أغلب محركات الاقتصاد العالمي بلغت الذروة وتتجه للهبوط!

وسط قمم جبال الألب في منتجع دافوس السويسري، انشغل السياسيون والمستثمرون والمديرون التنفيذيون بمناقشة ما إذا كنا نشهد الذروة التي يليها الانخفاض في المحركات الرئيسة للاقتصاد العالمي.

الذروة في الطلب على النفط، وفي إنتاج السيارات، وفي نسبة الشباب من إجمالي السكان، وموضوعات أقل قابلية للقياس (مثل: العولمة، وعدم المساواة، وقوة المصارف المركزية)، هذه هي موضوعات النقاش الرئيسة في عام 2020م.

ويطلب الإستراتيجيون في «Bank of America Corp” من العملاء بالفعل أن يستعدوا لـ”عقد الذرى” التي من شأنها أن تعطل الأعمال التجارية والاستثمار، ويصف “إيان بريمر”، مندوب الاجتماع السنوي لمنتدى الاقتصاد العالمي ومؤسس مجموعة “أوراسيا”، هذا العام (2020م) بأنه “نقطة تحول”.

وتم التعبير عن الموضوع في جميع أنحاء برنامج دافوس، من خلال لوحات متعددة حول “رأسمالية أصحاب المصلحة” ومعالجة عدم المساواة، وناقش المشاركون أيضاً مستقبل العولمة، وما إذا كانت البنوك المركزية قد أصبحت عديمة القيمة.

وهذه هي نقاط الحديث الساخنة:

1- ذروة العولمة:

إن حقبة تدفق الأشخاص والبضائع والأموال بلا قيود على نحو متزايد في جميع أنحاء العالم ربما تكون قد تم تجاوز ذروتها، حيث تسعى الحكومات الآن إلى الحمائية، وإقامة المزيد من العقبات أمام الهجرة، فيوجد بالفعل نحو 77 حاجزاً مادياً يحدد الحدود الدولية، مقارنة بـ15 حاجزاً فقط في عام 1989م بعد سقوط جدار برلين، وفقاً لبنك «أوف أمريكا»، وتقول منظمة التجارة العالمية: إن وتيرة النمو في التجارة الدولية انخفضت إلى أقل من معدل التوسع الاقتصادي الطبيعي في عام 2019م للمرة الخامسة منذ الأزمة المالية، وتقول الأمم المتحدة: إن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في انخفاض منذ عام 2015م. 

وهناك حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين في قلب هذا التحول، ولكن حتى مع توقيع اتفاق مؤقت، فإن «معهد بيترسون للاقتصاد الدولي» يعتقد أن متوسط التعريفة الأمريكية على الواردات من الصين سيظل 19.3%، مقابل 3.1% في بداية عام 2018م، وبعيدا عن بكين، يسعى «ترمب» أيضاً لإعادة تشكيل منظمة التجارة العالمية واحتمال فرض قيود على صادرات السيارات الأوروبية، ولا تزال الولايات المتحدة بحاجة إلى إبرام صفقة تجارية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، فإن التطوير المستمر للاقتصاد الرقمي، وزيادة السياحة والاعتماد المتزايد للشركات على الإيرادات المتحققة خارج أسواقها المحلية، يوفران مجالاً للثقة بأن العولمة ستتطور بدلاً من أن تنتهي.

2- ذروة الرأسمالية:

كبار الرأسماليين بدؤوا يناقشون ما إذا كان يتعين على الشركات أن تزن أصحاب المصالح مثل العملاء والموظفين بشكل أفضل، وهذا خروج عن مألوف العقود الماضية وعقلية المساهمين القديمة.

ووراء هذا التحول المتمثل في صعود الشعبوية، لا تتماشى المخاوف بشأن الأجور مع الأصول مثل الأسهم والمخاوف بشأن تغير المناخ.

فجيل الألفية الناضجة هو القوة الدافعة القوية، وعند اتخاذ القرارات الاستثمارية، يعتقد 87% من المولودين بين عامي 1981 و1996م أن العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة عوامل مهمة، وفقاً لبنك «أوف أمريكا».

3- ذروة عدم المساواة:

سوف يصبح الضغط للحد من عدم المساواة أكثر إلحاحاً في هذا العقد مع اقتراب أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة من موعدها المحدد في عام 2030م، وقد وقّعت 193 حكومة على 17 هدفاً (goals)، و169 مستهدفاً (targets)، و304 مؤشرات حول كيفية القضاء على الفقر وتنظيف البيئة والمشاركة في الرخاء للجميع.

كان هناك بالفعل بعض التقدم؛ حيث يقدر “أبهيجيت بانيرجي”، و”إستير دوفلو” -الحائزان على جائزة “نوبل للاقتصاد” في العام الماضي- أن متوسط دخل أقل من 50% من أصحاب الدخل في العالم قد تضاعف تقريباً منذ عام 1980م.

لكن “ويليام جيل”، من معهد “بروكينجز”، يشير إلى أن أغنى 400 أمريكي الذين يمتلكون 3.26% من الثروة في عام 2018م، شهدت ثروتهم ارتفاعاً من 0.93% في عام 1982م، دفعوا فقط 1%، وهو ما يقدر بنحو ثلث دخلهم الضريبي في عامي 1979 و2019م، نتوقع أن تتراكم هذه الأرقام قبل الانتخابات الأمريكية في نوفمبر المقبل، مع قيام بعض المرشحين الديمقراطيين بترويج ضرائب أعلى للشركات والثروة. 

4- ذروة الشباب:

لأول مرة، يوجد الآن عدد أكبر من كبار السن ومن الأطفال في العالم، وهذا الاتجاه من المتوقع أن يتصاعد، ووفقاً للأمم المتحدة؛ انخفض معدل الخصوبة العالمي إلى النصف من 5 أطفال لكل امرأة في عام 1955م، وارتفع متوسط العمر المتوقع من 31 في الفترة من عام 1900م إلى 72 اليوم، ومن المتوقع أن يصل إلى 83 بحلول نهاية هذا القرن.

ومن المتوقع أيضاً وجود مليار شخص آخر على هذا الكوكب بحلول عام 2030م، سيكون المزيج الديموجرافي مختلفاً تماماً؛ فعدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكبر يفوق عدد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات، كما أن نمو السكان في سن العمل من المتوقع أيضاً أن يتباطأ؛ مما سيؤدي إلى تباطؤ موارد المعاشات التقاعدية وموارد الرعاية الصحية، وفي دراسة حديثة، قال أستاذ جامعة ستانفورد «تشارلز جونز»: إن هناك إمكانية واضحة بأن ينخفض عدد سكان العالم بدلاً من الاستقرار على المدى الطويل، مما يهدد النمو الاقتصادي.

5- ذروة تغير المناخ:

يواجه العالم سلسلة كاسحة من نقاط التحول المتعلقة بالمناخ (من ذوبان أغطية الجليد إلى الجفاف وموت الشعاب المرجانية)؛ فقد قامت مجلة «نيتشر»، في نوفمبر الماضي، بجمع المخاطر التي وصفوها بأنها حالة طوارئ مناخية ستضطر العالم لاتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية للحد من الانبعاثات الحرارية.

وكتب مؤلفو المقال: «نعتقد أن وقت التدخل المتبقي لمنع الانقلاب يمكن أن يكون قد تقلص بالفعل نحو الصفر، في حين أن زمن التفاعل لتحقيق صافي انبعاثات يبلغ 30 عاماً على أفضل تقدير».

توقف الجهد الدولي لكبح تلوث الوقود الأحفوري، في ديسمبر الماضي، بعد أن خففت محادثات الماراثون التي أجرتها الأمم المتحدة من لغتها بشأن القضايا التي اتفقوا عليها في السنوات السابقة.

6- ذروة الطلب على النفط:

وضعت درجات الحرارة الأكثر سخونة تمحيصاً جديداً على مزيج الطاقة في العالم.

وهذا يعني أن الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بالإضافة إلى السيارات الكهربائية، ستعمل على رفع أجندة السياسة على حساب المركبات التي تعمل بالوقود الأحفوري، ومع ذلك يعتقد المسؤولون التنفيذيون في شركة «Big Oil” أنه من المرجح أن يزداد الطلب على النفط في أواخر الثلاثينيات من هذا القرن.

وعلى سبيل المثال؛ قالت أرامكو السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم وأكثر الشركات ربحية في هذا الكوكب، في نشرة الاكتتاب العام الأولية الخاصة بها: إن الطلب على النفط قد يبلغ ذروته في عام 2035م تقريباً، رغم انخفاض الطلب.

7- ذروة الطلب على السيارات:

من المحتمل أن تكون أكثر من 1.3 مليار سيارة على الطرق اليوم هي العدد الأكبر الذي لن يزيد بل سيقل؛ حيث ستضم المدن الكبرى حوالي ثلثي سكان العالم بحلول منتصف القرن، مما سيقلل من الحاجة إلى السيارات باهظة الثمن.

سوف تتسبب الهندسة المعمارية الحضرية المتطورة في تقييد استخدام السيارات بشكل متزايد، وقد بدأ التحول بالفعل في الأسواق الناضجة، وقد حصل 26% فقط من الأطفال في سن 16 عاماً على رخصة قيادة في عام 2017م، مقارنة بما يقرب من نصفهم قبل 36 عاماً فقط، وفقاً لـ»Sivak Applied Research”، وحتى لو بقيت مبيعات السيارات الإجمالية قوية، فإن التكنولوجيا الأرخص مثل الروبوتات والتطورات مثل مشاركة الركوب ستجعل السيارات أقل جاذبية.

8- ذروة البنوك المركزية:

ربما تكون البنوك المركزية هي التي أنقذت العالم من الركود في أعقاب الأزمات المالية، لكن قدرتها على تحويل اقتصاداتها أصبحت محدودة بعد ما قدره بنك «أوف أمريكا» من تخفيضات لأسعار الفائدة بأكثر من 700 تخفيض، وحوالي 12 تريليون دولار في التيسير الكمي منذ عام 2009م.

يجري بالفعل إلقاء اللوم على أسعار الفائدة السلبية في إلحاق الأذى بالبنوك، في حين أن التحولات الديموجرافية، ومستويات الديون القياسية، والاضطراب التكنولوجي، وتقليص الديون، كلها أمور تستنزف فعالية السياسة النقدية، وهذا يترك السياسيين تحت الضغط لتخفيف السياسة المالية عندما تضرب الاقتصاد العالمي هزات قادمة.

 

____________________________________________

المصدر: «بلومبيرج».

Exit mobile version