مجزرة الكلية العسكرية بطرابلس تلقي بظلالها على مؤتمر برلين

أثارت المجزرة المروعة التي أوقعت 30 قتيلاً من طلاب الكلية العسكرية بالعاصمة الليبية موجة تنديد دولية غاضبة، خاصة من طرف أمريكا والجزائر وتركيا وتونس وإيطاليا.

ويعود التساؤل حول مدى قدرة دماء هؤلاء الأبرياء في إحياء ضمير المجتمع الدولي، للضغط على الدول الداعمة لخليفة حفتر، وعلى رأسها الإمارات في وقف مجازرها في ليبيا.

فالسبت الماضي، تعرضت الكلية العسكرية في طرابلس لهجوم صاروخي أسفر عن مقتل 30 طالبًا وإصابة 33 آخرين، وأعلنت حكومة الوفاق الليبية، المعترف بها دوليًا، الأحد، أن الهجوم تم بطائرة مسيرة صينية الصنع زودت بها الإمارات مليشيات حفتر.

وتعالت أصوات داخل الحكومة الليبية ومؤسسات الدولة في طرابلس، بقطع العلاقات مع الإمارات، لاتهامها بالوقوف وراء ارتكاب المجزرة، وفيه من طالب بإعلان الحرب عليها، بعد استباحتها الدم الليبي.

غسان سلامة، المبعوث الأممي إلى ليبيا، أعرب عن “غضبه العارم” إزاء هذه الغارة الجوية، قائلاً: “نعلم أن دولة مساندة لقوات حفتر هي من قامت بهذا الهجوم”، دون تسميتها.

تركيا بدورها أدانت بشدة قصف مقر الكلية العسكرية بطرابلس، وقالت الخارجية التركية، في بيان: “ندين بشدة قصف مقر الكلية العسكرية بطرابلس من قِبل مقاتلات ما يسمى الجيش الوطني الليبي”.

وشددت على ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي الخطوات الضرورية بأسرع وقت، من أجل إنهاء الدعم الخارجي لحفتر في ليبيا، وأكدت أنها ستواصل التضامن مع حكومة الوفاق الوطني الليبي، المعترف بها دولياً.

أما الولايات المتحدة الأمريكية، فأدانت عبر سفارتها لدى طرابلس، بـ”شدة” قصف مليشيات حفتر للكلية العسكرية بطرابلس، و”الهجمات التي استهدفت في الأيام الأخيرة مطار معيتيقة، والقصف العشوائي الذي طال البنية التحتية المدنية والأحياء السكنية في طرابلس، الذي أسفر عن مقتل وجرح العديد من المدنيين”.

في حين جددت تونس استنكارها لاستمرار الاستهداف “العشوائي للمدنيين الأبرياء وكذلك للمنشآت المدنية في ليبيا”.

ودعت الخارجية التونسية، في بيان، كافة الأطراف الليبية والإقليمية والدولية إلى “العمل على الوقف الفوري للعمليات العسكرية، واحترام الشرعية الدولية ومخرجات الاتفاق السياسي (الصخيرات) بالعودة السريعة إلى المفاوضات في إطار حوار ليبي– ليبي شامل”.

فرنسا الداعمة لحفتر، عبرت عن قلقها العميق، من تصاعد وتيرة النزاع في ليبيا لا سيما بعد الغارة الجوية التي استهدفت الكلية العسكرية جنوبي العاصمة الليبية طرابلس السبت الماضي وألحقت خسائر بشرية جسيمة.

بينما أعرب رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، عن استنكاره “الشديد” للتوتر المتصاعد في ليبيا، وأدان بشدة الهجوم الذي استهدف مقر الكلية العسكرية بطرابلس”، وجاء ذلك وحفتر متواجد في روما، وكان لذلك مغزى.

أقوى إدانة من الجزائر.. لكن ماذا بعد؟

الإدانة الأقوى جاءت من الجزائر الخارجة حديثاً من أزمتها، التي وصفت القصف بـ”عمل إجرامي يرقى إلى جريمة الحرب”، بحسب بيان للرئاسة.

واللافت أن وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم، أجرى اتصالات، مطلع العام الجديد، مع نظرائه الداعمين لحفتر، وعلى رأسهم المصري سامح شكري، والإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان، والفرنسي جون إيف لودريون، بالإضافة إلى النيجري كالا أونكوراو، والتشادي محمد زين شريف، والمالي تييبيلي درامي، فضلاً عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش.

معظم هذه الدول متورطة بشكل أو بآخر بدعم مليشيات حفتر، بل والتدخل مباشرة في الحرب مع ليبيا، إما بالتسليح كما تفعل الإمارات ومصر وفرنسا، أو بوجود مرتزقة يحملون جنسيتها مشاركين في القتال بليبيا على غرار تشاد وبدرجة أقل النيجر.

وليس مستبعداً أن تكون الجزائر ذكَّرت هذه الدول بموقفها المبدئي الرافض للتدخل الأجنبي في ليبيا، أو دعم هجوم حفتر على طرابلس، الذي وصفته بـ”العدوان”، كما اعتبرت طرابلس “خطاً أحمر” لا ينبغي تجاوزه.

وإن كان لجوء الجزائر إلى التدخل العسكري في ليبيا لردع مليشيات حفتر والدول الداعمة له مستبعداً، إلا أن السيناريو الأقرب للواقع الحالي، هو حشدها أكبر دعم دولي سواء من دول الجوار الليبي أو من الدول الإقليمية والكبرى المؤثرة في هذا الملف، لتبني موقفها الداعي إلى حل سياسي، في إطار حوار ليبي-ليبي، مع رفض التدخل الأجنبي، بما يسمح بتجفيف الدعم العسكري خاصة لأمير الحرب حفتر، مما سيجبره في الأخير على وقف إطلاق النار والاحتكام لطاولة الحوار.

وهذا السيناريو، وعلى مثاليته، يبدو صعب التحقيق، بالنظر إلى إصرار حفتر على اقتحام طرابلس، خاصة وأن مليشياته وصلت إلى الحدود الإدارية لقلب طرابلس.

وليس واضحاً كم تستطيع قوات الحكومة الليبية الصمود (بدون دعم عسكري دولي)، في مواجهة مليشيات حفتر المدعومة بطائرات مسيرة إماراتية ومدرعات مصرية وإماراتية وأردنية، ودعم لوجستي ودبلوماسي فرنسي، ومرتزقة فاغنر الروسية، والجنجويد السودانيين، والمعارضة المسلحة التشادية والسودانية.

في حين تُمنع حكومة الوفاق من استيراد السلاح الذي تدافع به عن نفسها، على الأقل لخلق توازن مع مليشيات حفتر (متعددة الجنسيات والأيديولوجيات) يفضي في نهاية المطاف إلى حوار بين نِدَّين.

مجزرة الطلبة ومؤتمر برلين

من المتوقع أن تلقي مجزرة طلبة الكلية العسكرية بطرابلس ظلالها على مؤتمر برلين، خاصة وأنها تعكس خطورة الدعم العسكري الإماراتي والأجنبي عموماً لمليشيات حفتر، على الوضع الأمني والإنساني في العاصمة الليبية.

كما أن ألمانيا، التي دحرجت موعد المؤتمر أكثر من مرة منذ سبتمبر الماضي، تسعى لتحقيق أكبر توافق بين القوى الكبرى والدول الإقليمية المؤثرة في ليبيا، لتفادي تكرار المؤتمرات الفاشلة في باريس وباليرمو (إيطاليا) وأبوظبي.

وحاولت ألمانيا تدارك خطئها باستبعاد الجزائر من المشاركة في مؤتمر برلين، من خلال توجيه الدعوة لها، بضغط تركي، وخاصة بعد مواقفها الأخيرة من هجوم حفتر على طرابلس، وتفعيل دبلوماسيتها في الملف الليبي، معنية بشكل مباشر بالوضع الأمني في ليبيا، وتربطها حدود تبلغ نحو 1000 كلم.

ويشارك في مؤتمر برلين 5+5+1 (الولايات المتحدة، روسيا، فرنسا، بريطانيا، الصين)+ (ألمانيا، تركيا، إيطاليا، مصر، الإمارات)+ (الجزائر)، بينما لا تزال مشاركة تونس وقطر في المؤتمر غير مؤكدة.

انعقاد مؤتمر برلين، المقرر نهاية يناير الجاري، دون تحديد تاريخ بعينه، من المرجح أن يطلب العودة إلى طاولة الحوار، ومن المستبعد أن يفرض عقوبات على مليشيات حفتر التي ترفض تجميد هجومها على طرابلس أو انسحابها إلى مواقفها التي انطلقت منها، وذلك بسبب انقسام مواقف الدول المشاركة في المؤتمر، تجلى ذلك في عجز مجلس الأمن الدولي في إدانة مجزرة طلبة الكلية العسكرية بطرابلس رغم وحشيتها.

Exit mobile version