المصيدة! (قصة قصيرة)

عند جيراننا فأر يرتعدون من قرضه، عند منتصف الليل يعيث فسادا في عتبة بابهم الخشبي؛ أسرعوا إلينا طالبين المساعدة، كنا نتبادل معهم تحية الصباح وفي المناسبات السعيدة أو غيرها نتشارك في تعاطف آلي؛ فسكان المدن يدبون على الأرض مثل رجل فقد ذاكرته، حدود كل واحد منهم هي جدران شقته، لا تعرف العاطفة إليهم سبيلا، هم أشبه بركاب حافلة.

 ثم بعد ذلك لم تتطور علاقاتنا أبعد من هذا، تغار زوجتي من جارتنا ذات القوام الممشوق، وجهها يشبه قرص عسل النحل، حين يخيم الليل تبدأت في ثلبها كل محاسنها؛ انتاب زوجتي خوف وهلع؛ كيف لنا أن نقتل فأرا لم يمسنا بسوء؛ بدأت تذكرني بآيات الرحمة وتتلو على مسامعي أوراد الرأفة بالحيوان. في الحقيقة أنا مثلها أخاف من ظلي؛ ربما يمثل لي ذلك الجرذ في نومي وحشا كاسرا، ليت أمي لم تخوفني من ذي الرجل المسلوخة؛ تناومت حتى لا أحرج من جيراني، أما هي فقد تشاغلت بمطبخها، صوت الجيران يزداد هلعا، لقد تسور ذلك الجرذ حائط بيتنا وبدأ يتراقص في طرب غريب، يصدر صوتا منغما استدعى أقرانه، توافدوا في حيل طويل، إنهم يقتحمون درج السلم، كل سكان البناية أصيبوا بالهلع، أحد أبناء هؤلاء الجيران استدعى زملاءه الذين يعملون في وظيفة ذات صفة خاصة، اتصلوا بالجهات المسؤولة، صافرات الإنذار تنطلق من عربات الحماية المدنية، نبأ عاجل يتصدر عناوين الأخبار: أسد انطلق من قفصه الحديدي، لزم كل سكان المدينة أماكنهم، حين يصدق الناس الشائعات يقتلهم الوهم.

سرت عدوى ذلك النبأ العاجل إلينا، بدأنا نحكم إغلاق النوافذ، لسوء الحظ انقطعت حرارة الهاتف المنزلي، تعطلت الأجهزة الكهربائية فالريح تدوي في الخارج؛ بتنا محاصرين بالظلام وبذلك الوحش الذي يشبه الديناصور، يتتابع القرض، استحالت الحياة هنا، بدأت الهواجس تغرز أنيابها في جسدي، غير معقول أن يصاب كل هؤلاء بذلك الجبن الذي لا مبرر له؛ هل أقوم بفتح الباب وليحدث ما يحدث؟!

زوجتي تغمض عينيها، إنها في حالة فزع لا تتخيل.

في نفس الساعة طائرة حربية تزمجر في السماء؛ يبدو أن نذر الحرب تقترب من مدينتا، لا نمتلك غطاء واقيا.

تصدر بيانات كل نصف ساعة عن تطور حالة الهلع التي أصابت سكان المدينة، اقترح أحدهم أن نبدل ألقابنا، أن نمشي على رؤوسنا، نغمض عيوننا؛ ألا نصدق الوشايات وكلمات السوء التي تحيط بنا.

صحف الصباح تصدر مخوفة الباقين؛ يقترب الخطر حين لا يهزأ سكان المدينة من ذلك الوحش الذي يربض في زوايا البناية المعتمة.

تذكرت أنني لم أتعاط حبة الوهم اليومية؛ امتنعت عن مشاهدة برامج الرغي المسائية.

بدأت أشعر بدفء يسري في جسدي، أزحت الغطاء السميك الذي تدثرت به، أحاول أن أبدو متماسكا؛ يحيط بي الصغار إنهم يرونني مثالا للشجاعة التي يفتقدونها في الآخرين، أسرع في حرص إلى زر الكهرباء، تدور عيني في كل زوايا الحجرة، زوجتي مصابة برعدة شديدة، تمسك بمسبحتها ومن ثم يتمتم لسانها بأدعية تحفظها، أتقدم خطوة إلى الأمام، يترامى إلى أذني مواء قطنا الأليف، يتحرك فمه منتشيا بتلك الوليمة التي عجزنا على اصطيادها!

يسري نبأ عاجل: قامت الحماية المدنية بإرجاع الأسد الهارب إلى قفصه الحديدي!

Exit mobile version