“انقلاب الصدر” يهدد تظاهرات العراق بالتصفية بعد مواجهات دامية

– عبر المتظاهرون عن استغرابهم من تحول الصدر بين ليلة وضحاها من داعم للانتفاضة والتظاهرات إلى قامع لها

– التطورات الميدانية متزامنة مع إطلاق رئيس الوزراء العراقي المكلف مشاوراته لتشكيل حكومته الجديدة

– نائب: كتل سياسية عديدة لا تدعم حكومة علاوي ونأت بنفسها عن المشاركة

– سنجاري: اختيار علاوي جاء وفق صفقة بين الأطراف السياسية التي شكلت مخرجات المرحلة الماضية

 

“انقلاب الصدر” مصطلح بات متداولاً في ساحات التظاهر العراقية، للتعبير عن المرحلة الجديدة التي دخلت إليها الاحتجاجات السلمية المناهضة للفساد، بعد أن تحول زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من داعم للتظاهرات إلى مناوئ لها، بل محرض لاتباعه على ملاحقة النشطاء وتصفيتهم بالقوة.

ودعا الصدر أنصاره المعروفين باسم “القبعات الزرق”، أول أمس الأحد، إلى مساعدة قوات الأمن العراقية في فتح الطرق المغلقة بسبب الاعتصامات والاحتجاجات، لغرض عودة الحياة اليومية إلى طبيعتها، بعد أن تم تكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة العراقية، ووجه أنصاره إلى العمل مع السلطات لضمان عودة المدارس والشركات للعمل بشكل طبيعي.

وقال في تغريدة على موقع التدوينات القصيرة “تويتر”: “حسب توجيهات المرجعية، ووفقاً للقواعد السماوية والعقلية، لا بد من إرجاع الثورة إلى انضباطها وسلميتها”.

وأضاف الصدر: “أجد لزاماً تنسيق القبعات الزرق مع القوات الأمنية الوطنية البطلة، ومديريات التربية في المحافظات، وعشائرنا الغيورة، إلى تشكيل لجان في المحافظات من أجل إرجاع الدوام الرسمي في المدارس الحكومية وغيرها، كما عليهم فتح الطرق المغلقة لكي ينعم الجميع بحياتهم اليومية وترجع للثورة سمعتها الطيبة، لذا فعلى المختصين الإسراع في البدء بذلك”.

وختم بالقول: “أنصح القوات الأمنية بمنع كل من يقطع الطرقات، وعلى وزارة التربية معاقبة من يعرقل الدوام من أساتذة وطلاب وغيرهم”.

تطورات ميدانية

شهدت الساعات الماضية مواجهات بين أنصار الصدر، والمتظاهرين والمعتصمين في ساحات التظاهر، حيث اقتحمت مجاميع “القبعات الزرق” عدداً من الساحات والميادين في مختلف المحافظات، في محاولة لفضها بالقوة، مستخدمين الأسلحة البيضاء؛ سكاكين وعصياً وهراوات، وتم إطلاق النار في الهواء في بعض المدن لإثارة الرعب في صفوف المحتجين.

وقد شهدت العاصمة بغداد، ومدن الكوت والنجف وبابل، أمس الإثنين، أسخن تلك المواجهات، بعد أن انتشر أصحاب القبعات الزرق، بالمئات وهاجموا ساحات التظاهر والتجمعات الاحتجاجية فيها واشتبكوا مع المتظاهرين، في محاولة منهم لفتح الطرق وفض الاعتصامات والتجمعات بالقوة.

وعلى الصعيد الرسمي الحكومي، تبرأت وحدات وزارة الداخلية من ما قام به أنصار الصدر، وأصدرت قيادة شرطة النجف بياناً حذرت فيه أي جهة من تهديد الأمن، في إشارة إلى أنصار الصدر الذين هاجموا تجمعاً للمتظاهرين قرب مجسر ثورة العشرين وساحة الصدرين وسط المدينة.

وفي محافظة بابل تحولت الشرطة في مدينة الحلة مركز المحافظة إلى قوة فض نزاع بين الجانبين، وأعلن قائد شرطة بابل، اللواء علي كوة، عن تشكيل حاجز صد بين المتظاهرين وأنصار الصدر.

وقال في بيان: إن “المدينة كانت هادئة قبل هجوم أصحاب القبعات الزرق على المتظاهرين”.

وشهدت محافظة واسط مواجهات بالحجارة والعصي والسكاكين بين الطرفين، أسفرت عن إصابة عدد غير قليل من الطلاب، وامتدت المواجهات بين الصدريين والمتظاهرين إلى جامعة واسط مع طلاب كلية اللغات، الذين حاولوا التوجه بشكل جماعي من الكلية إلى ساحة التظاهر، لكن عناصر “القبعات الزرق” منعوهم من ذلك ما أدى إلى مواجهة دامية.

متظاهرو البصرة رفعوا لافتة حملت عبارة المرجع الديني الأعلى في النجف علي السيستاني قال فيها: “ليس من حق أحد أن يمنع العراقي من التعبير عن رأيه أو التظاهر بالشكل السلمي”، وعبر المتظاهرون عن استغرابهم من تحول الصدر بين ليلة وضحاها من داعم للانتفاضة والتظاهرات إلى قامع لها.

وغصت وسائل التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين بعشرات المقاطع المصورة، التي وثق فيها المحتجون الاعتداءات التي طالت الناشطين والمحتجين، على مرأى ومسمع من القوات العراقية.

حراك سياسي

جاءت التطورات الميدانية متزامنة مع إطلاق رئيس الوزراء العراقي المكلف، محمد توفيق علاوي مشاوراته لتشكيل حكومته الجديدة، وتشير مصادر سياسية إلى أن اختيار تشكيلة الحكومة الجديدة سيتم بالتوافق بين كتلتي “سائرون” التي يتزعمها الصدر، و”الفتح” التي يتزعمها هادي العامري.

وقال عضو في مجلس النواب العراقي (البرلمان)، لـ”المجتمع”: إن كتلاً سياسية عديدة لا تدعم حكومة علاوي، ونأت بنفسها عن المشاركة في الحكومة خشية من غضب الشارع العراقي.

وأضاف النائب، مفضلاً عدم ذكر اسمه، أن الأحزاب الكردية تصر على أن تستمر عملية المحاصصة في تشكيل الحكومة الجديدة، وترفض التنازل عن حصصها في المناصب الوزارية، على اعتبار أن هذه المحاصصة تحقق التوازن بين مكونات العراق.

من جهته، أكد رئيس الوزراء المكلف خلال اجتماع له مع الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين هينيس بلاسخارت، حرصه على تنفيذ مطالب المتظاهرين، وعلى تشكيل حكومة كفاءات قادرة على إدارة البلاد والتهيئة لانتخابات نزيهة تلبي طموحات العراقيين جميعاً.

ونقلت “وكالة الأنباء العراقية”، عن النائب في البرلمان حامد الموسوي، قوله: إن رئيس الوزراء المكلف محمد علاوي طلب من القوى السياسية عدم التدخل في عمله، ومنحه صلاحيات كبيرة من أجل حفظ أمن البلاد وتحقيق مطالب الشعب.

ويرى المحلل السياسي العراقي فارس سنجاري أن اختيار محمد علاوي جاء بمباركة مقتدى الصدر الذي استخدم ساحات التظاهر كورقة ضغط لإجراء تغييرات حكومية تتوافق مع ما يراه هو، والدليل على ذلك انقلابه على المظاهرات بعد أن كان أنصاره مشاركين فيها بمجرد تكليف شخصية يرضى عنها.

واعتبر سنجاري، في حديثه لـ”المجتمع”، أن عملية اختيار علاوي لرئاسة الحكومة جاءت وفق صفقة بين الأطراف السياسية ذاتها التي شكلت مخرجات المرحلة الماضية، وهدف الصفقة الحفاظ على مكاسبها السياسية.

وأضاف أن رئيس الوزراء المكلف يطالب بأن يكون بمأمن من الضغوط السياسية لتشكيل الحكومة، لكن الأحزاب ستفرض مرشحيها للوزارات والمناصب السيادية وفق قواعد المحاصصة المعتمدة منذ احتلال العراق عام 2003.

يشار إلى أن تشكيل الحكومة الجديدة التي أتت بعد موجة التظاهرات في العراق ضد الفساد، جاء بهدف الذهاب لانتخابات مبكرة خلال مدة لا تتعدى منتصف العام المقبل، وسيكون التصويت على الحكومة الجديدة نهاية فبراير الجاري، أو مطلع مارس القادم.

Exit mobile version