سياسيون بتونس: تمرير “صندوق الزكاة” مطلب وطني في ظل الوضع الاجتماعي المتأزم

رحومة: صندوق الزكاة له دور كبير في إسناد دور الحكومة الذي أصبح ضعيفا في الجانب الاجتماعي

الغنوشي: صندوق الزكاة ليس صندوقا حزبيا وإنما يمكن إحداث هيئة عبر انتخابها من البرلمان

خوجة: الحاجة ماسة لإطار تشريعي لجمع الزكاة ووضعها في مصارفها الشرعية

 

لم يفلح مجلس نواب الشعب التونسي مساء أمس الثلاثاء في تمرير مشروع قانون الزكاة، حيث صوّت 73 لصالح مشروع القانون ورفضه 93 آخرون وامتنع 17 عن التصويت. وينتظر التونسيون بشغف شديد إرساء صندوق الزكاة الذي انتظروه طويلا، على إثر الجدل الذي دار حوله، وشعرت الأغلبية بالارتياح بعد أن أكد رئيس كتلة حزب حركة النهضة بمجلس نواب الشعب التونسي نور الدين البحيري، على أن مشروع قانون صندوق الزكاة سيمر نظرا لوجود توافقات برلمانية حوله. قد يكون ذلك مستقبلا.

مطلب وطني

وقال النائب وعضو لجنة المالية بمجلس نواب الشعب عن حزب حركة النهضة، معز بلحاج رحومة لـ “المجتمع”: “إن إحداث صندوق الزكاة مطلب وطني في ظل الوضع الاجتماعي المتأزم جدا خاصة للفئات الضعيفة والفئات الهشة والفئات العاطلة عن العمل من الشباب”.

وتابع: “صندوق الزكاة يمكنه القيام بدور كبير جدا في إسناد دور الحكومة الذي أصبح ضعيفا في الجانب الاجتماعي فالحكومة غير قادرة اليوم على الإيفاء بالتزاماتها حيال مواطنيها ولا سيما أصحاب الحاجات منهم”. وأردف: “أمام غلاء المعيشة ووجود مئات الآلاف الذين لا يتلقون مساعدات اجتماعية من الدولة بدا صندوق الزكاة ضرورة”.

وكشف بلحاج رحومة عن أرقام واعدة لصندوق الزكاة، فوفقا للإحصائيات التي قدمتها الجمعية التونسية لعلوم الزكاة فإن “هناك ما بين ألفي مليار دينار تونسي إلى 3 آلاف مليار دينار يمكن جمعها من عائدات الزكاة سنويا. سواء تعلق الأمر بزكاة الأشخاص أو الشركات والمؤسسات المالية المختلفة وتعطى بشكل طوعي ومن خلال حملات تحسيسية توعوية اعلامية ومن خلال المساجد”.

وقال: “ما بقي هو تركيز صندوق الزكاة ووضع تفاصيل الموارد والمصارف والجهات التي تشرف عليه سيهتم بضعاف الحال والعائلات المعوزة ويهتم بالطلبة والتلاميذ الذين يجدون صعوبة في مواصلة دراساتهم وكذلك المعطلين عن العمل الذين يمكنهم الحصول على أموال لفتح مشاريع صغيرة. إلى جانب من يعانون من الديون وغير قادرين على تسديدها سواء كانت لأشخاص أو مؤسسات مالية وغيرها من مقاصد الزكاة”.

وإلى جانب الزكاة  ذكر بلحاج رحومة أن “صندوق الزكاة يمكنه أن يقبل تبرعات بعناوين أخرى وبمظلات أخرى لذلك سميناه صندوق الزكاة والتبرعات وستشرف على الصندوق الهيئة الوطنية للزكاة وفيها ممثلين عن رئاسة الحكومة ووزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة الشؤون الدينية، ووزارة المالية، ودائرة الافتاء، وعن الجمعية التونسية لعلوم الزكاة، والهيئة الوطنية للخبراء المحاسبين، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وبذل الوسع حتى نوفر أكثر ما يمكن من حظوظ النجاح لهذا الصندوق، وكذلك أن يدار بالشفافية والحوكمة الرشيدة سواء في موارده أو مصارفه وأعني بذلك الفئات الضعيفة والهشة والمعطلين عن العمل و التلاميذ والطلبة الذين لا يقدرون على تحمل نفقات التعليم”.  

مقاومة الفقر

وكان رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي قد أشار في وقت سابق إلى أن بعث ما أسماه بـ “هيئة وطنية للزكاة” “سيكون سبيلا لمقاومة الفقر، وسدّ الإخلال الموجود في البنية الاجتماعية،” وأنّه “سيتم توفير ما لا يقل عن 2 مليار دينار ستخصص للحاجيات الاجتماعية من اجل معالجة الفقر”. واعتبر الغنوشي أن “صندوق الزكاة الوارد في برنامجه الانتخابي ليس صندوقا حزبيا، وإنما يمكن إحداث هيئة عبر انتخابها من البرلمان”، وفق ما نقلته عنه صفحته الرسمية بشبكة التواصل الاجتماعي.

وأكّد الغنوشي على أن “حكومة الترويكا ( 2012 / 2013 م ) كانت أكثر حكومة عملت من أجل الفقراء والمناطق الداخلية المهمّشة، وفي عهدها خُصصت أكبر ميزانية للولايات الداخلية في تاريخ البلاد، وانخفض معدّل البطالة ثلاث نقاط كاملة، وهوما عجزت عنه جميع الحكومات السابقة و اللاحقة” . وأشار الغنوشي إلى أن “حركة النهضة أقرّت في أحد مجالسها الوزارية على إنشاء صندوق للزكاة وفق معايير عالية من النزاهة والشفافية، حتى تمكّن الفقراء من حقهم الذي حُرموا منه بفعل الحكم الاستبدادي المقترن بالنهب المنظّم، إلاّ أن بعض الأطراف المؤدلجة رفضت تمريره آنذاك”.

إطار تشريعي

وقال المدير العام لبنك الزيتونة عز الدين خوجة لـ”المجتمع” أن “الحاجة ماسة لإطار تشريعي لجمع الزكاة ووضعها في مصارفها الشرعية”. وأن “الزكاة يمكن أن تكون ركيزة أساسية للاقتصاد الاجتماعي التضامني وفق دراسات وأرقام تفيد بأن هناك 250 ألف عائلة فقيرة مسجلة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية يمكن في حال اعتماد زكاة الزيتون والتمور والحبوب أن تحصل كل عائلة على 18 خبزة يوميا وأكثر من 70 كيلو غراما من كل من الزيتون والتمر سنويا”.

وأشار إلى أن “حجم الأموال المودعة بالبنوك يقدّر بـ 55000 مليار وأن زكاتها قادرة على تأمين رواتب شهرية بـ 370 دينارا لكل عائلة معوزة في تونس”، وأضاف: “زكاة الزيتون، التي قدّرت هذه السنة بـ 260000  طن، لو أخرجت، لكان نصيب كل عائلة معوزة 71 لترا، فضلا عن صابة التمور والأسهم المدرجة في البورصة وغيرها”.

زكاة الشركات

وقال الخبير المحاسب ورئيس الجمعية التونسية لعلوم الزكاة محمد مقديش لـ”المجتمع”: هناك شركات لديهم زكاة أموال أرقام كبيرة يمكن أن تترك أثر في الاقتصاد التضامني والاجتماعي التي تعتزم الحكومة المضيّ فيه، ولو تمّ توفير إطار قانوني لدفع هذه الأموال وتوفير وثائق محاسبيّة للمزكّين تمكّنهم من محاسبة مراقب المحاسبات وتبرّأ ذمتهم أمام الدولة ومصالح الجباية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سيتشّجّع هؤلاء على دفع تلك الأموال”.

وأضاف: “وزارة الشؤون الاجتماعيّة لها من الآليات التي تمكنها من إعطاء المساعدات من أجل بعث المشاريع الصغرى والتجارب المقارنة كثيرة في العالم الاسلامي وأوروبا وأمريكا وحتى في بلدان غير اسلاميّة في افريقيا الجالية المسلمة استطاعت عن طريق أموال الزكاة توفير تمويلات للمشاريع الصغرى وخاصّة للنساء (فلاحيّة وحرفية) تمكنهم من إعالة أسرهم وكذلك المهن التقليديّة تمكنهم من تمويل في المعدّات الصغير والمواد الأوليّة من أجل فتح آفاق”.

أفضل منصة

وكان حزب حركة النهضة قد اقترح مع ائتلاف الكرامة، وجهات برلمانية أخرى “صندوق الزكاة” وذلك بناء على التكليف الشرعي، ثم الحاجة الاجتماعية في البلاد حيث أكدت “الجمعية التونسية لعلوم الزكاة” أن “ايجاد مؤسسة للزكاة في تونس سيتيح جمع أكثر من 3500 مليون دينار سنويا من أموال الزكاة وسيمكن من دعم جهود الحكومة من مجابهة مشاكل البطالة”. ودعت الجمعية في وقت سابق إلى ضرورة تفعيل مقترح القانون الأساسي المتعلق بإنشاء مؤسسة للزكاة في أقرب الآجال وترمي إلى إعادة الاستثمار وتوفير مواطن للعمل.

علما بأن الفكرة ليست حكرا على الدول المسلمة فقط وإنّما ارتبطت الأوقاف بكثير من المشاريع والصناديق في دول أوروبية وحتى بمشاريع داخل الأمم المتحدة مثل صندوق الزكاة للاجئين التابع للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والذي فاز قبل أيام بجائزة “أفضل منصة لتوزيع أموال الزكاة لعام 2019″، وذلك خلال حفل توزيع جوائز الامتياز في التمويل الإسلامي” الذي أقيم في كيب تاون بجنوب أفريقيا في 16 سبتمبر الماضي.

Exit mobile version