قرار البرلمان العراقي.. طرد للاحتلال أم تنفيس للاحتقان؟

– هادي: القرارات التي صوت عليها مجلس النواب تخالف فحوى الدستور العراقي

– شهاب: القوات العراقية ستفقد التدريب والاستشارات والغطاء الجوي إذا انسحبت القوات الأجنبية

– سنجاري: المخرج الوحيد لنجاة المشهد العراقي في هذا التوقيت العصيب يكمن في تحقيق الاستقلال الناجز

 

صوت البرلمان العراقي، أمس الأحد، في جلسة استثنائية على قرار يقضي بإلزام الحكومة العراقية إنهاء الوجود العسكري الأجنبي في البلاد، ومنع استخدام الأجواء العراقية، وإلغاء طلب المساعدة المقدم إلى التحالف الدولي لمحاربة “تنظيم الدولة”، إلى جانب تقديم شكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة ضد الولايات المتحدة الأمريكية، على خلفية الهجمات التي نفذتها على الأراضي العراقية، وأسفرت عن مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب قائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.

عُقدت الجلسة الاستثنائية بمشاركة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، وقاطعها أغلب النواب الأكراد والنواب العرب السُّنة إلى جانب نواب الأقليات، ورغم ذلك وصل عدد النواب الحاضرين إلى النصاب القانوني، إلا أن مراقبين اعتبروا القرار بمثابة محاولة لتنفيس الاحتقان الداخلي الناجم عن الضربات الأمريكية التي استهدفت كتائب حزب الله العراقي، وقائد فيلق القدس ونائب رئيس الحشد الشعبي.

وقال المحامي العراقي نوزاد هادي لـ”المجتمع”: إن “القرارات التي صوت عليها مجلس النواب تخالف فحوى الدستور العراقي من جوانب عديدة، أولها أن حكومة عادل عبدالمهدي هي حكومة تصريف أعمال، ولا يحق لها عقد اتفاقيات أو إلغاؤها وفقاً لنصوص الدستور، ثانياً بموجب نص الدستور لا يحق لمجلس النواب التصويت ذاتياً على إلغاء أو عقد الاتفاقيات من دون طلب من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة”.

وأضاف: “القوى السياسية الشيعية الغاضبة حاولت بهذا العرض الإعلامي تنفيس غضب الشارع، والدليل على ذلك أن القرار لم يحدد جدولاً زمنياً لتطبيق بنوده، خصوصاً أن العراق يضم حالياً أكثر من 20 قوة أجنبية مختلفة منذ عام 2014 عقب اجتياح “تنظيم الدولة” لثلثي مساحة العراق، وأهم القوات في الميدان هي القوات الأمريكية وعددها 9 آلاف جندي، تليها القوى البريطانية والأسترالية والفرنسية والألمانية والكندية”.

وأشار هادي إلى أن “القوات الأجنبية تشارك غالبيتها بمهمات تدريبية، وبقوات متواضعة العدد، باستثناء الأمريكية ذات الطبيعة والمهام الهجومية”، مستدركاً أن القرار جاء بعد تهديدات باستهداف القواعد الأمريكية أطلقتها مليشيات عراقية أبرزها كتائب حزب الله، والنجباء، وطلبت فيها من القوات الأمنية العراقية الابتعاد عن نظيرتها الأمريكية لمسافة كيلومتر واحد، تجنباً لأي خسائر في صفوفها”.

يذكر أن العراق سمح للقوات الأجنبية تحت اسم “التحالف الدولي” بدخول أراضيه للعمل من خلال القواعد العسكرية العراقية بالتعاون مع قواته المسلحة لضرب ومكافحة الإرهاب، وتنسيق العمليات العسكرية، وكذلك التدريب للقوات والتعاون الاستخباري، وبناء القدرات والإسناد الجوي القريب والبعيد، وعلى أثرها بقيت القوات الأمريكية كقوات استشارية تدريبية، ويؤكد التحالف الدولي الذي يتشكل من نحو 9 آلاف جندي أجنبي منهم 5200 أمريكي، عبر بيانات وتصريحات رسمية أن قواته موجودة في العراق بدعوة من حكومته، لهزيمة فلول “تنظيم الدولة”.

التداعيات المحتملة

يثير قرار البرلمان العراقي العديد من المخاوف الأمنية والاقتصادية، بسبب الوضع الهش الذي تمتاز به الدولة العراقية، ويرى الخبير العسكري أسعد إسماعيل شهاب، أن القوات العراقية ستفقد التدريب والاستشارات والغطاء الجوي، خصوصاً أن إمكانات العراق العسكرية لا تكفي لتحقيق غطاء جوي متكامل، وهو ما تتكفل به قوات التحالف.

وتابع شهاب في حديثه لـ”المجتمع”، أن “العراق سيخسر كثيراً إذا انسحبت القوات الأجنبية من عدة نواح، وأهمها ما يتعلق بالمعلومات الاستخبارية، والاستطلاع العميق الذي تقدمه أمريكا، وكذلك برامج التدريب الخاصة بالقوات العراقية التي هي ضمن منحة لبرنامج المبيعات الخارجية للأسلحة الأمريكية للعراق، إلى جانب الأمور المتعلقة ببناء القدرات والاستعانة بالخبرات الفنية في تطوير أداء القوات العراقية التي هُزمت أمام مئات المقاتلين من “داعش” عام 2014″.

جدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب هدد بفرض عقوبات على بغداد رداً على قرار البرلمان، وقال في تصريحات للصحفيين: إن العقوبات على إيران ستكون بجوار التي ستفرض على بغداد شيئاً صغيراً، مؤكداً أن بلاده لن تغادر العراق إلا إذا دفع ثمن القاعدة الجوية الأمريكية هناك.

من جانبها، أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن الشعور بخيبة الأمل من دعوة البرلمان العراقي إلى إلزام القوات الأجنبية بالانسحاب من البلاد، وأضافت، في بيان، أن “واشنطن تحث بقوة زعماء العراق على وضع أهمية العلاقة الاقتصادية والأمنية مع أمريكا في الاعتبار، وأن وجود التحالف بقيادة واشنطن لمواصلة قتال “تنظيم الدولة” ودحره هو مصلحة مشتركة لأمريكا والعراق”.

وفي ذات السياق، قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، خلال مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” الأمريكية: إنه واثق من أن الشعب العراقي يريد بقاء القوات الأمريكية، مشيراً إلى أن عادل عبدالمهدي هو رئيس وزراء مستقيل، ويتعرض لضغوط هائلة من القيادة الإيرانية.

الاستقلال الناجز

وما بين المطرقة الأمريكية وما يفرضه وجودها تحت مظلة التحالف الدولي من حماية للعراق ووصاية على مقدراته، وسندان الخوف من إيران التي تغولت على قراره السياسي، ويخشى العديد من العراقيين أن يشكل خروج الأمريكيين من المعادلة انفراد طهران بالقرار العراقي، يرى المحلل السياسي العراقي فارس سنجاري، أن الحل الأمثل والمخرج الوحيد لنجاة المشهد العراقي في هذا التوقيت العصيب يكمن في تحقيق الاستقلال الناجز، الذي فقد منذ الاحتلال عام 2003.

سنجاري قال في حديثه لـ”المجتمع”: إن العراق اليوم يرزح تحت احتلالين اثنين؛ أحدهما أسوأ من الآخر، الأول أمريكي ويستهدف مصادر الثروة النفطية، ويسعى لجعل العراق نقطة ارتكاز في تحقيق مصالحة بمنطقة الشرق الأوسط.

وتابع: أما الاحتلال الثاني فهو الأقسى، وأقصد هنا الاحتلال الإيراني، وهو أقسى وأصعب لأنه احتلال “مؤدلج”، يسعى لنشر فكر الثورة الإيرانية، وهي الخطوة التي أشعلت وما زالت تشعل الحروب في المنطقة.

سنجاري يرى أن الاحتلال الأمريكي خرج من العراق عام 2011 من الباب، وعاد عام 2014 من شباك الحرب على تنظيم “داعش”، وبعد انتهاء المعركة تحولت الساحة العراقية إلى ساحة نزال للاحتلالين، في ظل ضعف الإرادة الوطنية.

وختم المحلل العراقي حديثه بالقول: كنت أتمنى أن يصار إلى قرار إخراج القوات الأمريكية في ظل ظرف عراقي، وتحت وطأة مطلب وطني، وليس بسبب مشكلة تتعلق بالمواجهة بين واشنطن وطهران.

وقد اتخذ التحالف الدولي موقفاً سريعاً من قرار البرلمان العراقي، إذ أعلن عن وقف معظم العمليات في الوقت الحالي، والتركيز على حماية قوات وقواعد التحالف، وكان الحلف أعلن في وقت سابق تعليق مهام التدريب التي يقوم بها في العراق، وأفادت وكالة “رويترز” بأن حلف شمال الأطلسي (ناتو) سيعقد اجتماعاً طارئاً، اليوم الإثنين، لبحث الوضع في منطقة الشرق الأوسط.

Exit mobile version