
ومساء الأحد، قال رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب: إن نسبة العزوف تشكل دليلاً على تزايد القلق لدى المواطنين.
ويخوض فيليب الانتخابات في مدينة لوهافر في غرب فرنسا.
وقال: إنه ستجري استشارة خبراء ومسؤولي الأحزاب مطلع الأسبوع لاتخاذ قرار بشأن إجراء الدورة الثانية من عدمه.
وطالب مسؤولو حزب الخضر وأحزاب اليمين المتطرف واليسار المتشدد واليمين بإرجاء الدورة الثانية من الانتخابات.
ومن الواضح أن الناخبين لم يستجيبوا لدعوة الرئيس إيمانويل ماكرون الذي كان قد شدد على أهمية التصويت “في هذه الأوقات” إثر اقتراعه الأحد في مدينة توكيه (شمال).
وجرت الدورة الأولى من هذا الاستحقاق الانتخابي غداة إعلان الحكومة إغلاق الأماكن التي تستقبل جمهوراً، وتعدّ غير أساسية للحياة العامة، على غرار الحانات وصالات السينما والمتاجر غير المخصصة لبيع الأغذية بسبب انتشار الجائحة العالمية.
ومنعت التجمعات التي تضم أكثر من 100 شخص، وستغلق، الإثنين، المؤسسات التعليمية في كافة أرجاء البلاد، وستخفّض حركة النقل بدرجة كبيرة في الأيام المقبلة.
وأعلن وزير العدل أنّ المحاكم ستغلق قاعاتها اعتباراً من الإثنين، باستثناء “القضايا الحيوية”.
على الرغم من ذلك، رأت الحكومة التي أصيب اثنان من أعضائها بالعدوى، أنّه بالإمكان إبقاء الاقتراع في موعده.
وجاء العزوف الواسع على خلفية هذه الظروف غير المسبوقة.
وجرى تعقيم مقابض الأبواب والطاولات وغرف العزل قبل بدء التصويت، كما اتخذت إجراءات لتفادي تشكل صفوف انتظار واحترام مسافة الأمان بين الأشخاص.
وأوصت وزارة الداخلية الناخبين بإحضار أقلامهم الخاصة للتوقيع في لوائح القيد.
وعلاوة على انخفاض الإقبال، سرت الخشية في عدد من مراكز الاقتراع من عدم توافر متطوعين لأعمال فرز الأصوات.
وقالت رئيسة مركز في تالنس قرب مدينة بوردو (جنوب-غرب): نبحث عن أناس لعمليات الفرز مساءً، نطلب ذلك ولكنّ كثراً يرفضون.
واعتبرت أخرى في أحد المراكز في شمال شرق باريس أنّ العديدين يخافون ملامسة البطاقات أو البقاء منعزلين في مكتب.
وفي ظل زيادة انتشار الوباء، يشكك كثير من الخبراء بإمكان إجراء الدورة الثانية في موعدها في 22 مارس، وقدر وزير التعليم جان-ميشال بلانكيه الأحد أن الفيروس قد يصيب ربما أكثر من نصف الشعب الفرنسي.
واعتبر أستاذ القانون الدستوري ديدييه موس أنّ إرجاء موعد الجولة الثانية من شأنه إلغاء نتائج الجولة الأولى.
ماذا عن حزب ماكرون؟
وستكون الأنظار متجهة إلى أداء مرشحي الحزب الرئاسي “الجمهورية إلى الأمام” الوسطي، الذي لم يكن قد تأسس بعد في عام 2014.
وواجهت الحكومة مرحلة دقيقة في الأشهر الأخيرة، مع تحركات اجتماعية مثل “السترات الصفراء” وإضرابات ضد الإصلاح المثير للجدل لأنظمة التقاعد.
لكن لا يبدو أن لدى مرشحي حزب الرئيس حظوظاً كبيرة في الفوز في معظم المدن.
وبدأت أولى التقديرات بالظهور مساء الأحد، في باريس التي شهدت حملة محمومة جداً تتصدر رئيسة البلدية المنتهية ولايتها آن هيدالغو بنيلها 30% من الأصوات، متقدّمة على منافستها اليمينية رشيدة داتي، فيما تأتي مرشّحة حزب ماكرون أنييس بوزين ثالثة.
ومن بين أعضاء الحكومة يتصدّر فيليب في لو هافر (غرب)، بينما فاز وزير العمل والحسابات العامة في توركوان (شمال) من الجولة الأولى.
وفي ليل (شمال) تتصدر الاشتراكية مارتين أوبري مع 30% من الأصوات متقدّمة على مرشّحي حزب الخضر وحزب ماكرون.
وفاز عدد من مرشّحي اليمين المتطرّف بولاية جديدة من الدورة الأولى على غرار ستيف بريوا في غينان بومون (شمال) ودافيد راشلين في فريجوس (جنوب).
ويأمل الحزبان التقليديان في فرنسا تحقيق مكاسب في عدة مدن، على الرغم من انقسام اليمين في بعض معاقله كما مرسيليا (جنوب شرق)، بينما على اليسار أن يتصدى لصعود البيئيين في مدن وسطية مثل بوزنسون (شرق) وتور (وسط) وروان (شمال غرب).