أعلام رحلوا في يناير.. العرادة والمحجري وبوسليماني وأبو قورة

(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود: 117)، اختصرت هذه الآية الكريمة مهمة المصلحين في الأرض، فوجودهم سبيل للنجاة والفوز في الدنيا والآخرة؛ فالمصلح قد ينقذ أمة، وبوفاته تفقد الأمة أحد أسباب إنقاذها.

وفي هذه السطور، نلقي الضوء على حياة بعض المصلحين الذي قضوا في يناير.

مشاري العرادة.. صوت من السماء 

ظل يغرد بصوته في روع الناس مذكراً بلقاء الله، حتى اصطفاه الله على أرض السعودية وهو يحلم بفرش التراب، إنه المنشد الشاب الكويتي مشاري ناصر سعد سعود العرادة الذي ولد في 27 شوال 1402هـ/ 17 أغسطس 1982م، في منطقة اليرموك، ودرس الثانوية في «مدرسة الأصمعي» في قرطبة، قبل أن يتخرج في جامعة الكويت كلية الآداب قسم الفلسفة، والتخصص المساند من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، كما درس في جامعة الشارقة.

عمل في وزارة التربية والتعليم مدرساً للمرحلة الثانوية، ثم مديراً للإنتاج الفني والتسويق الإعلامي في شركة «جلف ميديا»، ثم في مؤسسة زخرف للدعاية والإعلان والإنتاج الفني.

بدأ في مجال النشيد وهو في سن الطفولة، وكان أول إصدار شارك فيه عام 1995م، إلى أن شارك في أول ألبوم له عام 1999م بعنوان «المجددون» مع مجموعة من المنشدين، واهتم بالنشيد الإسلامي حتى إن وزارة الأوقاف أصدرت له عملين، وقد كرّمه سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في حفل «شكراً معلمي»؛ نظراً لمشاركاته المتميزة في «الأوبريتات» الوطنية.

وظل يشدو بصوته حتى توفي في يوم الأحد 20 ربيع الآخر 439 هـ/ 7 يناير 2018م إثر حادث سير في المملكة العربية السعودية، وكانت آخر تغريده له قول الله تعالى: (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً {95}) (مريم).

محمد علي المحجري.. ومذكرات لم تكتمل 

اسم ربما لم يسمع عنه كثيرون، رغم أنه سطر بأعماله صحائف من نور في خدمة الإنسانية والإسلام، إنه د. محمد علي المحجري، الذي ولد في 21 ديسمبر 1927م في حي مصر الجديدة، وتنقل بعد ذلك في العديد من الأماكن نظراً لطبيعة تنقلات والده، والتحق بالتعليم حتى تخرج في كلية الهندسة بالإسكندرية، قبل أن يسافر خارج مصر لاستكمال تعليمه. 

تعرف على دعوة الإخوان في حي السيدة زينب عام 1943م، وبعدها سافر للإسكندرية، ونشط داخل الدعوة حتى إنه كان واحداً ممن شاركوا في حرب فلسطين عام 1948م، وما إن عاد من الحرب حتى تم اعتقاله مع كل من شارك في الحرب وزج به في سجن أبي قير، ولم تكن المرة الأولى الذي يعتقله فيها البوليس السياسي لنشاطه الدعوي. 

بعد تخرجه سافر للخارج لاستكمال تعليمه، وفي عام 1954م صدر ضده حكم بالحبس 10 سنوات وهو بالخارج، فرفض العودة مرة أخرى لمصر، وأكمل تعليمه في ألمانيا واستقر بها، وكان من مؤسسي المراكز الإسلامية بها ونشر الدعوة الإسلامية الوسطية، منها المركز الإسلامي بميونخ، وهو أول مركز إسلامي في أوروبا.

وفي يوم الأربعاء الموافق 30 ربيع الآخر 1439هـ، الموافق 17 يناير 2018م، رحل د. المحجري، رحمه

الله وتقبله في الصالحين.

محمد بوسليماني.. الشهيد الجزائري الحي

ولد الشيخ محمد بوسليماني في 5 مايو 1941م بحي الدردارة بالجزائر، من أسرة محافظة ومجاهدة، حفظ القرآن الكريم وتلقى تعليمه الأول بمدرسة الإرشاد التي أسستها الحركة الوطنية، وعلى طاولات الدروس جمعته الأقدار مع رفيق دربه المتوفى الشيخ محفوظ نحناح، ساهم منذ صغره في إعالة عائلته إلى جانب والده في التجارة والبناء مما ولد في نفسه الشعور بالمسؤولية مبكراً. 

شب بوسليماني وسط عائلة ثورية قدمت 14 شهيداً، منهم أخوه الشهيد أحمد خريج الكلية العسكرية العراقية، كما عايش عن قرب وهو في سن الثانية عشرة زيارات زعماء الثورة إلى مسكن زوج أخته الكبرى، وقد شـارك في ميدان الجهاد وعمره لـم يتجاوز 16 عاماً تحـت قيادة المجـاهد الكبيـر رابح عمران.

التحق بعد الاستقلال مباشرة عام 1962م بالتعليم، ثم أصبح مديراً بمدرسة الهداية ببوعرفة البليدة عام 1965م، فاستطاع أن يحولها إلى مدرسة جزائرية معربة 100%، وفي عام 1972م عُين أستاذاً للأدب العربي بثانوية الفتح للبنات بالبليدة، وظل يواصل تعليمه حتى حصل على شهادة الليسانس في الأدب العربي.

عارض بوسليماني النظام السياسي حتى اعتقل عام 1976م مع الشيخ محفوظ نحناح في قضية حركة الموحدين، ولم يفرج عنهما إلا عام 1979م، واهتم بالشباب في التربية والتوجيه، فأقام المخيمات الصيفية التي تهدف إلى الترفيه والتكوين والتثقيف، كما كان موجوداً في كل درب من دروب الإصلاح.

كان بوسليماني أحد مؤسسي حركة المجتمع الإسلامي عام 1990م، وهو أول نائب لرئيسها، وكان عضواً مؤسساً لرابطة الدعوة الإسلامية عام 1991م، وترأس جمعية الإرشاد والإصلاح الوطنية عام 1999م.

كان لهذا الفكر الوسطي أعداؤه من الجماعات الإرهابية المتطرفة التي قامت بخطف الشيخ بوسليماني من منزله بعد صلاة الفجر وهو جالس يتلو القرآن يوم الجمعة 26 نوفمبر 1993م، لكنه استطاع أن يقنع بعض خاطفيه بخطأ فكرهم فرجعوا عما يفعلون مما دفع رئيسهم بنقله إلى مكان آخر وذبحه بعد تعذيبه، ودفن في البليدة يوم 30 يناير 1994م.

عبداللطيف أبو قورة.. وبداية الغرس 

ولد عبداللطيف بن عبده بن صالح أبو قورة بمدينة السلط بالأردن عام 1324هـ/ 1906م من أسرة عريقة، وتخرج في مدارس الكتاتيب (في زمنه)، ثم اعتمد على نفسه بالدراسة المتعمقة وبناء قاعدة علمية راسخة وثقافة إسلامية واسعة من خلال مطالعته لأمهات الكتب ومصادر العلوم الدينية والدنيوية في مختلف فروع المعرفة.

انتقل إلى عمَّان وعمل بالتجارة والإعمار والأعمال الحرة، فكان أول من أسس شركة لتجارة السيارات بالأردن في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين، إلا أنه بعد ذلك أخذ يعطي معظم وقته وجهده وماله للعمل الوطني والنشاط الإسلامي الذي تربى عليه منذ نعومة أظفاره.

وبعد تفرغه للعمل الإسلامي أسس العمل الدعوي الإخواني في الأردن بتاريخ 13 رمضان 1364هـ، الموافق 19 نوفمبر 1945م بعدما وافق ملك الأردن بقرار رسمي على افتتاح أول مقر لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وفي أول انتخاب تم اختيار أبو قورة أول مراقب عام لإخوان الأردن، واختير ضمن الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين، وظل كذلك حتى تنازل عن منصب المراقب العام، واختيار محمد عبدالرحمن خليفة مراقباً عاماً في 26 نوفمبر 1953م.

شارك في حرب فلسطين عام 1948م، وحضر المؤتمر الإسلامي لفلسطين بالقدس عام 1953م، وكثير من الروابط والأنشطة المجتمعية، حتى توفاه الله في العشر الأواخر من رمضان 1384هـ، الموافق 2 يناير 1967م.

 

 

 

_____________________________________________________________________

1- حديث الذكريات، د. علي المحجري، موقع يوتيوب،

2- محسن صالح، الطريق إلى القدس، ط 5، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2014م، ص 184.

3- مجموعة باحثين: موسوعة العلماء والأدباء الجزائريين، دار الحضارة، 2003م، ص 475 وما بعدها.

4- هذا ما كشفت عنه وفاة المنشد الكويتي الراحل مشاري العرادة:

Exit mobile version