فوزي السعيد.. عالم لم يقبل الضيم

– لم يداهن ظالماً ولم يقبل الدنية في دينه من أجل راحته رغم كبر سنه وتقدمه في العمر

– قوات الأمن اعتقلته من منزله وهو مريض يوم 5 يوليو 2014م لدعمه للرئيس الراحل محمد مرسي

– كان عامل قوة وسط الشباب المعتقلين معه في السجن

 

في وسط المحن تنجلي مواقف الرجال فيظهر المعدن الأصيل من المعدن الخبيث الذي ظل بريقه يبهر الناس ويخدعهم، فالداعية والمصلح والعالم هم نجاة الأمم، غير أن وجود المصلح في المجتمع قد يفوق الصالح، فالمصلح قد ينقذ أمة، فيما يقتصر دور الصالح على نفسه وأسرته فقط، وهكذا كان الشيخ فوزي السعيد، الذي ظل يجوب بين بساتين القلوب بتربيته الحقيقية لهذه القلوب ومعرفته الوثيقة بحدود دينه، وفهمه الشامل لمعاني الدين، فلم يداهن ظالماً ولم يقبل الدنية في دينه من أجل راحته رغم كبر سنه وتقدمه في العمر، فكان مصيره الاعتقال سنين عدداً.

من يكون؟

ولد فوزي محمد السعيد سيد أحمد بقرية عرب الرمل مركز قويسنا بمحافظة المنوفية بجمهورية مصر العربية، عام 1945م، واهتم والده بتعليمه حتى تخرج في كلية الهندسة قسم كهرباء جامعة القاهرة، متزوج وله بنتان وولد اسمه أيمن، وكان يقطن في حي الظاهر بالقاهرة آخر شارع مسجد التوحيد، وهو المسجد الذي ارتبط اسم الشيخ به حيث ظل مسجد التوحيد الموجود بشارع رمسيس طوال سنوات عديدة “كعبة” يطوف حولها كثير من طلاب العلم الذين يريدون أن يتعلموا دين الله عز وجل على يدي عالمهم الشيخ فوزي السعيد.

شرع الشيخ فوزي السعيد في إكمال مسجد التوحيد بمجهود أهل الخير، الذين لا علاقة لهم بالدولة، وظل يخطب فيه، ويقصده عشرات الألوف من كافة محافظات مصر؛ لأداء صلاة الجمعة، والاستماع إلى الدروس الأسبوعية.

كما أن المسجد كان ملجأ للفقراء وكبار السن، ومستوصفًا طبيًا لمحدودي الدخل، لكن الدولة كان لها قرار آخر، إذ قامت بتأميم المسجد وإلحاقه إلى وزارة الأوقاف، ومن ثم فقد تم تشريد عشرات الأسر، التي كانت تكفلها المشاريع الخيرية لهذا المسجد على مدار عقدين من الزمان.

شيخ في وجه الطغاة

منذ أن التحق الشيخ فوزي السعيد في ركب الحركة الإسلامية وهو حرب على كل حاكم ظالم، حيث سخر لسانه ومنبره في كشف الحقائق، ولم تقتصر دروسه على الوعظ والإرشاد فحسب، بل كانت تبصرة للناس على ما يحاك لدينهم من مخططات، حتى عبر عن ذلك الأستاذ محمد جلال القصاص بقوله: “فوزي السعيد أو مسجد التوحيد قصة غيَّرت في مجرى التاريخ الفكري (الدعوي) في مصر، شاء من شاء وأبى من أبى”.

ويزيد: لقد كان الشيخ مهندساً يعمل طول يومه، ورب أسرة، ومريضاً يكاد يقتله السكري وضغط الدم المرتفع، فأي همة هذه؟ وأي نفس هذه التي بين جنبي هذا الشيخ؟!”.

لم يتحمل مبارك قوة الشيخ وحجته؛ فحرك قواته للقبض على الشيخ فوزي، والشيخ نشأت أحمد، إضافة إلى 94 متهماً، في القضية رقم (24 لسنة 2001 جنايات عسكرية) المعروفة إعلاميًا بـ”بتنظيم الوعد”؛ بتهمة أنهم كانوا يحضون الناس على التبرع لإخوانهم في فلسطين إبان الانتفاضة الثانية، وأصدرت الحكم في 9/ 9/ 2002م بسجن 51 متهمًا، وبراءة 43 منهم الشيخ فوزي السعيد، إلا أن وزارة الداخلية أمرت باعتقال السعيد، وعرضت سلطات مبارك على السعيد الخروج مقابل الاعتذار فرفض، وقال لهم: “لن أعتذر وأعدموني كما أعدمتم سيد قطب”.

وحينما تحركت جموع الشباب إبان ثورة 25 يناير كان الشيخ فوزي شاباً مثلهم، فانضم للثوار في التحرير في يناير، ثم شارك في تظاهرات محمد محمود، ودعا كل القوى السياسية للتضامن مع ثواره ضد قمع قوات الداخلية والجيش، وهاجم المجلس العسكري، ثم زلزل أركان منبر مسجد التوحيد مؤيداً للثورة السورية ضد بغي بشار الأسد وجماعته.

وحينما بدأت انتخابات الرئاسة المصرية خالف جموع السلفيين بدعمه للرئيس محمد مرسي وطالب الشعب بانتخابه، وبعدما فاز ظل مناصراً له حتى وقع الانقلاب العسكري، فكان الشيخ فوزي من أوائل ضحاياه لمواقفه المنددة بالانقلاب على الرئيس الشرعي؛ فكان جزاءه الحبس في سجن ليمان طرة، بعدما اعتقلته قوات الأمن من منزله وهو مريض يوم 5 يوليو 2014م، وظل في السجن يعاني الأمراض مع الإهمال الواضح في علاجه، وضاعف من همه وفاة ابنته التي كانت تعد سنده، ولم يسمح النظام للشيخ توديع ابنته ورفض خروجه من السجن، ومع ذلك كان مثالاً للصبر والقوة، حيث تقبل الخبر وسط الزيارة؛ فكان جلداً حتى لا يفسد الزيارة على إخوانه الذين ينتظرون هذه الزيارة بلهفة، ولم يعرف بالخبر إلا القليل، وحينما عاد لزنزانته أفصح عن الأمر للجميع.

لقد كان الشيخ عامل قوة وسط الشباب المعتقلين معه في سجن ليمان طرة، وكان جل همه تحميس الشباب على حفظ كتاب الله، فكان يوقع على إجازة كل من يختم القرآن، وعلى الرغم من مرضه فإنه حرص على خطبة الجمعة لغرس المفاهيم الصحيحة لمعنى الابتلاء والصبر عليه، مما كان لها أثرها في رفع الروح المعنوية لدى المعتقلين.

ظل الشيخ في السجن حتى تداولت الأخبار عن إخلاء سبيل الشيخ ورفاقه في القضية رقم (473 لـسنة 2014م) في أكتوبر 2015م، إلا أن النيابة استأنفت وقُبل استئنافها، ليظل الشيخ في السجن حتى خرج في أواخر مارس من عام 2016م بعد تدهور صحته مع وضعه تحت التدابير الاحترازية، وهي ما أقعدته في البيت حتى توفاه الله صباح الأحد الموافق 8 ديسمبر 2019م الموافق 11 من ربيع الثاني 1441هـ.

Exit mobile version