تونس.. جدلية الدولة والثورة في الذكرى التاسعة للثورة

– النيفر: الثورة هي تجاوز للقوانين الموجودة وتغييرها بصورة كاملة قانونياً واجتماعياً وسياسياً

– الوريمي: الثورة لم تقم من أجل هدم الدولة وإنما تحريرها وتحويلها إلى دولة عادلة

– الكحلاوي: الدولة معنية بتوفير خدماتها للشعب وتفقد شرعيتها عندما تفرّط في مسؤولياتها

– الهرماسي: لا تناقض بين الإسلام والمدنية

 

تحتفل تونس، اليوم الثلاثاء 17 ديسمبر، بانطلاق شرارة الثورة عام 2010م على إثر المظلمة التي تعرض لها التاجر المتنقل محمد البوعزيزي الذي صفعته شرطية لم يتحمل إهانتها فأحرق نفسه، وثار على إثرها شباب تونس ضد الظلم والطغيان ودولة البوليس.

وبهذه المناسبة، نظمت رابطة الثقافة والتعدد ندوة علمية تحت عنوان “أي دولة لتونس الثورة” تحدث فيها عدد من الأكاديميين والمحللين المختصين، وذلك تزامناً مع حلول الذكرى التاسعة للثورة، حيث لا يزال الجدل محتدماً حول طبيعة الدولة التي تتعايش فيها جميع الخلفيات الفكرية وتتوافق في إدارة شؤونها بالقواسم المشتركة، والمصلحة العامة التي يحسم فيها الشعب عند الاختلاف من خلال الانتخابات والاستفتاءات.

محورية الدولة

وقالت رئيس رابطة الثقافة والتعدد التي نظمت الندوة، حميدة النيفر لـ”المجتمع”: الدولة موضوع قديم، ولكن في سياق التحولات الحاصلة في تونس والوطن العربي أصبحت مسألة رئيسة، مسألة محورية أن يبدو أن مفهوم الدولة ومفهوم الثورة متناقضان، وهو غير صحيح، وتابعت: الثورة هي تجاوز للقوانين الموجودة وتغييرها بصورة كاملة قانونياً واجتماعياً وسياسياً، بينما الدولة عبارة عن قوانين وانضباط ومؤسسات وغير ذلك، ويبقى السؤال: كيف يمكن في إطار سياقات كبيرة أن نجيب عن هذه العلاقة بين هذه وتلك، بين الدولة والسياق الثوري؟

وتساءلت: هل الدولة أصبحت مسألة هامشية ضعيفة، أم ينبغي أن تستعيد قوتها السابقة التي اشتغلت عليها لعقود؟ وأجابت: هناك من يرى أن الدولة يمكن أن تنتفي، وهناك من يراها أمر ضروري وهي موجودة وقائمة، ويجب أن نفهم طبيعة العلاقة في السياق الجديد وقضايا العدالة والكرامة والحريات كلها؛ أي العلاقة بين الدولة والثورة.

تحرير الدولة

ويرى المفكر والقيادي في حزب حركة النهضة، العجمي الوريمي أن الثورة لم تقم من أجل هدم الدولة، وإنما تحريرها وتحويلها إلى دولة عادلة، وقال لـ”المجتمع”: البحث عن الدولة العادلة أي بتحرير الدولة المختطفة من قبل طبقة جعلتها مسخرة لخدمة مصلحتها ومنتهكة لحقوق المستضعفين بأن كانت أداة استضعافهم وإخضاعهم مقابل حقهم في الحياة بلا كرامة، وتابع: أرادت قوى الثورة فك الارتباط بين الدولة القامعة والمنحازة والمختطفة، وأصحاب المصلحة من إزاحتها عن موقعها الفوقي وعن مستلزمات إقامتها للقانون باعتماد القسطاس المستقيم وتقوية الضعيف بتمكينه من حقوقه وإضعاف القوي بحمله على القيام بواجبه.

وخلص إلى القول: تعاقدت الدولة تعاقداً ضمنياً مع قوى المجتمع على خارطة طريق تتمثل في تدشين مسار انتقال ديمقراطي ينقذ ما يمكن إنقاذه حتى لا تنهار الدولة، ولا تنزلق البلاد في سيناريو حرب أهلية؛ أي بكل بساطة تجنب حصول حمام دم بهدنة بين الدولة ومواطنيها، ومصالحة بين منظومات تتبادل المصالح والمنافع والأدوار وتعيد الانتشار لتخرج إما بأفضل المكاسب أو بأخف الأضرار.

الحب والكره للدولة

وقال الباحث د. طارق الكحلاوي لـ”المجتمع”: هناك علاقة حب وكره للدولة من قبل المواطنين الذين يحملون نظرة سلبية للدولة، إلا أنهم يرغبون في تدخلها وتوفير احتياجاتهم الخدماتية والتنموية وغير ذلك.

وتابع: المستفيدون أكثر من الدولة غالباً ما تكون علاقة الحب حيالها وحيال رموزها كبيرة، في حين أن غير المستفيدين من الدولة لا يحبونها ولا يحبون رموزها، ويشككون فيما يقول المحبون: إن الدولة وفرت لمواطنيها مطالبهم طالما لم يلمسوا عن قرب هذه الخدمات، وفي كل الحالات الدولة معنية بتوفير خدماتها للشعب؛ لأنها واجب وتفقد الدولة شرعيتها عندما تفرّط في مسؤولياتها.

وانتقد الكحلاوي النظرة التي لا ترى في الدولة سوى فرض الجباية على المواطنين وقهرهم، في حين أن الدولة التي تتوزع فيها السلطات وترسي الحكم المحلي أو ما يعرف بالسلطة التشاركية والديمقراطية التشاركية واللامركزية، وهي أشكال توزيع السلطة التي يساهم في إدارتها أكثر ما يمكن من الناس؛ أي تحميل الناس مسؤوليات الدولة بشكل تدريجي حتى تقل كراهية الدولة ويتسع الشعور بالانتماء وإدراك المسؤولية تجاهها بعد أن كانت المسألة انتظارات منها فقط، ويصبح أمنها واستقرارها في هذا الوضع قضية حياة أو موت بالنسبة للفرد في الدولة عن اختيار وليس قهراً أشبه بالعدم؛ وبالتالي: لم يعد من الممكن احتكار السلطة واستمرار القهر، وهي مسألة تجاوزها التاريخ، وما بقي منها هو من مخلفات التطور بتعبير علم الأحياء.

القادمون من أعماق المجتمع

ويرى الباحث الجامعي عبدالحق الزموري أن السياقات الحالية التي تمر بها تونس الثورة ليست سياقات محلية فحسب، بل هناك تحولات إقليمية عميقة وواسعة منتشرة، وحسب التحليلات السيوسيولوجية والاقتصادية ليست تحولات ظرفية بل تمس طبيعة المفاهيم نفسها ومن بينها مفهوم الدولة، وما نطرحه هو السؤال حول الدولة وما إذا كان موضوعنا الرئيس، وهل نحن أمام وهم الدولة الوطنية أو كما يقول د. محمد الحداد مفهوم غياب الدولة الوطنية، أو ضرورة القضاء على الدولة الوطنية هو وهْم يجب القضاء عليه، وبالتالي يجب التمسك بالدولة الوطنية كخيار أوحد لتقدم شعوبنا وقيامها وتجمعها.

وقال: نلاحظ أنه في السنوات الأخيرة بعد الثورة التونسية وما تلاها من ثورات “الربيع العربي”، هناك انحسار كبير لمفهوم الدولة الحالية سواء في حجمها أو في تعريفها أو في الوظائف التي تقوم بها؛ وبالتالي خرجت ما تملكه من سلطات إلى أماكن أخرى يقال: إنه استملكها المجتمع، وهذا يطرح سؤالاً جديداً وهو: هل تملّك المجتمع فعلاً سلطات الدولة، أم أن سلطات الدولة “تفرّقت” بين القبائل وأصبحنا نعيش حالة كبيرة من الفوضى أو ما أسميه بإعادة التشكل انطلاقاً من صعود الحكام الجدد القادمين أعماق المجتمع؟

تدقيق مفهوم الدولة

ودعا د. عبداللطيف الهرماسي إلى تدقيق مفهوم الدولة واستخداماته، وقال لـ”المجتمع”: الدولة ككيان حافظ لهوية وانتماء ثم الدولة كمؤسسات سيادية، لذلك لا بد من التمييز عند الحديث عن الدولة بين النظام السياسي كسلطة والدولة كإطار.

وأضاف: ما هو مجمع عليه أو قل له الأغلبية نجد مسألة الانتقال الديمقراطي مع احتراز البعض من هذا المفهوم باعتباره انتقالاً ليبرالياً، أما الثورة فهناك من يرى أنها وقفت عند الثورة السياسية ولم تشمل الجانب الاجتماعي والاقتصادي، في حين أن القطيعة الجذرية غير ممكنة واقعياً وتاريخياً في التجارب الثورية في العالم.

وانتقد الهرماسي ما وصفه بالمال السياسي الذي أفسد الحياة السياسية من خلال صعود بعض رموزه في عام 2014 و2019، وهو ما اعتبره انحرافاً بمسار الانتقال الديمقراطي إلى غير ما ينبغي أن يذهب إليه لخدمة أهداف الثورة ووعودها الضمنية.

وشدّد الهرماسي على أنه لا تناقض بين الإسلام والمدنية، فالدولة الإسلامية هي دولة مدنية، كما يؤكد الشيخ محمد عبدو، ويحكمها الإسلام ولا يحكمها رجال الدين بالضرورة، والدولة ككيان وهوية لا يمكن أن تفقد مرجعيتها الإسلامية.

Exit mobile version