فصائل موالية لإيران تعيد العراق إلى مربع المواجهة مع القوات الأمريكية

تزامناً مع أربعينية رئيس فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، اللذين قتلا في غارة جوية أمريكية، يوم الجمعة الموافق 3 يناير الماضي، صعدت قيادات في فصائل شيعية مسلحة موالية لإيران لهجتها تجاه القوات الأمريكية، متوعدة ومهددة باستخدام القوة لإخلاء المنطقة من القوات الأجنبية، ثائراً لعملية الاغتيال.

وسريعاً تم ترجمة التهديدات على الأرض، عبر هجمات صاروخية استهدفت مصالح أمريكية في العاصمة بغداد، وقواعد أمريكية شمالي العراق، لم ترد معلومات عن وقع خسائر بشرية أو مادية بسببها.

السفارة بمرمى النار

رغم أن العديد من التحليلات تشير إلى أن القرار الأمريكي باغتيال سليماني جاء بأثر رجعي لاستهداف ومحاصرة أكبر سفارة أمريكية بالعالم في بغداد من قبل موالين للحشد الشعبي، فإن الفصائل الشيعية لم تتوانَ عن استهدافها مجدداً بصواريخ الكاتيوشا، حيث استهدفت ثلاثة صواريخ، فجر الأحد الماضي، المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد التي تضم مقار الدولة العراقية السيادية وبعض السفارات الأجنبية ومنها السفارة الأمريكية، التي وقع أحد الصواريخ على بعد أمتار منها.

ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن مسؤول عسكري أمريكي، لم تسمه، قوله: إن صواريخ صغيرة سقطت على قاعدة عراقية تستضيف قوات أمريكية، في المنطقة الخضراء في بغداد، في وقت مبكر الأحد، لكنها لم تسبّب أي خسائر بشرية ولم تُحدِث سوى أضرار طفيفة.

جاء هذا القصف بعد يوم واحد من رشقة صواريخ كاتيوشا استهدفت قاعدة عسكرية عراقية بمحافظة كركوك شمالي البلاد تضم قوات أمريكية، وأكدت خلية الإعلام الأمني الحكومية، عبر حسابها الرسمي في موقع التدوينات القصيرة “تويتر” استهداف القاعدة، مشيرةً إلى أن القوات العراقية بمساندة أمريكية عملت على تفتيش المنطقة المجاورة للقاعدة بشكل شامل وواسع، وذكرت أنها عثرت خلال عملياتها على قاعدة لإطلاق الصواريخ تحمل 11 صاروخاً.

يشار إلى أن القاعدة المستهدفة هي ذاتها التي قتل فيها متعاقد أمريكي، في 27 ديسمبر 2018، بعد استهدافها بـ 30 قذيفة صاروخية، وردت القوات الأمريكية بخمس ضربات استهدفت منشآت قيادة وتحكم تابعة لكتائب حزب الله العراق، وهي جزء من الحشد الشعبي العراقي؛ الذي يعد جزءاً من القوات العراقية.

عودة لغة التهديد

تأتي هذه التطورات الميدانية بعد سلسلة تصريحات من قبل قادة الفصائل الشيعية المسلحة، هددت وتوعدت القوات الأمريكية بالاستهداف ما لم تستجب لمطلب مغادرتها الأراضي العراقية.

أكرم الكعبي زعيم حركة “النجباء” العراقية، ومن العاصمة الإيرانية طهران، أعلن عن بدء ما وصفه بـ”العد التنازلي لساعة صفر الانتقام من الأمريكيين”.

وقال في كلمة له، يوم الجمعة الماضي، ألقاها في مؤتمر بمناسبة مرور أربعين يوماً على اغتيال سليماني والمهندس: إن الرد العسكري للمقاومة العراقية على المحتل الأمريكي أصبح حتمياً، وسيكون استنزافياً ومفاجئاً.

وأضاف أن أقل الوفاء والثأر من الجريمة الأمريكية الجبانة في استهداف القادة الشهداء هو تطهير المنطقة من الوجود الأمريكي المشؤوم بشكل كامل، وقد اتخذنا قراراً بأن نحقق توازن الرعب ونطردهم من أرضنا.

وتابع الكعبي أن فصائل المقاومة تجهزت لحرب استنزاف بعمليات نوعية ستقلب الموازين على الأمريكيين بالعراق، والحرب ستبدأ من طرف واحد.

وأشار إلى أنه تم رصد كل تحركات العدو البرية في كل من قواعد عين الأسد، وكي وان، والتاجي، والمطار، وكذلك حركته الجوية.

وفي ذات السياق، قال الأمين العام لحركة “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي، مساء السبت الماضي: نريد انسحاباً فورياً للقوات الأمريكية من العراق، وهذا شرطنا لرئيس الوزراء الجديد، وعليه أن يستجيب لقرار الشعب، مشدداً على أن الخيار العسكري ضد القوات الأمريكية لا يزال قائماً.

وأضاف، في مقابلة مع تلفزيون محلي، أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تجاوزت كل الخطوط الحمراء في العراق، وأن اغتيال القائدين الكبيرين الشهيدين قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس جريمة كبرى.

وتابع الخزعلي أن تأجيل عمليات المقاومة ضد القواعد العسكرية الأمريكية في العراق تم بضغوط من شخصيات سياسية، وأبرزهم هادي العامري، ومقتدى الصدر، مشيراً إلى أن قرار إخراج القوات الأمريكية قرار شيعي بامتياز.

وتحدث الأمين العام لعصائب أهل الحق عن أن فصائل المقاومة الآن أقوى بكثير كماً ونوعاً، وعددنا وصل إلى عشرات الآلاف، وإمكانيات صواريخنا كبيرة جداً، فضلاً عن معدات عسكرية أخرى.

ضغوط سياسية

عودة استهداف المصالح العسكرية الأمريكية في العراق جاء متزامناً مع ضغوط سياسية تمارسها إيران والأحزاب السياسية الموالية لها في العملية السياسية، للضغط على رئيس الوزراء العراقي المكلف، محمد علاوي، ليجعل مسألة إخراج القوات الأمريكية على أجندة حكومته المؤقتة.

الصحفي العراقي حسين الكعبي، قال لـ”المجتمع”: إن رئيس الوزراء المكلف يتعرض لضغوطات من تحالف الفتح، الذي يتزعمه القيادي في الحشد الشعبي هادي العامري، لإدراج إخراج القوات الأمريكية ضمن برنامج الحكومة، كشرط لدعم تشكيلها.

وأضاف أن علاوي يواجه صعوبة بالتفاوض مع الكتل الشيعية بسبب مسألة إخراج القوات الأمريكية، التي يمكن أن يكون لها تبعات اقتصادية خطيرة، إلى جانب التبعات العسكرية، حيث ترتبط منظومة التسليح العراقية بالقوات الأمريكية، وبين الجانبين عقود مبرمة بمليارات الدولارات.

وتابع الكعبي أن إيران تضغط على الأحزاب والقوى السياسية الشيعية لتسريع عملية تفعيل قرار البرلمان العراقي بإخراج القوات الأجنبية من العراق، مشيراً إلى أن المطالبة بتفعيل القرار جاءت بعد تريث آثرته حكومة تصريف الأعمال برئاسة عادل عبدالمهدي مع قرار البرلمان خشية من التداعيات الاقتصادية.

وكان تحالف سائرون التابع للتيار الصدري، قال في وقت سابق: إن رئيس الوزراء المكلف ملزم بتنفيذ قرار مجلس النواب بإخراج القوات الأجنبية، وعلى رأسها القوات الأمريكية.

من جهته، قال النائب عن تحالف “الفتح” أحمد الكناني: إن علاوي في بياناته لم يتطرق إلى ملف إخراج القوات الأمريكية، وهذا الأمر ينبغي أن يتم توضيحه، مطالباً بـ”المضي في إجراءات إخراج المحتل سريعاً”.

يذكر أن مجلس النواب العراقي (البرلمان)، صوت في 5 يناير الماضي، على قرار يقضى بإلزام الحكومة بإخراج القوات الأجنبية من البلاد، على خلفية مقتل سليماني، وأبو مهدي المهندس.

Exit mobile version