مخيم دير بلوط شمال سورية.. حيث توقف الزمن!

يمشي المرء في شوارع مخيم دير بلوط بناحية جنديرس شمال سورية، ليكتشف أنه في منطقة خارج حدود الزمن، زمن تبدو دورته قصيرة في الشتاء، فمع غروب الشمس يهدأ كل شيء إلا صوت المطر أو الرياح الباردة، وفي الصباح يتكرر سيناريو الحياة بذات الرتابة التي تعاد كل يوم.

على زاوية خيمة، يجلس اللاجئ الفلسطيني أبو خليل ممسكاً سيجارته سارحاً، ويقول لـ”قدس برس”: “ماذا عسانا نفعل؟! الفراغ يكاد يقتل بقايانا فلا أعمال ولا أشغال”.

ويضيف في كل يوم أجلس في هذا المكان، وأهرب من الواقع إلى ذكرياتي في مخيم اليرموك وأتجول فيه بمخيلتي عبر الطريق الذي كنت أسلكه كل يوم من وإلى مكتبتي.

يتوقف أبو خليل عن الحديث ليأخذ من سيجارته “نفساً” عميقاً من الذكريات، وينفث دخان قهره في اليوم مئات المرات على ما آلت إليه حاله.

بينما يكمل “مراسلنا” طريقه متجولاً في المخيم، مصادفاً عشرات الشبان يروحون ويجيئون في فرصة تسكع كلما صفا الجو قليلاً، بينما يستعرض الأطفال مهاراتهم في القفز على جداول المياه التي خلفتها الأمطار، في حين تنطلق تصفيات للعبة الكرات الزجاجية “البنانير” على جنبات الطريق، وفي كل مجموعة سعيد حظ يعود لخيمته وقد طوى “كنزته” (قميص من الصوف) ليملأها بالكرات الزجاجية التي ربحها”.

وفي مشهد آخر، سيدة فلسطينية أربعينية تغسل ملابس أطفالها في وعاء بلاستيكي، يقول “مراسلنا” ترددت بداية الأمر في الحديث معها، فملامح الإرهاق كانت جلية على وجهها، ويضيف: “عندما اقتربت منها وعرفت أني صحفي رحبت بي باللهجة الفلسطينية (أهلين خيا)”، وقالت ممازحة: “منذ أن أتينا إلى هذا المخيم يأتي إعلاميون ويذهب غيرهم وما زلنا على حالنا لم نستفد منكم شيئاً”.

تقول السيدة الفلسطينية أم عماد: “كل يوم لدي حفلة غسيل، فلدي أربعة أطفال والشوارع طين ولا يوجد كهرباء منذ أن أتينا”.

وبدأت أم عماد تقص لـ”مراسلنا” بعضاً من فصول يومياتها في المخيم، فتقول: أطبخ على “بابور الكاز” أو على مدفأة الحطب، التي نضع فيها الألبسة البالية وقطع البلاستيك المكسر، أو ما يتم توزيعه علينا من حطب أو فحم.

وتتابع: “لا نعرف هنا الملابس المكوية، فأضع بنطال زوجي تحت الفراش لتخف تجاعيده قليلاً”، مشيرة، إلى أن الاستحمام أصعب ما يمكن تخيله في المخيم في ظل هذا البرد”، وتمضي قائلة: “لك أن تتخيل مظهر أطفالك وهم يرتجفون من البرد، ويستعجلونك لسكب الماء الساخن دون توقف”.

وتضيف: “لا أبالغ إن قلت: إن هناك من لا يستحم في الشهر مرة أو مرتين فقط من شدة البرد”.

أما عن أوقات الفراغ، تقول أم عماد: نادراً ما يكون لدينا ذلك، وإن حدث، تجتمع النسوة في خيمة إحداهن أو أمامها، إن كان الجو مشمساً، ونستذكر كل الذكريات الجميلة التي أحرقتها الحرب، وتضيف: “تتفاخر إحداهن: كان عندي غسالة، ومايكروويف، ومكيف، وتلفاز.. بينما تستمع الفتيات الصغيرات في ذهول”!

ويقول الناشط الفلسطيني إبراهيم الشهابي في حديثه لـ”قدس برس”: “يعيش الناس في المخيم بلا كهرباء منذ تهجيرهم أواسط عام 2018، فيما بعض العائلات قامت باقتناء ألواح طاقة شمسية لشحن بطاريات الجوالات والشواحن، و”لدات الإنارة” التي يتم توصيلها على البطارية.

وأردف: “انقطاع الكهرباء ألقى بظلاله على حياة الناس، فمع غروب الشمس لا تجد أحدا في الطرقات.

وتحدث عن معاناة الطلاب أثناء كتابة واجباتهم في ظل الإنارة الضعيفة للدات أو مصابيح الكاز وربما الشموع، مشيرا إلى أن الناس يعتمدون على الإنترنت لمتابعة الأخبار وينقطع المرء عن العالم بمجرد فراغ بطارية الجوال من الشحن.

وقال الشهابي قدمنا مقترحاً لتركيب مولد كهرباء في المخيم، إلا أننا اصطدمنا بعدم قدرة الناس على دفع الفواتير، وبين أن “الأمبير” الواحد بات يكلف 5 آلاف ليرة، بمعدل تشغيل 3 ساعات فقط بسبب ارتفاع سعر المازوت ثلاثة أضعاف.

وأكد الشهابي أن اللاجئين في مخيم دير بلوط، يعيشون أوضاعا إنسانية صعبة، في ظل ارتفاع الأسعار نتيجة انهيار الليرة السورية.

ويعيش في مخيم دير بلوط حوالي 300 عائلة فلسطينية، جلهم من مخيم اليرموك ومناطق جنوب العاصمة دمشق.

Exit mobile version