هل يبدّد خط الغاز الصهيوني الأوروبي حلم مصر في التحول لمركز إقليمي للطاقة؟

– الحلم المصري قائم على استيراد الغاز الصهيوني المنهوب أصلاً من حقول مصر في المياه الاقتصادية

– الحلم الصهيوني قائم على إبرام اتفاقيات مع اليونان وإيطاليا وقبرص لبناء خط أنابيب بـ7 إلى 8 مليارات دولار في البحر

– مصر تعتمد في سعيها للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة على موقعها الإستراتيجي وبنيتها التحتية

– طول خط أنابيب الغاز الصهيوني الأوروبي “إيست ميد” يبلغ حوالي 1872 كم

 

حلمان تحلم بهما مصر ودولة الاحتلال الصهيوني، وهما التحول إلى مركز إقليمي للطاقة، والاستفادة من عوائد غاز البحر المتوسط، وكلاهما لم يتحقق حتى الآن، والصراع في المنطقة هو الذي سيحسمه.

الحلم المصري قائم على استيراد الغاز الصهيوني المنهوب أصلاً من حقول مصر في المياه الاقتصادية، وكذا الغاز القبرصي المتنازع عليه مع تركيا إلى أوروبا، ثم تسييله في معامل مصر بدمياط وإدكو (التي أنشئت أصلاً لتصدير غاز مصر لـ”إسرائيل”)، وإعادة تصديره لأوروبا والحصول على ربح من وراء ذلك.

أما الحلم الصهيوني فقائم على إبرام اتفاقيات مع اليونان وإيطاليا وقبرص لبناء خط أنابيب بـ7 إلى 8 مليارات دولار في البحر، لإمداد أوروبا بالغاز الطبيعي مباشرة خشية التحولات في مصر وقيام ثورة تعرقل بيع الغاز الصهيوني عن طريق مصر.

وقد وقعت “إسرائيل” بالفعل اتفاقيات مع اليونان وإيطاليا وقبرص، في 3 يناير الجاري، بالعاصمة اليونانية أثينا لإنشاء خط أنابيب شرق المتوسط “إيست ميد” لمد أوروبا بالغاز الطبيعي؛ ما أثار مخاوف في مصر لتأثيره المحتمل على خطط مصر للتحول لمركز إقليمي لتجارة الغاز الطبيعي المسال وتوزيعه إلى أوروبا.

لإمداد الدول الثلاث بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب تعتزم تشييده خلال خمسة أعوام، واستثمر الاتحاد الأوروبي بالفعل 100 مليون دولار، لتمويل دراسة جدوى لإنشاء خط الأنابيب، الذي من المتوقع أن يكون الأطول والأعمق في العالم.

ونقلت قناة “خاداشوت” العبرية عن وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز قوله تعليقاً على الاتفاق: منذ عقود، كنا نشكو من النفوذ العربي في أوروبا بسبب النفط والغاز، وتصدير الغاز إلى أوروبا سيخفف من هذا النفوذ إلى حد ما، وسيمثل قوة موازنة للقوة العربية.

أما لم يقله المسؤولون الصهاينة، فهو أن هذا الخط سيبدد حلم مصر في التحول لمركز إقليمي للطاقة؛ لأنه لو أنشئ خط لتصدير الغاز لأوروبا لن تكون تل أبيب في حاجة للخط المصري.

وجاء ما كتبه نتنياهو على “تويتر” حيث يقول: “بدأنا ضخ غاز طبيعي إلى مصر، حولنا “إسرائيل” إلى دولة عظمى في مجال الطاقة أيضاً، مليارات الشواقل ستحول لرفاهية المواطنين الإسرائيليين، وهذا هو حدث اقتصادي ودبلوماسي كبير؛ لأنه يحمل في طياته بشرى مهمة جداً عبارة عن تحالف أقامته “إسرائيل” في شرق المتوسط”، ليثير تساؤلات أخرى حول الهدف الصهيوني الحقيقي من تصدير الغاز المنهوب لمصر.

بل إن مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي اقترح عدم الاكتفاء بالعوائد الاقتصادية والجيوستراتيجية الناجمة عن استيراد مصر الغاز العربي المنهوب، ودعا لتوظف “إسرائيل” مكانة مصر الشرق أوسطية وعلاقاتها في تعميق تأثير تل أبيب في المنطقة!

هل يكون جاهزاً بحلول عام 2025؟

وقعت “إسرائيل” مذكرة تفاهم مع الدول الأوروبية الثلاث في فبراير 2019، في حين يتوقع أن يستغرق تمويل المشروع عاماً قبل بدء البناء؛ ما يعني أن خط الأنابيب ربما يكون جاهزاً بحلول عام 2025، وفقاً لتقديرات صحيفة “جلوبز” الاقتصادية الإسرائيلية.

وتحاول “إسرائيل” منذ وقت طويل العمل على إنشاء هذا الخط، وفي المقابل، تعتمد خطة مصر للتحول إلى مركز إقليمي لتصدير غاز شرق المتوسط إلى أوروبا على كونها الخيار الوحيد الممكن لتوريد الغاز من المنطقة إلى أوروبا، والسبب الرئيس في ذلك هو عدم وجود جدوى لإنشاء خط الأنابيب الإسرائيلي الذي من المنتظر أن يمتد بطول 2000 كيلومتر.

ويؤيد ذلك مايكل لي، المدير العام السابق لشؤون توسيع الاتحاد بالمفوضية الأوروبية، الذي بدا غير مقتنع بجدوى المشروع في تصريحات له عام 2016 عندما قال: “إنه غير مجدٍ لأسباب تجارية وسياسية، إنها فكرة خيالية”.

فإنشاء الخط الإسرائيلي يستلزم وجود تركيا على مائدة التفاوض، وهو أمر قد يكون صعباً، بالنظر إلى اعتراضاتها على اتفاقية المنطقة الاقتصادية الخالصة لترسيم الحدود البحرية بين دول شرق المتوسط؛ ولذلك، وبالنظر إلى أن كل هذه العقبات لا تزال قائمة، فإن خط الأنابيب الإسرائيلي قد يبقى مشروعاً غير قابل للتنفيذ.

أيضاً يشكك وزير البترول المصري طارق الملا في المشروع الصهيوني، وقال لبرنامج “الحكاية” على قناة “إم بي سي”، الأحد الماضي: إن هناك الكثير من العقبات تجعل من الصعب تحقيق مقترح إنشاء مشروع أنبوب غاز ينقل الغاز الإسرائيلي مباشرة إلى أوروبا، وهو المشروع الذي من شأنه استبعاد مصر من معادلة إسالة وإعادة تصدير إلى أوروبا.

وأوضح الملا أن المقترح الذي تبحثه “إسرائيل” مع قبرص واليونان منذ عام 2014 تكلفته المادية مرتفعة للغاية، ولن تقل عن 7 مليارات دولار، وسيصل طوله إلى نحو ألفي كيلومتر أغلبها في المياه العميقة للبحر المتوسط، وسيواجه عقبات طبوغرافية أخرى قد ترفع التكلفة إلى أكثر من ذلك، كما سيمر في مياه “متنازع عليها”.

وكذلك، فإن إيطاليا التي من المفترض أن تكون نقطة انتهاء الأنبوب أعلنت رسمياً عن مخاوف بيئية قد يحدثها الأنبوب.

وفي كل الأحوال لا يمكن أن يرى المشروع النور قبل عام 2026/ 2027.

وأضاف الملا أن مصر لم تستبعد من مشروع الأنبوب المزمع، إذ أعلنت “إسرائيل” وقبرص واليونان ترحيبها بانضمام مصر له، نظراً لأن كميات الغاز المنتجة في مصر سترفع نسبياً الجدوى الاقتصادية للمشروع، إلا أن مصر لا ترى أن المشروع يناسبها، حسبما أكد الملا.

أيضاً اعتبر وزير البترول المصري الأسبق أسامة كمال، في مداخلة هاتفية في برنامج “القاهرة الآن” عبر فضائية “الحدث”، 7 يناير، أن خط “إيست ميد” لن يؤثر على الاتفاق بين مصر و”إسرائيل” الذي تصدر فيه الأخيرة الغاز من احتياطياتها البحرية إلى مصر، قائلاّ: إن أوروبا تستهلك سنوياً 200 مليار متر مكعب غاز، وإن ثلث تلك الكمّية تؤخذ من روسيا والثلثين من دول العالم الأخرى، لافتاً إلى أن ما سيتم إنتاجه من الغاز من قبل قبرص ومصر و”إسرائيل” واليونان لن يكون بالكمية الهائلة، وسيكون بمقدار 50 مليار متر مكعّب.

ويبلغ طول خط أنابيب الغاز الصهيوني الأوروبي “إيست ميد” حوالي 1872 كم، ويستهدف نقل بين 9 و11 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً من قبرص و”إسرائيل” إلى اليونان، وكذلك إلى إيطاليا ودول أخرى في جنوب شرق أوروبا.

ولكن المشروع يواجه عقبات فعلية بسبب الرفض التركي له ما لم تضمن أنقرة حقها في التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط وتحصل قبرص التركية على حقوقها من الغاز القبرصي.

هل موقف مصر أفضل؟

تعتمد مصر في سعيها للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة على موقعها الإستراتيجي وبنيتها التحتية المتمثلة في محطتي إسالة الغاز في إدكو ودمياط ومنها إلى الأسواق العالمية، إضافة إلى سلسلة من الاكتشافات لحقول الغاز خلال السنوات القليلة الماضية، إلى جانب الغاز المستورد من حقول قبرص و”إسرائيل”.

ويعتبر اكتشاف حقل ظهر البحريّ في البحر المتوسط في أغسطس 2015 من أهم وأكبر الاكتشافات الذي وصل إنتاجه إلى 2.7 مليار متر مكعب في نهاية عام 2019، إذ يبلغ قيمة الاحتياطي منه 30 تريليون قدم مكعبة، وهو ما أعاد مصر إلى سوق التصدير مرة أخرى.

ولكن الغريب أنه بينما تعلن مصر اكتشافات غاز واكتفاءها الذاتي، جاء قرار مصر باستيراد 85 مليار متر مكعب من الغاز بقيمة 19.5 مليار دولار من حقلي لوثيان وتمار الإسرائيليين على مدى 15 عاماً ليبدو غريباً وغير مفهوم، فكيف تعلن أنك مكتف ذاتياً ثم تستورد الغاز من “إسرائيل”؟

وزادت الغرابة حين أعلن وزير البترول الإسرائيلي يوفال شتاينتز، عقب توقيع اتفاق شحن الغاز الصهيوني لمصر، 5 يناير 2020، أن الغاز الإسرائيلي سيتم استخدامه في السوق المحلية المصرية لإنتاج الكهرباء وفي الصناعة.

وكان الوزير المصري قال: إن الهدف من استيراد الغاز الإسرائيلي هو تسييله في محطات الإسالة المصرية، ثم نقله إلى أوروبا، وذلك في إطار دور مصر المتنامي كمركز إقليمي للغاز!

وعاد الوزير الإسرائيلي ليظهر على نفس الموقع في شريط فيديو مسجل ليتراجع عنه، متحدثاً عن مصر كمركز إقليمي وكيف أنها ستنقل غاز “إسرائيل” لأوروبا في مشهد بدا وكأنه ترضية للجانب المصري الذي أحرجه تصريح الوزير السابق!

وكانت مصر أطلقت، في 25 يوليو 2019، منتدى غاز شرق المتوسط بمشاركة 7 دول، هي: مصر، الأردن، قبرص، اليونان، إيطاليا، “إسرائيل”، فلسطين؛ بهدف إنشاء سوق غاز إقليمية تخدم مصالح الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب، ‏خصوصاً مع وجود احتياطيات من الغاز في هذا الإقليم تقدّر بنحو 122 تريليون قدم مكعبة.

ووقعت مصر وقبرص، في 19 سبتمبر 2018، اتّفاقاً لإنشاء خط أنابيب بتكلفة مليار دولار يربط حقل غاز “أفروديت” في قبرص بمحطات تسييل الغاز في مصر.

Exit mobile version