– حكومة عبدالمهدي أدركت مخاطر مطالبتها بانسحاب القوات الأمريكية من البلاد فسعت سراً إلى تخفيف وطأة الأمر
– الأطراف الدولية تستعين بالدبلوماسية القطرية للتوسط في أزمات المنطقة
– تصعيد الأذرع الإيرانية ينذر بمواجهة سياسية قد تتطور إلى عسكرية
وضع اغتيال رئيس فيلق القدس الإيراني اللواء قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في مطار بغداد الدولي، حكومة تصريف الأعمال العراقية في موقف محرج، حيث يطالبها قادة الفصائل المسلحة المنضوية تحت لواء هيئة الحشد الشعبي بالثأر؛ وأقله من وجهة نظرهم إخراج القوات الأمريكية من العراق، وهو ما ترجم على شكل قرار أصدره البرلمان العراقي، يوم 5 يناير الجاري، يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء وجود أي قوات أجنبية على الأرض العراقية خلال جلسة استثنائية.
في المقابل، لا تريد الولايات المتحدة ترك العراق بهذه السهولة، وهددت بفرض عقوبات اقتصادية على بغداد في حال شرعت باتخاذ خطوات فعلية لإخراج قواتها من البلاد، حيث طلب رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إرسال وفد لمناقشة الانسحاب.
ازدواجية الحكومة
سريعاً أدركت حكومة عبدالمهدي مخاطر مطالبتها بانسحاب القوات الأمريكية من البلاد؛ وتبعات العقوبات الاقتصادية التي هددت واشنطن بفرضها، فسعت سراً إلى تخفيف وطأة الأمر من خلال تقديم تطمينات للجانب الأمريكي بأنها لن تمضي قدماً في الأمر.
حيث نقل موقع “روسيا اليوم”، عن مصدر حكومي عراقي قوله: إن هناك تواصلاً بين الحكومتين العراقية والأمريكية حول مستقبل القوات الأمريكية في العراق، والرغبة المشتركة بينهما تكمن في أن تبدأ المفاوضات وتستمر لأشهر أو سنة.
وأضاف المصدر، الذي لم يذكر الموقع اسمه: أن واحدة من الطروحات الموجودة هي أن يتواجد حلف “الناتو” في العراق ويكون تواجد القوات الأمريكية من ضمن هذا الحلف.
وأشار إلى أن مسؤولين حكوميين عراقيين أكدوا للمسؤولين الأمريكيين حاجتهم لوجود قواعد أمريكية في العراق.
على الطرف الآخر، كشف تقرير لموقع “ديفينس ديلي” الأمريكي المتخصص بالشؤون العسكرية، الإثنين 13 يناير، أن الولايات المتحدة سترسل وفداً للتفاوض بشأن “الشراكة” وليس الانسحاب من العراق.
وفي ذات السياق، قالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، مورغان أورتيغوس، في بيان: إن أي وفد يتوجه إلى العراق في هذه المرحلة سيكون مكلفاً بمناقشة أفضل وسيلة لإعادة تأكيد شراكتنا الإستراتيجية مع العراق، وليس مناقشة الانسحاب.
ويرى مراقبون في هذه التصريحات عزماً أمريكياً على عدم مغادرة العراق، وسعياً للضغط على بغداد كي تغير موقفها وتخفيف رد الفعل على اغتيال سليماني.
دولياً نقلت “وكالة الأنباء الكويتية” عن وزير الخارجية الألماني ھايكو ماس قوله: إن بلاده طالبت العراق بعدم سحب القوات الدولية من أراضيه حتى لا تكون “أرضية خصبة للإرهاب.
وأضاف في مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الأردني: أن ألمانيا بينت للعراق أهمية تواجد القوات الدولية في العراق ودعم جهودها في مكافحة الإرهاب.
حراك دبلوماسي
زيارة مهمة في توقيت حرج، بهذه العبارة علق وزير الخارجية العراقي على أهمية زيارة وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، إلى بغداد، أمس الأربعاء، فالدبلوماسية القطرية معروفة أنها متخصصة في المنطقة بعمليات إطفاء الحرائق، وتستعين بها الأطراف الدولية في المنطقة للتوسط في الأزمات.
وتأتي أهمية الزيارة في هذا التوقيت؛ بسبب سعي واشنطن الحثيث لتهدئة الأوضاع في المنطقة، واحتواء تداعيات اغتيال رئيس فيلق القدس الإيراني، فأمريكا تضغط لإعادة العراق إلى موقف الحياد الذي أعلنته الحكومة قبل قتل سليماني، ويمكن اعتبار الدور القطري محوري في عقلنة صانع القرار في بغداد، فيما تضغط إيران بالاتجاه المعاكس لتصعيد لهجة التحدي وهو ما يبرز في خطاب الفصائل الموالية لها.
وسريعاً جاءت آثار زيارة آل ثاني إلى العراق، حيث أكدت الرئاسات العراقية الثلاث (الجمهورية والحكومة والبرلمان)، على مراعاة مصالح العراق وأمنه السياسي والمالي، وقالت، في بيان: إن رئاسات الجمهورية والبرلمان والوزراء اجتمعت في قصر السلام، مساء الأربعاء، من أجل بحث آخر المستجدات السياسية والأمنية.
وأضاف البيان: المجتمعون اتفقوا على مواصلة مبدأ مراعاة مصالح العراق وأمنه السياسي والمالي في الموقف الوطني المتوازن من الأزمات الإقليمية والدولية المحيطة بالعراق، وبما ينأى به عن الصراعات، والتأكيد على التهدئة وضبط النفس ومنع التصعيد.
وأوضحت الرئاسات الثلاث: أنه تم التأكيد على أهمية الإسراع بتشكيل الحكومة الجديدة وتلبية متطلبات الإصلاح في مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والخدمية، بما يحفظ سيادة العراق وأمن العراقيين من تحديات الإرهاب حتى تحقيق النصر الناجز.
الأذرع الإيرانية تُصعّد
خلافاً للموقف الرسمي الذي يتجه للمهادنة واحتواء التداعيات، تصعد الأذرع الإيرانية لهجة التهديد والوعيد، وهو ما ينذر بفصام قد يتحول إلى ازدواجية داخل الدولة، ينذر بمواجهة سياسية قد تتطور إلى عسكرية، بحسب مراقبين.
حيث قال حزب الله العراق، في بيان: لقد تضاعفت انتهاكات القوّات الغازية وجرائمها، وازداد تجبرها على أرض المقدسات مع زيادة أعدادها، وإصرارها على تحدي إرادة الشعب العراقي، برفضِها الامتثالَ لقرارِ مجلسِ النوّابِ بسحبِ قوّاتِها من العراقِ، وبات جليًّا أنها لا تحترم إرادة الشعب، ولا تقيم وزناً للقوانين الدولية، وبدل أن ترعوي تعالت خطاباتها العدائية التي تنم عن العنجهية، والصلف، والتعالي على الشعوب في محاولة بائسة لكسر إرادة الشعبِ العراقي وابتزازه.
وأضاف البيان: لدَى شعبنا الأبي خيارات عدة أمام هذا التحدي، منها الخوض في صفحةٍ جديدةٍ من المنازلة، وهي الاستعداد لثورة شعبية موحدة لمواجهة الاحتلال الأميركي الغاشم، نثبُ فيها للعالم الذي عليه أن يراقب ويشاهد كيفَ سيتعامل أبناء علي والحسين، وأبناءِ العراقِ من الشمال إلى الجنوبِ مع جرائم وانتهاكات أراذل الأرض وشياطينها، وكيف ستكون هذه الثورة الشعبية درساً جديداً من دروسِ العزّة والإباء لكل شعوب العالم.
ويرى المحللون أن الحديث عن انتفاضة شعبية في البيان؛ يمكن أن نتوقع من خلاله أن سياسة المواجهة قد تأخذ منحى الاحتجاج الشعبي، الذي لا يمكن مواجهته عسكرياً، إذ يمكن أن تحصل عملية محاصرة للقواعد التي يتواجد فيها الأمريكيون، والقول: إن هذه احتجاجات جماهيرية سلمية، وهو ما قد يدفع إلى تداعيات خطيرة على الحراك الشعبي المطالب بمكافحة الفساد وتغيير النظام السياسي.