استقالة الرئيس العراقي تأخذ عملية التغيير للمجهول

استقالة صالح مؤشر خطير على دخول البلد في حالة فراغ دستوري

كتلة “البناء” اتهمت صالح بحنث اليمين وخرق الدستور، وطالبت باتخاذ الإجراءات القانونية بحقه

تحالف “سائرون” ثمن ما وصفه بـ”الموقف الوطني والمسؤول لرئيس الجمهورية”

قائمة “النصر” دعت صالح إلى التراجع عن الاستقالة

“ائتلاف الوطنية” ثمن ما وصفه بـ”الموقف الوطني” لرئيس الجمهورية

 

شكل اعتذار الرئيس العراقي برهم صالح، الخميس 26 ديسمبر، عن تكليف مرشح كتلة “البناء” أسعد العيداني بتشكيل الحكومة الجديدة، ووضع استقالته أمام البرلمان العراقي، نقطة تحول خطيرة في مسار عملية التغيير التي شرعت بها القوى السياسية، بناء على رغبة الشارع العراقي الساخط من أداء الطبقة السياسية منذ احتلال العراق عام 2003، حيث يخشى المراقبون من تحول الخلاف السياسي بين الأطراف المتصارعة إلى مواجهة عسكرية، في ظل تسلح هذه الأطراف، وانتشار السلاح بين أبناء العشائر العراقية، الساخطة لمقتل المئات من أبنائها خلال الاحتجاجات، حيث تبرأت الحكومة من قتلهم ونسبت العمل إلى طرف ثالث.

البحث عن حكومة جديدة

وبعد استقالة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، استجابة لمطالب المتظاهرين المعتصمين في الشوارع منذ مطلع شهر أكتوبر الماضي، كان يقضي العرف السياسي المعمول به منذ عام 2003، بأن تجتمع الكتل السياسية وتتوافق على شخصية مناسبة للمنصب، يتم اختيارها من الكتلة الفائزة بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات التشريعية، إلا أن خلافاً قديماً بين الكتلة السياسية حول تسمية الكتلة الأكبر عاد إلى مسرح الحداث.

ودخلت الأحزاب المشاركة في انتخابات عام 2018، في خلاف حول تسمية الكتلة الأكبر، حال دون توافقها على اسم رئيس الحكومة، فجيء بعبدالمهدي الذين كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية في دورة سابقة، ليكون مرشحاً توافقياً، رغم أنه لم يشارك في الانتخابات، وليس له كتلة سياسية تتبنى طروحاته، وجاء اختياره لنزع فتيل الأزمة بين التيارات الشيعية التي لم يحقق أياً منها أغلبية تؤهله لتشكيل الحكومة منفرداً.

وبعد استقالة عبدالمهدي تحت ضغط الشارع، عادت الأمور إلى المربع الأول، وبرز الخلاف من جديد على تسمية الكتلة الأكبر، وبما أن كتلة “سائرون” التي يتزعمها مقتدى الصدر لها العدد الأكبر من المقاعد في البرلمان، كان يمكن أن تكون هي الكتلة الأكبر، لولا أن الصدر قرر التنازل عن هذا الحق “لصالح الشعب” حسب إعلانه، لتتصدر كتلة “البناء” بزعامة هادي العامري، وتعلن عن نفسها الكتلة الأكبر، والتي قدمت بدوها وزير التعليم العالي الحالي، قصي السهيل كمرشح لنيل المنصب، وجوبه هذا الترشيح بالرفض من قبل القوى السياسية وساحات التظاهر، لأسباب عديدة أهمها اتهامه بسوء الإدارة لوزارته، وممارسته الاقصاء الطائفي، بحسب منشورات عديدة في وسائل التواصل الاجتماعي.

وعادت كتلة “البناء” مرة ثانية لترشيح محافظ البصرة أسعد العيداني للمنصب، لتأتي المفاجئة من رئيس الجمهورية الذي رفض ترشيحه، رغم أن الدستور لا يخوله ذلك، إذ إن المخول بالرفض والقبول هو البرلمان، ويقتصر دور رئيس الجمهورية على الجانب البرتوكولي.

صالح غادر العاصمة بغداد نحو مسقط رأسه في السليمانية، بعد أن أعلن عن اعتذاره عن ترشيح العيداني وسلم مذكرة للبرلمان وضع فيها استقالته على محك النقاش، وهي خطوة اعتبرها مراقبون مؤشراً خطيراً على دخول البلد في حالة فراغ دستوري بخلو منصبي رئيس الحكومة والجمهورية في وقت واحد.

مواقف متباينة

تباينت مواقف الساحة العراقية من خطوة رئيس الجمهورية، حيث اعتبر تحالف “بناء” الذي يضم تحالف “الفتح” المرتبط بالحشد الشعبي بقيادة هادي العامري، وتحالف “دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الإجراء متهماً صالح بحنث اليمين وخرق الدستور، وطالب في بيان بـ”اتخاذ الإجراءات القانونية بحق رئيس الجمهورية”.

واعتبر أن مخالفة الدستور ورفض تكليف رئيس الوزراء وفق السياقات الدستورية، سيؤدي إلى نتائج تتنافى مع مطالب المتظاهرين وعموم الجماهير في تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد.

وأضاف التحالف الذي يقول إنه الكتلة البرلمانية الأكثر عدداً باعتبار أنه يضم 150 نائباً، أنه “فوجئ بإصرار رئيس الجمهورية على مخالفة الدستور، وعدم تكليف مرشح الكتلة الأكبر بحجة رفض المرشح من بعض الأطراف السياسية”.

وتابع البيان: إنه “يرفض بشكل قاطع أي تبريرات أو التفاف على الدستور، منبهاً إلى أن ذلك سيدفع البلاد إلى الفوضى التي لا تخدم سوى الجهات الأجنبية المتربصة بالعراق”.

أما تحالف “سائرون” بقيادة الصدر فثمن ما وصفه بـ”الموقف الوطني والمسؤول لرئيس الجمهورية”، ودعا في بيان إلى إجراء استفتاء شعبي قبل نهاية العام على ثلاثة أسماء لشغل منصب رئيس الوزراء.

وذكر أن الأسماء هي: “رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي، والقاضي رحيم العكيلي، والنائب السابق فائق الشيخ علي”.

وأشار البيان إلى أن موقف الكتلة: “يبقى مع الشعب باعتباره الكتلة الأكبر ومصدر الشرعية لكل السلطات”.

أما قائمة “النصر” التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، فدعت صالح إلى التراجع عن الاستقالة، وحضت القوى السياسية على “ترك عقلية التخوين والاستقواء والهيمنة”.

وأكدت القائمة التي تعد ثالث أكبر كتلة في البرلمان، في بيان لها على أنه “يجب إجراء تغيير جوهري على معادلة الحكم الحالية”.

من جهته، رحب “ائتلاف الوطنية” الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي بما وصفه بـ”الموقف الوطني” لرئيس الجمهورية، داعياً إياه لتشكيل “وزارة مصغرة بالتنسيق مع الأمم المتحدة وتعيين مفوضية جديدة للانتخابات، على أن لا تتجاوز مهمة هذه الحكومة سنة كاملة”.

أما الشارع العراقي وساحات التظاهر، فقد لقيت خطوة الرئيس صالح ترحيباً من قبل طيف واسع من المحتجين، ورفعت لافتة مساء الجمعة، في ساحة التحرير، مركز الاحتجاجات وسط العاصمة بغداد، تحمل صورة رئيس الجمهورية، كتب تحتها “شكراً برهم على وقوفك مع مطالب الجماهير وعدم الاستجابة لمرشحي الأحزاب المرفوضين. أخرج من دائرة الأحزاب الفاسدة”.

تطورات ميدانية

وفيما يحتدم الجدل السياسي حول مسألة اختيار رئيس الحكومة، ورفض رئيس الجمهورية برهم صالح مرشح كتلة “البناء”، شهدت ساحات التظاهر زخماً واسعاً، واحتشاداً كبيراً من قبل المعترضين على أداء الطبقة السياسية العراقية.

وشهدت ساحات؛ التحرير والخلاني والطيران ومحيط المطعم التركي وجسري الجمهورية والسنك، حشوداً كبيراً شارك فيها فئات مختلفة شملت؛ طلاب ونساء وموظفون وشباب، حيث تمكن المتظاهرون من الوصول إلى مباني عدد من الأحزاب السياسية قرب ساحة كهرمانة في حي الكرادة، التي تتركز فيها مقرات الأحزاب الكبرى.

وفي محافظات الجنوب؛ شهدت البصرة حشوداً مماثلة تركزت في مناطق؛ أم قصر والمدينة وشط العرب وسفوان، وفي محافظة ذي قار، شهدت مناطق؛ الشطرة والرفاعي والغراف اعتصامات ومسيرات ردد فيها المشاركون شعارات ضد الفساد.

كما شهدت محافظات القادسية وواسط وكربلاء، العديد من الفعاليات الاحتجاجية هدد فيها المشاركون بتصعيد الاحتجاجات وبالعصيان المدني، في حال لم تستجيب الأحزاب السياسة لمطالبهم؛ المتمثلة باختيار رئيس وزراء من خارج الأحزاب السياسية، وغير مشارك في العمل الحكومي، وبتغييرات جوهرية في الدستور وقانون الانتخابات.

Exit mobile version