لماذا تصر “النهضة” على توسيع قاعدة الحكم في تونس؟

بدأ رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ، أول أمس الثلاثاء، مشاورات مع عشرة أحزاب معنية بتشكيل الحكومة قبل انتهاء الآجال الدستورية التي لم يبق منها سوى ثلاثة أسابيع، وهي على مفترق طريقين؛ النجاح أو إعادة الانتخابات.

والأحزاب المعنية هي حزب حركة النهضة والتيار الديمقراطي وائتلاف الكرامة وحركة الشعب وحركة تحيا تونس.

وتحمل مذكرة التعاقد الحكومي عنوان “حكومة الوضوح وإعادة الثقة”، وتضمّنت خمسة محاور أساسية تتعلق بأسس ومبادئ العمل الحكومي ومقاربة العمل الحكومي وبآليات التنفيذ والأولويات الاقتصادية والاجتماعية للمرحلة، بالإضافة إلى هندسة تركيبة الحكومة.  

وكانت الأحزاب المعنية قد تلقت نسخة من المذكرة يوم الإثنين 27 يناير لتكون منطلقاً للتشاور والنقاش والإثراء بهدف التوصل إلى الوثيقة التأليفية المتضمنة لعدد من الإصلاحات الكبرى والمستعجلة والهادفة إلى استرجاع ثقة المواطن في الدولة والطبقة السياسية، والانتقال إلى دولة آمنة تضمن العدل والإنصاف وإلى دولة مسؤولة اجتماعياً، والمرور إلى اقتصاد ناجع وذي قيمة مضافة عالية، حسب ما جاء في الوثيقة.

ورغم أن مجمل الأحزاب وافقت من حيث المبدأ على ما جاء في الوثيقة، فإنها اختلفت حول من هي الأحزاب الممثلة للثورة والأحزاب المحسوبة على المنظومة القديمة أو الدولة العميقة، لا سيما وأن هناك أحزاباً لا يمكن وصفها بالثورية، وهي في حقيقتها نتاج المنظومة السابقة، كـ”تحيا تونس”، و”آفاق تونس”، الذي دعي للحضور واعتذر و”مشروع تونس”، و”نداء تونس” وغيرهم. 

حكومة وحدة أو إعادة الانتخابات

لا ترى حركة النهضة أي فائدة في تقسيم التونسيين على أساس سياسي أو حزبي أو أيديولوجي، وإنما الحكم الحقيقي هو هل مع الدستور أو ضد الدستور؟ وهل هو مع القانون أو ضد القانون؟ وهل هو مع الآليات الديمقراطية أو نصير للاستبداد والدكتاتورية؟ وبالتالي فإن التقسيم الحقيقي إن صحت التسمية تتم على قاعدة الدستور والقانون ودولة المواطنة، وأن الخط الفاصل هو ما قبل الدستور وما بعد الدستور، والانتقال من الثورة إلى الدولة بحقوق وواجبات متساوية.

وفي هذا الإطار، ترفض حركة النهضة أن يتم إقصاء أي حزب أو فصيل سياسي أو أيديولوجي يعمل في إطار الدستور والقانون، وتوسيع دائرة الحكم وتضييق دائرة المعارضة، وهو ما أشار إليه رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبدالكريم الهاروني، يوم الإثنين الماضي، وهو إما حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع أو انتخابات مبكرة.

وبين الهاروني في مداخلة على القناة الوطنية الأولى أن النهضة لا تريد سماع مصطلح حكومة الرئيس؛ لأن قيس سعيد نفسه أكد أنها ليست حكومة رئيس الجمهورية.

وقال الهاروني: إن النهضة ترى أن مصلحة تونس في تشكيل حكومة وحدة وطنية، كما أن مجلس الشورى بصفته أعلى سلطة في الحركة طلب من المكتب التنفيذي، يوم الأحد الماضي، الاستعداد لكل الاحتمالات من بينها تنظيم انتخابات سابقة، وأن المفاوضات ما زالت في بدايتها، وهذا لا يعتبر تهديداً.

لماذا حكومة وحدة وطنية؟

وعلّل الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري، الثلاثاء، مطلب حكومة وطنية أنّ للحركة تقييماً للبرلمان فيما يتعلق بالمرحلة السابقة، وبالتشتت الذي يعيشه اليوم حالة البرلمان التي أنتجتها انتخابات عام 2019 عسّرت ولادة الحكومة الأولى؛ أي حكومة الحزب الفائز، فلا الحكومة السياسية نجحت، ولا حكومة التكنوقراط نجحت؛ ولذلك حتى لا نضيّع الوقت على التونسيين المفروض الآن أن نتوجّه نحو تكوين حكومة وحدة وطنيّة.

سفينة نوح

تطالب حركة النهضة بأن تكون الحكومة “سفينة نوح” تضم الجميع حتى لا يهلك أحد إلا من استثنى نفسه، بتعبير رئيس الحركة راشد الغنوشي.

في حين يرى البعض بأن الحكومة لا يمكنها أن تكون “سفينة نوح”، وهناك من برر رفضه توسيع قاعدة الحكومة؛ لأن المعارضة البرلمانية ستبقى مقتصرة على “الحزب الدستوري الحر” (17 مقعداً ويضم الأشخاص الأكثر فاشية من النظام السابق).

في حين يخشى بعض المطالبين بضم حزب “قلب تونس” للحكومة من أن يمثل بقاء الحزب الثاني الذي يملك 38 نائباً في البرلمان مدخلاً لإعادة تكتل المنظومة القديمة بدل استيعابها داخل السياق الديمقراطي، بدل السماح بتكرار تجربة عام 2014م، لا سيما وأن أحزاب تحيا تونس، وحركة الشعب، وآفاق تونس، ومشروع تونس، وغيرها تطالب بضم قلب تونس للحكومة، وهي الأحزاب المنبثقة عن المنظومة القديمة، ما عدا حركة الشعب (قومية).

وإذا تم وضع موقف “الحزب الدستوري الحر” الداعي للاصطفاف ضد حركة النهضة وإخراجها من السلطة وربما لديه أهداف أكبر من ذلك تكون دعوة النهضة لتوسيع دائرة الحكم ليست مبررة فحسب، بل “فريضة وضرورة” بتعبير المقاصديون.  

حصان طروادة

قبل انتخابات 6 أكتوبر 2019 لم تنقطع الصلات بين حزب “قلب تونس” والأطراف التي تريد إقصاءه من الحكم، والغريب كما يؤكد محللون أن هذه الأطراف لا تكف عن الاتصال بحزب “قلب تونس” واللقاء معه، فإذا كان الحزب غير مرغوب فيه، فلمَ كل هذا الحضور المتبادل في الفسطاطين؟ وقد استشف البعض بأن هناك محاولة لتهميش حظوظ حزب حركة النهضة في التشكيلة الحكومية، وهو أمر وارد، فإذا رفضت ما سيمنح لها تتم دعوة حزب قلب تونس، الحزب الثاني ليكون البديل، وكان حزب قلب تونس قد استخدم لإخراج ائتلاف الكرامة من التشكيلة الحكومية بمجرد التلويح بمشاركته في الحكومة.

وبالتالي؛ فإن تمسك حزب حركة النهضة بمشاركة حزب “قلب تونس” لا يعبر عن موقف مبدئي وتشاركي وتوافقي فحسب، بل له أبعاد تكتيكية تفرضها فنون الصراع السياسي في مرحلة انتقال ديمقراطي ووضع سياسي واقتصادي واجتماعي هش.

وضع اقتصادي هش

تعتقد حركة النهضة أن 2020 سيكون عاماً صعباً على الصعيد مع تنامي العجز التجاري وانهيار قيمة الدينار وتفاقكم المديونية العمومية التي ارتفعت من 25.5 مليار دينار في عام 2010 إلى أكثر من 83 مليار دينار في أواسط عام 2019. 

وهو ما يعني تفاقم حجم التحديات التي ستجابهها الحكومة القادمة، خصوصاً أنّ تونس مطالبة خلال العام المقبل بسداد 12 مليار دينار (اليورو يناهز 3 دنانير تونسية) من خدمة الدين الخارجي، في حين أنها ستقترض فقط 11.7 مليار دينار، وفق قانون المالية لعام 2020؛ بما يعني أن ما ستقترضه لن توجّهه للتنمية والاستثمار، بل لن يكفي حتى لخلاص الديون.

وهذا يفرض حكومة وحدة وطنية تتسع فيها المشاركة وتتقلص فيها المعارضة.

Exit mobile version