نشر طهران صواريخ باليستية في العراق مؤشر ثقة على استمرار نفوذها

– سنجاري: صانع القرار الإيراني مطمئن تماماً إلى أن نفوذ طهران لن يمس

– شهاب: في حال اتجهت إيران إلى سياسة حافة الهاوية يعني أخذ العالم لأزمة اقتصادية لا يمكن حساب تداعياتها

 

يعيش العراق أزمة شديدة بسبب الاحتجاجات الشعبية التي تعم البلاد، منذ مطلع أكتوبر الماضي، على خلفية الفساد والترهل الإداري في مؤسسات الدولة، ويتهم المتظاهرون إيران بالتسبب بالفوضى في بلادهم بسبب نفوذها وتأثيرها عبر الأحزاب والمليشيات الموالية لها، وهو ما دفع المحتجين لإحراق قنصلياتها في البصرة والنجف وكربلاء، والهتاف ضدها في مظاهراتهم.

ورغم حركة السياسيين ومؤسسات الدولة العراقية لاحتواء التظاهرات عبر الشروع في جملة إصلاحات وتغيرات في بنية الحكم، فإن طهران تبدو مطمئنة تماماً إلى أن ما حققته من مكاسب ونفوذ منذ احتلال العراق عام 2003 من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لن يتم المساس به، حيث نقلت شبكة “سي إن إن” الأمريكية، عن مصادر في الاستخبارات الأمريكية، أنها سجلت حركة نقل للصواريخ الباليستية قصيرة المدى من إيران إلى العراق، مشيرة أيضاً إلى قلق الولايات المتحدة إزاء إمكانية إيصال هذه الصواريخ إلى المناطق التي قد يستخدمها المسلحون المدعومون إيرانياً ضد القوات الأمريكية.

وتشير المعلومات إلى أن الصواريخ تتواجد في المناطق التي يسيطر عليها المسلحون العراقيون بالقرب من الحدود الإيرانية، وأن هؤلاء المسلحين يساعدون في الحفاظ على سرية المستودعات التي خصصت لها.

من جهتها، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في تقرير نشرته الأربعاء 4 ديسمبر الجاري على موقعها، أن مسؤولي الاستخبارات الأمريكية يعتبرون أن هذه الصواريخ تشكل تهديداً لحلفاء وشركاء واشنطن في المنطقة، بما في ذلك “إسرائيل”، وقد تعرض القوات الأمريكية للخطر.

وأشارت المصادر إلى أن المسلحين الموالين لإيران كثفوا في الشهر الماضي هجماتهم على مواقع للقوات الأمريكية في العراق باستخدام صواريخ أكبر حجماً من ذي قبل.

معركة عض الأصابع

واعتبر المحلل السياسي العراقي فارس السنجاري أن ما سربته المخابرات الأمريكية من معلومات له علاقة بتطورات معركة عض الأصابع الجارية في المنطقة بين واشنطن وطهران، مشيراً إلى أن له دلالات مهمة إذا ما أسقطنا الأمر على مجريات المشهد العراقي.

وأضاف سنجاري، في حديثه لـ”المجتمع”، أنه ورغم كل القلق الذي يسود المنطقة برمتها، ويصبغ العملية السياسية في عموم العراق، فإن صانع القرار الإيراني يتعامل مع الحدث بأقصى درجات الارتياح، وكأنه مطمئن تماماً إلى أن نفوذ طهران لن يمس؛ لا في المدى المنظور ولا في المدى البعيد، أياً كانت مسارات الأحداث ومآلاتها، فاستقالة الحكومة، وسن قانون جديد للانتخابات التي سيتم التبكير بها، كل هذه السيناريوهات المقلقة لأصحاب البلد لا تشكل لدى الإيرانيين قلقاً، والدليل على ذلك نقل مثل هذا السلاح الخطير والإستراتيجي في هذا التوقيت.

وتساءل المحلل السياسي العراقي: كيف يستقيم أن يُعمد إلى مثل هذه الخطوة إن كان ثمة قلق من حدوث تغيير في الأفق؛ فكلفة الصواريخ الباليستية السياسية والمادية باهظة لا يمكن المغامرة بها ما لم تكن الأمور محسوبة بشكل دقيق.

وتابع أن المنطق السياسي يؤكد أن إيران لن تترك العراق يخرج من دائرة نفوذها الإقليمي مهما كانت دراماتيكية الأحداث وتسارعها، فأذرعها تعاملت مع مخرجات التظاهرات وانعكاساتها بقدر عال من ضبط النفس، فلدى صانع القرار الإيراني تصور أن جهة ما تسعى لاستدراج الفصائل الموالية لطهران لمعركة استنزاف بدفعها لمواجهة ساحات التظاهر؛ لذلك نأى الحشد وحزب الله بنفسيهما عن التعامل المباشر مع الاحتجاجات في كلا البلدين.

الدهاء الفارسي

من جهته، وصف الخبير العسكري أسعد شهاب السياسة الإيرانية في التعاطي مع أحداث المنطقة بالدهاء الذي يُعتمد فيه على تكتيك احتواء التهديدات بحنكة بدل المواجهة.

وقال، في حديثه لـ”المجتمع”: لا يمكن وصف السياسة الإيرانية في مواجهة أمريكا إلا بالدهاء، فصانع السياسة الفارسي يدرك أن الدخول في حرب تقليدية مع أمريكا ستكون نتيجتها خسارة مؤكدة بكل المقاييس العسكرية، وأخذاً بالعبرة من حرب تحرير الكويت عام 1991 وغزو العراق عام 2003، تمكن من إيجاد معادلة توازن رعب تمكن إيران من المواجهة وإحداث توازن يستدرك على فارق القوة العسكرية.

واستدرك المدرس السابق في كلية الأركان العراقية بالقول: إن سياسة إيران في المنطقة منحتها القدرة على السيطرة على مضيق هرمز عند حدودها البحرية، حيث يمر خُمس إنتاج الطاقة العالمي، وعلى مضيق باب المندب البعيد عند الحدود اليمنية، حيث شريان التجارة العالمي، بالإضافة إلى تهديد غير معلوم الحجم لكيان دولة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، عبر حدود لبنان وسورية على حد سواء، أصالة عن تهديد منابع النفط في السعودية وغيرها من الدول، كما حصل في عملية استهداف “أرامكو”.

سياسة حافة الهاوية

وأشار الخبير العسكري شهاب إلى أن ما يردع أمريكا عن ضرب إيران، ويجعل أوروبا في حالة توجس وقلق من أي مواجهة، هو إدراكهما أن ما ملكته طهران من أوراق لعب في المنطقة، سيجعلها تتجه نحو سياسة حافة الهاوية، فبالمقاييس العسكرية واشنطن ستحقق تفوقاً في أي ضربة شاملة أو محدودة توجهها لطهران؛ بفعل عامل التفوق العسكري، إلا أنها لن تكون قادرة على تحديد وقت وقف الحرب في حال بدأت بها، لأن قرار إنهاء الحرب سيكون في طهران، وهي ستأخذ أمريكا وحلفائها إلى حرب استنزاف لا يمكن تحديد سقف زمني لها، ولا التقدير بدقة لحجم خسائر مثل هذه الحرب.

ونوه شهاب إلى أن إغلاق مضيق هرمز سيرفع سعر برميل النفط إلى 500 دولار، وسيشل إغلاق باب المندب حركة التجارة العالمية، وإغلاقهما ليس بالأمر الصعب والمعقد، ولا يتطلب جيوشاً عسكرية ولا أساطيل بحرية، إذ إن عرض هرمز لا يتجاوز 50 كم، ومساحة الملاحة لا تتجاوز 11 كم، وسيؤدي إغراق سفينة كبيرة في الممر التجاري إلى إغلاق المضيق، وفي حالة السلم قد يستغرق انتشال سفينة غارقة ستة أشهر، ولنا أن نتصور كم سيستغرق ذلك في حالة الحرب، متابعاً: أما باب المندب فعرضه 30 كيلومتراً منقسماً إلى قناتين الأولى؛ القناة الشرقية وتعرف باسم “باب إسكندر” وعرضها 3 كيلومترات وعمقها 30 متراً، والثانية هي القناة الغربية واسمها “دقة المايون”، وعرضها 25 كيلومتراً، وعمقها 310 أمتار، وفي حال اضطرار إيران للاتجاه نحو سياسة حافة الهاوية، فهذا يعني أخذ العالم بأسره إلى أزمة اقتصادية لا يمكن حساب تداعياتها، فالاقتصاد الأوروبي أضعف من تحمل تداعيات مثل هذه الأزمة، أما الاقتصاد الصيني الذي يعتمد على مصادر الطاقة الخارجية بالكلية، فسيتحول إلى قنبلة قابلة للانفجار.

وختم الخبير العسكري حديثه بالإشارة إلى أنه وبناءً على هذه القراءة، يمكننا أن نفهم سبب تراجع ترمب عن ضرب إيران في الدقائق العشر الأخيرة من ساعة الصفر، بعد إسقاط طائرة للجيش الأمريكي في المياه الدولية، وكذا تراجع بريطانيا عن احتجاز السفينة الإيرانية في مضيق جبل طارق، والسكوت على الطريقة المهينة في احتجاز سفينتها في هرمز التي قايضت بها السفينة الإيرانية.

يشار إلى أن معظم المناطق العراقية تشهد، منذ أكتوبر الماضي، مظاهرات حاشدة منددة بفساد الطبقة الحاكمة ونفوذ إيران، واجهتها السلطات والمليشيات بحملة قمع عنيف أسفرت عن مقتل المئات وإصابة الآلاف بجروح.

وبالتزامن مع استمرار المظاهرات، تواصلت المشاورات السياسية في بغداد للاتفاق هذا الأسبوع على مرشح لرئاسة الحكومة خلفاً لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي الذي استقال على خلفية الحركة الاحتجاجية.

ووفق القوانين النافذة، يتعين على رئيس الجمهورية العراقي تكليف شخصية بتشكيل حكومة خلال 15 يوماً من قبول استقالة عبدالمهدي، ورغم انتهاء المهلة، فإن القوى السياسية لم تتوصل إلى توافق لتسمية رئيس وزراء جديد؛ ما يعني دخول البلاد فراغاً سياسية.

 

 

___________________________

(*) باحث مختص بالشؤون الإقليمية.

Exit mobile version