سورية.. معركة السيطرة على الطرق الدولية بين طموح النظام وأطماع روسيا

 يسعى نظام الأسد للسيطرة على الطرق بهدف تنشيط الحركة الاقتصادية

فتح الطرق يساعد النظام في نقل المعدات العسكرية ما يعزز مكاسبه وسيطرته الميدانية

لم يعد خافياً أن التدخل الروسي في سورية هدفه استعماري بحت

الحرب السورية ضحيتها الشعب، فالمعارك التي تدور على الطرق الدولية لرسم الحدود بين أطراف النزاع

 

يسابق نظام بشار الأسد الزمن للسيطرة على الطريقين الدوليين (M4) و (M5)، بدعم لامحدود من روسيا وإيران، وهي حرب دامية اتخذت سياسة الأرض المحروقة وسيلة لقتال مستميت لتحقيق التقدم على الأرض، فيما تواجه المعارضة الهجوم بإمكانات متواضعة جبروت الآلة العسكرية الروسية، وبطش مليشيات إيران وجيش الأسد، وتجد تركيا نفسها وحيدة في الدفاع عن مصالحها وعن المعارض والشعب السوري، الذي لايجد سوى الأراضي التركية ملاذاً له من جحيم المعارك.

وهو ما يطرح تساؤلات عن أهمية هذه الطرق، التي سيطرت المعارضة السورية على أغلبها، حيث تشكل عقدة مواصلات بين دول المنطقة، وكانت تدر على النظام 3 مليار دولار سنوياً، بمرور حوالي 150 ألف شاحنة سنوياً من خلالها.

أهمية الطرق للنظام

موقع سورية الاستراتيجي الذي يتوسط العراق وإيران وتركيا، جعل من الطريق (M5)، أحد أهم الطرق الدولية البرية خصوصاً لحركة البضائع و”الترانزيت” عبره.

ويتجه الطريق من مدينة حلب وينتهي عند معبر اليعربية على الحدود العراقية، ويمر بمدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي، ومن ثم إلى منبج كبرى المدن في ريف حلب قاطعاً نهر الفرات، وصولاً إلى بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، ثم يصل إلى بلدة تل تمر في ريف الحسكة الشمالي الغربي، حيث يتفرع الطريق إلى عدة اتجاهات، ومن ثم قرية تل بيدر، وصولاً إلى قرية أبو رأسين، حيث يقطع ريف الحسكة الشمالي ليصل إلى الحدود العراقية.

أما الطريق (M4) فيكتسب أهميته من أهمية المنطقة الاقتصادية التي يمر بها، حيث ينقل عبره الثروات النفطية والزراعية التي تشتهر بها المنطقة، وينطلق من مدينة اللاذقية، كبرى مدن الساحل السوري غرباً، ثم يخترق ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، وصولاً إلى مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، ثم يمر بقرية فريكة قاطعاً ريف إدلب الجنوبي حيث يمر عبر مدينة أريحا، وفي مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي، يلتقي طريقا (M4) و (M5) القادمان من مدينة حماة ليشكلا طريقاً واحداً باتجاه مدينة حلب كبرى مدن الشمال السوري.

هذه الأهمية التي تحظى بها الطرق الدولية في سورية، دفعت روسيا وإيران لتقديم دعم لامحدود للنظام لاستعادتها، وهو ما مكنه من استعادة معظمها عام 2018، وبقيت أجزاء منها تحت سيطرة المعارضة، وهو ما شكل عائقاً أمام تحقيق مصالح الأطراف المتصارعة.

خارطة معركة 2020

وتهدف المعارك التي أطلقها النظام السوري في ريف حلب ومحافظة إدلب، مطلع العام الجاري ولازالت رحاها دائرة، لفتح طريق (حماة – حلب)، وهذا يعد استكمالاً لمعارك جرت سابقاً في مناطق جميعها مشمولة باتفاق خفض التصعيد.

وتشكل مدينة سراقب أهمية في هذه المعارك، لأن الطريق (M5) القادم من حلب يفترق فيها إلى دمشق جنوباً واللاذقية غرباً، أما طريق حلب اللاذقية فهو جزء من طريق المعروف (M4)، الذي يصل اللاذقية بمعبر اليعربية على الحدود السورية العراقية.

المعارضة السورية تسيطر على نحو 136 كم من طريق (حلب- اللاذقية)، من منطقة المنصورة في ريف حلب الغربي، مروراً بسراقب فأريحا ثم جسر الشغور إلى ريف اللاذقية الشمالي، وهو جزء من طريق (M5)، وتسيطر على الجزء الأكبر منه “هيئة تحرير الشام”، وهناك عدة نقاط مراقبة تركية قريبة من هذا الطريق.

كذلك تسيطر المعارضة على جزء من طريق (حلب- دمشق)، بدءاً من جنوب غرب حلب حتى معرة النعمان، وهو جزء من طريق (M4).

ويسعى نظام الأسد للسيطرة على الطرق بهدف تنشيط الحركة الاقتصادية، وهو ما سيؤدي لخفض الأسعار والبضائع بسبب سهولة نقلها بين دمشق وحلب وبقية المدن، وهو بالتالي يؤدي إلى تخفيف النقمة الشعبية الناتجة عن تردي الوضع الاقتصادي وارتفاع الأسعار المستمر.

كما أن فتح الطرق يساعد النظام في نقل المعدات العسكرية، الأمر الذي يعزز مكاسبه وسيطرته الميدانية.

أهمية الطرق لروسيا

ذكرت روسيا صراحة أهمية هذه الطرق الدولية بالنسبة لها ولنظام الأسد منذ اتفاق “سوتشي” أواخر عام 2018، واجتماعات “أستانا” التي قسمت مناطق المعارضة حسب هذه الطرقات.

فسعت موسكو للسيطرة على الطرق بكافة الوسائل الممكنة، منها ما يعرف بالمصالحات والتهجير القسري جنوباً، والمعارك الشرسة في الشمال، ففي شهر مارس 2018، تم السيطرة على طريق (حمص – دمشق) بعد سيطرة قوات النظام على الغوطة الشرقية، كما تم السيطرة على طريق (حمص – حماة) في مايو 2018، بعدما عرف باتفاق تهجير ريف حمص الشمالي، وفي يوليو 2018، ساهم اتفاق درعا في سيطرة النظام على ما تبقى من الطريق الرابط بين دمشق ومعبر نصيب الحدودي مع الأردن.

ولم يعد خافياً أن التدخل الروسي في سورية هدفه استعماري بحت، فالحفاظ على نظام الأسد يأتي من باب الحرص على الإبقاء عليه ضعيفاً هزيلاً مسيطراً عليه، في ظل حرص محموم من الأخير على التشبث بالسلطة مهما كان الثمن، ويستدل المراقبون بهذا الخصوص على المشهد الذي ظهر فيه بشار الأسد مؤخراً، حيث استقبله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قاعدة عسكرية روسية على الأراضي السورية، فيما ظهر وزير دفاعه بمظهر مهين أمام الكاميرات وهو يجلس على كرسي صغير الحجم بالقياس إلى باقي الكراسي.

ويرى المراقبون أن رغبة موسكو بالسيطرة على الأراضي السورية، لاتكتمل إلا بالسيطرة على الطرق الدولية التي تربطها بدول الجوار، ما يمنحها قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية أكبر في المنطقة.

وتسعى روسيا لتحقيق عدة أهداف من خلال السيطرة عل الطرق؛ أهمها:

– بدء عملية إعادة إعمار سورية، للاستفادة من العقود التي تم توقيعها مع النظام، خصوصاً في مجال إعادة إعمار تلك الطرق التي ستفرض عليها رسوم عبور، بحسب ما أعلن النظام من خطط بهذا الصدد.

– التحكم بتجارة “الترانزيت” بين سورية ودول الجوار، وربط شبكة الطرق بمصالحها الاقتصادية، وقد سعت للوصول إلى هذا الهدف عبر عدة وسائل، ففضلاً عن دعم العمل العسكري قامت بجهود دبلوماسية أقنعت من خلالها المملكة الأردنية الهاشمية بالضغط على فصائل المعارضة السورية في الجنوب لإعادة فتح معبر نصيب وعقد مصالحات مع النظام لهذا الغرض.

أهمية الطرق لإيران وتركيا

لا تقتصر أهمية الطرق على الجانب الروسي، بل تتعداه إلى الدول الأخرى المشاركة في التدخل بهذا الملف، فإيران وقعت اتفاقات اقتصادية متعلقة بالكهرباء والفوسفات والاتصالات مع النظام مقابل وقوفها إلى جانبه في حربه ضد شعبه، ولارتباط تلك الطرق بالطريق البري الذي تحاول طهران فتحه؛ ويربطها بساحل المتوسط ولبنان؛ تسعى لتمكين ميليشياتها من هذه الطرق بدعم جيش الأسد، وخاصة في ظل الحديث عن سعيها لإنشاء مرفأ جديد في أقصى جنوب طرطوس قرب الحدود اللبنانية.

كما تشكل الطرق أهمية بالغة لتركيا، إذ أن فتحها يحقق مصلحة اقتصادية مهمة في حال السماح للشاحنات التركية بالعبور إلى دول الخليج.

ويمكننا أن نخلص في النهاية؛ إلى أن الحرب السورية في مجملها حرب مصالح ضحيتها الشعب السوري، فالمعارك التي تدور على الطرق الدولية هي لرسم الحدود بين أطراف النزاع، فمن يسيطر عليها يسيطر على المناطق المحيطة بها.

Exit mobile version