منها تراجع النمو المحلي للولايات المتحدة.. ما الذي سيحدث للاقتصاد العالمي في 2020؟

إن ضعف الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن -الذي ينعكس في الاقتصادات الحقيقية، وأسعار الأصول المالية، والسياسة النقدية المضللة- يجب أن يؤخذ على محمل الجد، فلا يتطلب الأمر الكثير لإحداث الإصلاحات في الاقتصادات والأسواق الضعيفة.

وفي تقرير نشرته مجلة “بروجيكت سنديكيت”، قال الكاتب ستيفن روتش إن توقع الأزمة المقبلة المالية أو الاقتصادية ليس أكثر من مجرد لعبة غير مجدية.

ويشتمل سجل التنبؤ الحديث على ملاحظة قائمة على التحذير، فهؤلاء الذين يتوقعون أزمة ما بشكل صحيح نادرا ما يسمحون بحدوثها مرة أخرى، وفي الواقع إن أفضل ما يستطيع خبراء الاقتصاد فعله هو تقييم نقاط الضعف.

إن النظر إلى اختلالات التوازن في الاقتصاد الحقيقي أو الأسواق المالية يعطي شعورا بالعواقب المحتملة التي قد تترتب عن صدمة كبرى، ولا يتطلب الأمر الكثير لإشعال شرارة الإصلاحات في الاقتصادات والأسواق الضعيفة، بيد أن تصحيح شدة الصدمة يختلف كثيرا عن الأزمات.

إن شدة الصدمة ودرجة الضعف تشكلان أهمية كبرى، فالصدمات الكبرى التي تتعرض لها الأنظمة شديدة الضعف تشكل نسخة أكيدة لاندلاع الأزمة.

التوسع المفرط في الميزانيات

أشار الكاتب إلى أن مصدر الضعف الذي يشكل قلقا أكثر من غيره هو حالة التوسع المفرط في الميزانيات العمومية للبنك المركزي.

وينبع القلق من ثلاثة أسباب، أولا: لا يمكن إنكار أن الميزانية العمومية للبنوك المركزية ممددة إلى حد كبير، فقد بلغت قيمة أصول البنوك المركزية الكبرى -وهي الخزانة الأميركية، والبنك المركزي الأوروبي، وبنك اليابان- مجتمعة 14.5 تريليون دولار في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بتسجيل انخفاض طفيف عن الذروة التي بلغت نحو 15 تريليون دولار في أوائل عام 2018.

ويأتي استنتاج مماثل من زيادة حجم الأصول وفقا لحجم اقتصاداتها، حيث تعتبر اليابان في الصدارة بنسبة 102% من الناتج المحلي الإجمالي، يليها البنك المركزي الأوروبي بنسبة 39% وبنك الاحتياطي الفدرالي بنسبة 17% فقط.

ثانيا: يعتبر التوسع في الميزانية العمومية للبنوك المركزية في الأساس تجربة سياسية فاشلة، وبالفعل لقد نجحت في وضع حد للأسواق المنهارة منذ أكثر من عقد، في عمق الأزمة أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009، لكنها فشلت في المقابل في تحقيق انتعاش اقتصادي قوي.

اعلان

وكانت البنوك المركزية تعتقد أن النجاح الذي تحقق خلال الأزمة سينجح بالقدر نفسه خلال الانتعاش، لكن لم يحدث ما كان متوقعا، فقد ارتفع إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان بمقدار 5.3 تريليونات دولار من عام 2008 إلى عام 2018، أو ما يقارب النصف فقط من إجمالي توسع ميزانية البنوك المركزية البالغ 10 تريليونات دولار في الفترة نفسها.

وما تبقى من 4.7 تريليونات دولار هو المعادل الوظيفي لضخ السيولة الهائلة الذي دعم أسواق الموجودات على مدار فترة ما بعد الأزمة.

ثالثا: بعد أن كانت البنوك المركزية غارقة في رفض طلب الاقتراض ضاعفت البنوك رغبتها في زيادة التوسع في الميزانية العمومية مرة أخرى، كوسيلة لتحفيز الانتعاش الاقتصادي الضعيف.

وتبعا لذلك، مهد محور الاحتياطي الفدرالي في أواخر عام 2018 الطريق نحو عكس تسوية المسار المخطط له لمعدل الفائدة الأساسي، ثم سمح للميزانية العمومية بالنمو مرة أخرى بعد التخفيضات المستمرة من منتصف عام 2017 حتى أغسطس/آب 2019.

انعدام الاستقرار المالي

في هذا السياق، لا تزال مشتريات الأصول تحتل مراتب مرتفعة بالنسبة إلى بنك اليابان، بما أنها تعتبر عنصرا أساسيا في حملة الانعكاس التي تعرف باسم “أبينوميكس”.

وقد سارعت رئيسة البنك المركزي الأوروبي التي جرى تنصيبها مؤخرا كريستين لاغارد إلى المضي قدما للبحث في السجلات، مشددة على أن السلطات النقدية الأوروبية “ستبحث في معظم السجلات” التي من الممكن أن تتضمن الميزانية العمومية.

ولسائل أن يسأل: لماذا تثير هذه المسألة كل هذا القدر من الجدل؟ في نهاية الأمر وفي ظل انخفاض معدلات التضخم يبدو أن البنوك المركزية التي تستهدف التضخم ليس لديها ما تخشاه من حيث الاستمرار في ارتكاب الأخطاء فيما يتعلق بالمواءمة النقدية الخارقة للعادة، سواء أكانت تقليدية، حيث تقترب من أسعار الفائدة المجمدة عند الصفر القياسية، أو غير التقليدية مثل كشوف بيانات الميزانية.

وأشار الكاتب إلى أن المشكلة تكمن جزئيا في تفويض استقرار الأسعار نفسه، خاصة أنه مسألة طويلة الأمد لكنها غير مناسبة في الوقت الراهن بالنسبة إلى ركود السياسة النقدية، وهذا التفويض غير متزامن، في ظل تضخم مزمن دون الهدف المنشود وتزايد المخاطر المرتبطة بالاستقرار المالي.

وأوضح الكاتب أن حالة عدم الاستقرار المحتملة في سوق الأسهم الأميركية هي أفضل مثال على ذلك وفقا للمقاييس التي جرى الاستشهاد بها على نطاق واسع من قبل الخبير الاقتصادي روبرت شيلر الحائز على جائزة نوبل، فأسعار الأسهم ترتفع مقارنة بالأرباح طويلة الأمد المعدلة بشكل دوري بنسبة 53% عن المعدل المسجل بعد عام 1950، و21% أعلى من معدل ما بعد الأزمة منذ مارس/آذار 2009.

أورد الكاتب أن المشكلة تكمن أيضا في الاقتصادات الضعيفة حقا والقريبة جدا من الركود، حيث خفض صندوق النقد الدولي مؤخرا تقديراته فيما يتعلق بنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2019 إلى 3%، أي بين مسار دام 40 عاما والذي كانت تقدر قيمته بـ3.5%، وأعتاب مسار تبلغ قيمته 2.5% والذي يرتبط عادة بالركود العالمي.

ومع نهاية العام يتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الولايات المتحدة إلى أقل من 2%، ومن المتوقع ألا يتجاوز النمو لعام 2020 لمنطقة اليورو واليابان نسبة 1%، وفي ظل هذا العالم الهش لن يتطلب الأمر الكثير لإشعال أزمة عام 2020.

وبصرف النظر عن الانخراط في لعبة أشبه بلعبة للأغبياء فإن هناك ثلاث كلمات تتصدر أعلى لائحة المخاوف، مثل سياسة الحماية والشعبوية والخلل السياسي، ويثير الميل الدائم نحو إستراتيجية الحمائية القلق على وجه التحديد، خاصة في أعقاب اتفاق تجاري خاو في “المرحلة الأولى” بين الولايات المتحدة والصين.

اعلان

وأشار الكاتب إلى أنه من المحتمل جدا أن تحمل الشرارة طابعا آخر أو ربما لن تحدث أي صدمة على الإطلاق، لكن تشخيص حالة الهشاشة ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد، خاصة في ظل إمكانية التحقق من صحته عبر ثلاث وجهات نظر، مثل الاقتصادات الحقيقية وأسعار الأصول المالية والسياسة النقدية المضللة، والعبث بأي من مكونات هذا المزيج من شأنه أن يشعل أزمة عام 2020 بشكل أسرع مما نتصوره.

Exit mobile version