لماذا قررت مصر حجب القنوات الشيعية من قمرها “نايل سات”؟

بعدما طالب أحد المحامين محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في مصر، في دعوي قضائية، بإصدار حكم قضائي بإغلاق ووقف بث جميع المواقع الشيعية بصفة عامة، وبينها موقع “النفيس”، وافقت المحكمة الأحد 23 فبراير 2020 على قبول الدعوي، وأصدرت حكمها بقبول دعوى إغلاق ووقف بث المواقع والقنوات الشيعية.

وقضت المحكمة بوقف قرار جهة الإدارة (الحكومة) بالامتناع عن إصدار قرارها بإلزام الشركات المرخص لها بخدمة الإنترنت في مصر، بحجب المواقع الشيعية بصفة عامة، وموقع “ابن النفيس الإخباري” بصفة خاصة، من شبكة الإنترنت.

وموقع النفيس، يشرف عليه الطبيب، والأستاذ الجامعي المصري، أحمد راسم النفيس، وهو أحد أبرز من اعتنقوا المذهب الشيعي في مصر، الذي سبق اعتقاله وادانته بنشر الفكر الشيعي.

ودائما ما يروج النفيس للتشيع، وقال في كتاب سابق له، إنه “متفائل بمستقبل الشيعة، بل وبمستقبل العالم فالعالم كلّه في طريقه إلى تقبّل التشيّع، وهو الإسلام الحقيقي”، على حد قوله.

وقال المحامي سمير صبري مقيم الدعوى إنه تم بالفعل إصدار حكم قضائي بإغلاق ووقف بث جميع المواقع الشيعية بصفة عامة، وبينها موقع “النفيس”.

وقد أشاد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، بحُكم القضاء الإداري بغلق كل المواقع والقنوات الشيعية في مصر، قائلًا: “نحن لا نريد فتنًا في المجتمع، وقنوات تشتم في الصحابة وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم”.

الحزب الشيعي المصري

وفي أكتوبر 2011م، عقب الانفتاح على تقديم أحزاب جديدة بفضل ثورة يناير 2011م، تقدم الدكتور‏ أحمد راسم النفيس بأوراق تأسيس حزب “التحرير‏” إلى لجنة الأحزاب ‏حاملاً في حقيبته توكيلاً موثقاً من ليبراليين وأقباط وشيوعيين وصوفيون، حسبما قال.

وقال “الطاهر الهاشمي”، نقيب الأشراف بالبحيرة أمين مشيخة الطريقة الهاشمية أحد مؤسسي الحزب الشيعي الستة، حينئذ لوسائل الاعلام أن “الحزب ليس شيعياً بل ليبرالي مدني”.

للمرة الثانية في غضون عامين، أصدرت دائرة الأحزاب السياسية بالمحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار محمد مسعود رئيس مجلس الدولة، حكما برفض الطعن المقام من الناشط الشيعي أحمد راسم النفيس، لإلغاء اعتراض لجنة شئون الأحزاب على تأسيس حزب جديد تحت مسمى “حزب التحرير”، لتسدل الستار على الحزب الشيعي.

وقد أصدرت دائرة الأحزاب السياسية بالمحكمة الإدارية العليا المحكمة حكم في ديسمبر 2015 برفض تأسيس الحزب وكررت نفس الحكم عام 2017 استنادا لرفض لجنة شئون الأحزاب له “لعدم استيفائه عدد التوكيلات المطلوبة لتأسيس الحزب”.

ويلزم قانون الأحزاب في مصر أن يحصل مؤسسي الحزب على إخطار قيام وتأسيس الحزب موقع من 5000 عضو مؤسس من عشرة محافظات على الأقل، بما لا يقل عن 300 عضو من كل محافظة، ما يعني أن هذا العدد لا يتوافر فعليا أو ان الشيعة المناصرون له لا يرغبون في كشفهم رسميا.

وقبل رفض الحزب قضائيا، نشرت “اليوم السابع“، المقربة من السلطة تقريرا نقلا عن “مصادر” لم تحددها، ويعتقد أنها أمنية، تقول فيه أن “شيعة مصر يروجون إلى أن هذا الكيان منظمة اجتماعية خيرية لخدمة المواطنين الفقراء ودعم الإنسانية عامة، لكنه في الحقيقة سيكون غطاء لهيكل تنظيمي يستهدف نشر الفكر الشيعي، من خلال إصدار صحف أو نشر كتب أو منشورات، والتحرك بين المواطنين بأريحية شديدة”.

وقالت إن الشيعة الذين يحاولون تأسيس هذا الكيان هم طارق الهاشمى وعماد أديب الناشط الشيعي، وسالم مصطفى الصباغ، ومحمد الدرينى القيادي الشيعي مؤسس حركة آل البيت في مصر، وتوقعت فشلهم في تأسيس “المجلس الأعلى للشيعة”.

حجم الشيعة في مصر

لم يكثر الحديث عن الشيعة في مصر ألا قبل ثورة 25 يناير 2011 مباشرة مع تزايد صدور تقارير حقوقية أمريكية ومصرية تتحدث عن انتهاكات ضدهم، وتصاعد الحديث بشكل أكبر بعد الثورة بعدما زار الرئيس السابق محمد مرسي إيران وزار الرئيس الايراني مصر.

وحظي الشيعة في مصر بأول اهتمام واعتراف رسمي بهم في السبعينات من القرن الماضي حيث ساهمت العلاقة القوية التي كانت تربط بين نظام حكم السادات وإيران في عهد حكم الشاة على تسهيل ظهور “جمعية آل البيت” التي قامت بنشاط هام لإبراز الدور الشيعي.

بيد أن قيام الثورة الإيرانية عام 1979 ودخول حكومة الرئيس السادات في صدام مع حكم الأمام الخميني ترتب عليه إلغاء الجمعية بقرار من الحكومة المصرية كما تم مصادرة المسجد التابع لها والذي كان يحمل اسم مسجد آل البيت.

ورغم أن الجمعية حصلت على حكم قضائي بممارسة حقها في العودة لممارسة نشاطها إلا أن الحكومة المصرية لم تقم بتنفيذ هذا الحكم وعرقلته بوسائل قانونية مختلفة ومتعددة، كما بدأت حملات إعلامية لوصف المعتقد الشيعي الإيراني بأنه “ضال” ضمن السجال الإعلامي بين البلدين.

ومع عودة الانفراج إلى العلاقات المصرية الإيرانية، وعقد لقاءات للتقريب بين المذاهب في مصر وإيران شارك فيه الأزهر الشريف، سعي الشيعة لتأسيس “المجلس الأعلى لرعاية آل البيت” برئاسة محمد رمضان الرديني الذي اعتقل قبل ثورة يناير 2011.

أما بداية الحديث عن وجود شيعي في مصر فظهر عام 2004 عندما جاءت لجنة الحريات الدينية الأمريكية لمصر لتفتح الملف بشكل ملفت للنظر بحديثها مع مسئولين مصريين ودينيين مثل مفتي مصر عن التضييق على البهائيين والشيعة في مصر وعدم تمتعهم بالحرية الدينية.

حيث أعقب هذا صدور تقارير حقوقية أخري لمنظمات مصرية تشير لتاريخ هذه الانتهاكات ضد الشيعة الذين لا توجد إحصاءات رسمية بعددهم ويقدرهم تقرير لجنة الحريات الدينية الأمريكي بـ 700 ألف نسمة (1% من السكان)، فيما قدرهم الكاتب فهمي هويدي بما يتراوح بين 15 و20 ألف شيعي مصري فقط.

وساعد على هذا نشر بعض المنظمات الحقوقية “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية” تقارير عن اعتقال أجهزة الامن لـ 124 شيعيا حينئذ في ستة حملات أمنية على مدار ستة أعوام.

وقد أكد مسئولي الأزهر أن المذهب الشيعي “معترف به دينيا في مصر منذ فتوي الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر عام 1959 بجواز التعبد على مذهب الشيعة الأمامية الاثني عشرية، وتأكيد الشيخ سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق لذات الفتوي واعتباره مذهب جائز شرعا كسائر مذاهب السنة”.

ولعب التيار السلفي لاحقا دورا في محاربة ما سمي المد الشيعي وزيارة الرئيس الراحل محمد مرسي لإيران، ووصل الأمر لتنظيم مظاهرة أمام مسجد الفتح بوسط القاهرة للمطالبة بقطع العلاقات المصرية مع إيران، والهتاف: “لا الشيعة في مصر .. يا رئيس الجمهورية أقطع العلاقات الإيرانية”، “لا للشيعة في مصر” كما تظاهر قرابة 60 منهم أمام منزل القائم بأعمال السفير الإيراني بمصر الجديدة.

وقال الشيخ محمد حسان للرئيس مرسي: “لن ينصرك الله إذا فتحت الباب للشيعة في مصر وبدأت المصلحة مع إيران”، فيما حذره الشيخ يعقوب من “نشر التشيع والتعاون مع إيران، وأبو اسحاق الحويني من “مؤامرة الشيعة”، ودعا ياسر برهامي لمواجهة “الخطر الشيعي على مصر”.

وكانت اغلب الاعتراضات تشير لأن هناك وجود شيعي عبر حسينيات منتشرة في مصر في القري، ونشاط سري غير معلن.

34 قناة شيعية علي القمر المصري

لا يوجد تقدير رسمي لعدد القنوات الشيعية التي تبث عبر القمر الصناعي المصري “نيل سات”، ولكن الباحث المصري “هيثم الزعفان” المتخصص في شؤون التبشير، يؤكد أن أنه أحصي 47 قناة على القمرين لما اسماه “قنوات تبشيرية شيعية” تبث عبر القمر الصناعي المصري، وأن جلها موجه للأطفال في صورة مواد ترفيهية أو حوارية أو تعليمية أو دينة وتراثي.

وقال إن القمر الصناعي المصري ” نايل سات” عليه 34 قناة شيعية موزعة ما بين قنوات للأطفال، قنوات إخبارية وحوارية، قنوات اقتصادية وتعليمية، قنوات فنية وتراثية، وأخيراً القنوات الدينية التي تمثل الأكثرية في القائمة.

أما بالنسبة للقمر الصناعي “عرب سات” فعليه حوالي 13 قناة شيعية وغالبهم موجود على النايل سات أيضا، و”جميع تلك القنوات تصاغ مادتها الإعلامية وفق العقيدة الشيعية وموجهة لخلخلة عقيدة أهل السنة والجماعة بل والسعي لتشييع أكبر قدر ممكن منهم”، بحسب قوله.

كذلك أشارت منتديات إعلامية لإن عدد الفضائيات العراقية عموما على القمر الصناعي المصري بلغ قرابة 30 محطة فضائية، غير قرابة 5 قنوات أخري كردية وعراقية على القمر الأوروبي، وقسم كبير من هذه الفضائيات “طائفي” يركز على قضايا طائفية أو حركات انفصالية، غير فضائيات أخري تعمق التوجهات الطائفية والعرقية.

بالتوازي مع معركة “عاصفة الحزم” في اليمن، تصاعدت الحملة ضد هذه القنوات الشيعية، ودارت رحى معارك بين القنوات الشيعية والقنوات السنية العراقية، على القمر الصناعي المصري (نايل سات)، ودعوات سنية لـ “عاصفة حذف” للفضائيات الشيعية، وغلقها.

ودشنت ائتلافات سلفية حملة موسعة ضد القنوات الشيعية وشملت الحملات تدشين صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، وحملات طرق ابواب في معظم المحافظات، وتنظيم ندوات ومؤتمرات لمناهضة الفكر الشيعي في مصر، ودعوا الرئيس عبد الفتاح السيسي وإدارة النايل سات لإغلاق جميع القنوات الشيعية سواء الإيرانية أو العراقية أو غيرها.

ويقول علاء السعيد مؤسس الائتلاف ضد القنوات الشيعية إن “هناك بطئًا داخل المحاكم المصرية في الفصل في تلك القضايا لغلق هذه القنوات، مطالبًا بالإسراع في إصدار الأحكام، ووقف بث القنوات الشيعية فورًا، مؤكدا أن “هناك 75 قناة شيعية تدور في نفس مدار القمر الصناعي المصري 7 غرب، بالإضافة إلى ما يقرب من 7 قنوات شيعية تبث عليه رسميًا”.

وقال: “كل قناة تدفع 22 ألف دولار شهريا وذلك للقناة التي تعمل بـ 2 ميجا فقط، بالإضافة إلى أن هناك 600 ألف جنيه تأمين لكل قناة، وهذه مبالغ لا يمكن أن تردهم الحكومة المصرية للقنوات الشيعية، وبالتالي فإن غلق القنوات الشيعية سوف يؤثر سلبًا على الدخل الذي يدره النايل سات، ولهذا ترفض الحكومة المصرية غلق هذه القنوات”.

Exit mobile version