/tmp/hjlkg.jpg مصر.. حملة لرفض الانتحار ومعالجة أسبابه – مجلة المجتمع الكويتية

مصر.. حملة لرفض الانتحار ومعالجة أسبابه

– دار الإفتاء: المنتحر واقع في كبيرة من عظائم الذنوب إلا أنه لا يخرج بذلك عن الملَّة

– عساكر: المجتمع بأكمله عليه مسؤولية كبيرة فيما وصلت إليه حال الشباب

– إبراهيم: ضحايا الانتحار يعانون من فقدان الأمل واليأس وعدم تحقيق العدالة وغياب تكافؤ الفرص

وصف عدد من العلماء في مصر حملة دار الإفتاء الأخيرة لمقاومة الانتحار ورفضه بأنها غير كافية، ويجب اتخاذ مواقف إيجابية وعملية، وأنها جاءت متأخرة، وكان يجب التحرك قبل انتشار ظاهرة الانتحار لدى الشباب بهذا الشكل، وسبق الأمور قبل استفحالها وليس التحرك عقب الكارثة، كما هي الحال في الكثير من الأزمات والكوارث التي تحدث بالبلاد.

وقالوا، في تصريحات لـ”المجتمع”: إن مثل هذه الحملات رغم أنها تبدو خطوة جيدة، فإنه يجب دراسة مثل هذه الظاهرة الخطيرة والغريبة على مجتمعاتنا مع المسؤولين في الدولة؛ لوضع الحلول لها، وتقديم شيء عملي على الأرض من قبيل إنشاء مشروعات لإيجاد فرص عمل لهؤلاء الشباب الذين يصيبهم اليأس بسبب عدم وجود فرصة حقيقية لتحقيق طموحاتهم وآمالهم.

وكانت دار الإفتاء تبنت حملة مؤخراً لرفض الانتحار، ونشرت على صفحتها على “فيسبوك” وسماً بعنوان “لا للانتحار”، وكتبت قائلة: عدم القدرة على مواجهة المشكلات وتحمل الآلام جعلك تتخبط وتنسى وعد الله تعالى “إن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً”.

وأضافت في سلسلة تغريدات نشرتها عبر حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: لا تحزن إذا مررت بلحظات الفشل، كن أقوى من أي هزيمة، وابدأ من جديدة، مشيرة إلى الآية القرآنية: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}.

وأجرت الدار استطلاع رأي حول أسباب الانتحار أوضحت أن نسبة من قالوا: إن الانتحار أسبابه دينية بلغت 69%، ونسبة 31% قالت لأسباب اجتماعية وأسرية.

كما أصدرت فتوى حول ما إذا كان المنتحر كافراً أم لا، وقالت: إن الانتحار حرامٌ شرعًا؛ لما ثبت في كتاب الله، وسُنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإجماع المسلمين.

وأضافت أن المنتحر واقع في كبيرة من عظائم الذنوب، إلا أنه لا يخرج بذلك عن الملَّة، بل يظل على إسلامه، ويصلَّى عليه ويغسَّل ويكفَّن ويدفن في مقابر المسلمين؛ وأشارت إلى ما قاله شمس الدين الرملي في “نهاية المحتاج” (2/ 441): “وغسله”؛ أي الميت، “وتكفينه والصلاة عليه”، وحمله “ودفنه فروض كفاية”.

 

وشهد نوفمبر الماضي العديد من حالات الانتحار في مصر، أبرزها حالة طالب الهندسة الذي قفز من برج القاهرة، وآخر انتحر تحت عجلات المترو، وثالث بإلقاء نفسه في ترعة الإبراهيمية بأسيوط، وتم نشر 8 حالات منذ نوفمبر.

وكشف تقرير نشرته المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان مؤخراً عن رصد 101 حالة انتحار في مصر خلال ثلاثة أشهر فقط (مارس، أبريل، مايو)، وسجل مارس أعلى نسبة بـ39 حالة، تلاه مايو مسجلاً 36 حالة انتحار وبطرق مختلفة.

وذكر التقرير أن أعلى نسبة حالات انتحار كانت في محافظة البحيرة؛ إذ سجلت 21 حالة انتحار خلال الشهر الماضي، تلتها القاهرة بـ10 حالات، والدقهلية 9 حالات.

وأشار إلى أن نسبة الذكور على العموم خلال الفترة بأكملها كانت 67 حالة، أما الإناث فكانت 34، والوسيلة المفضلة لتنفيذ الانتحار لدى الذكور هي الشنق، أما الإناث فكن ينتحرن في الغالب عن طريق تناول الأقراص السامة.

فيما أكدت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، في تقرير لها، أن هناك تزايداً ملحوظاً في عدد حالات الانتحار هذا العام، فمنذ يناير وحتى بداية أغسطس سجلت أكثر من 150 حالة قام بأغلبها شباب في الفئة العمرية ما بين 20 و35 عاماً، ما جعل البعض يدق ناقوس الخطر.

أما كتاب “شهقة اليائسين” الذي رصد حالات الانتحار في مصر والوطن العربي، فأشار إلى أن الفئة العمرية الأكثر إقبالاً على الانتحار في مصر هي ما بين 15 و25 عامًا، حيث تبلغ نسبتهم 66.6% من إجمالي عدد المنتحرين في كل الفئات، تأتي بعد ذلك نسبة المنتحرين من المرحلة العمرية ما بين 25 و40 عامًا، حيث تمثل النسبة الأكبر لانتحار الرجال، وفي المرتبة الثالثة تأتي الفئة العمرية من 7 إلى 15 عامًا، إذ بلغت 5.21% من إجمالي المنتحرين في مصر.

وخلال عام 2019، نشر 64 حالة انتحار، ففي يناير نشر عن 3 حالات، وفبراير3 حالات، ومارس 5 حالات، وأبريل 5 حالات، ومايو 3 حالات، ويونيو 7 حالات، أما يوليو فكان أكثر الشهور الذي شهد  10 حالات، وأغسطس 7 حالات، وسبتمبر الذي جاء في المركز الثاني بـ9حالات، وشهد أكتوبر 4 حالات، والشأن نفسه بالنسبة لشهر نوفمبر بـ4 حالات، وشهر ديسمبر الذي ما زال في بدايته 4 حالات.

يذكر أن حالات الانتحار الواقعة فعلياً تفوق كثيراً ما يتم النشر عنه، ولكن لم يتم رصد حالات الانتحار بشكل محدد حتى الآن التي يتوقع أن تتجاوز الرقم المنشور بكثير.

وفي سياق تعليقه على هذا الأمر، قال الشيخ عبدالفتاح عساكر، من علماء الأزهر الشريف: إن مثل هذه الحملات ليست كافية، وجاءت متأخرة بعدما استفحل الأمر وتعددت حالات الانتحار، وكان يجب معالجة الأمر منذ وقت مبكر وليس الانتظار حتى تقع الكارثة، كما هي الحال، ولعل ما جرى مؤخراً مع الشاب الذي انتحر من أعلى برج القاهرة يؤكد ذلك.

وأضاف عساكر، في تصريحات لـ”المجتمع”: إن المجتمع بأكمله عليه مسؤولية كبيرة فيما وصل إليه حال الشباب، وفي القلب من ذلك مؤسسات الدولة، ومنها دار الإفتاء وغيرها من المؤسسات الأخرى التي لم تهتم بالشباب وتتعرف على مشكلاته وتعمل على حلها.

وطالب بضرورة تكاتف دار الإفتاء وباقي المؤسسات والمسؤولين بالدولة ودراسة أسباب هذه الظاهرة الخطيرة والغريبة على مجتمعاتنا وتقديم الحلول لها، خاصة وأن هناك أسباباً من قبيل البطالة والفساد وعدم تكافؤ الفرص لها علاقة بهذا الأمر وحلها في يد الدولة ومؤسساتها والقائمين على الأمر.

أما الشيخ إسلام النواوي، عضو لجنة الفتوى بالأزهر، فقال: إن هذه الحملة أمر جيد وخطوة طيبة؛ لأنها تأتي من مؤسسة دينية تحاول أن تقوي وتعمق الوازع الديني لدى الشباب؛ لأن غياب الالتزام والبعد عن الدين وفقدان القدوة الصالحة كلها من ضمن الأسباب التي تؤدي إلى الانتحار.

وأكد، في تصريحات صحفية، أن التركيز على الناحية الدينية فقط ليس هو المطلوب، ولكن يجب أيضاً على الناحية الطبية بمعنى العلاج العضوي؛ لأن الاكتئاب هو مرض عضوي يجب الرجوع فيه إلى الطبيب لإدراك حالة المريض ووجود الحلول الطبية له، وذلك بالتوازي مع الجانب الروحي والاهتمام بالناحية الدينية بحيث نحقق التوازن بين العاملين.

أما الباحث الشرعي مصطفى إبراهيم فطالب دار الإفتاء والمؤسسات الدينية بأن يكونوا أكثر اهتماماً وإيجابية في مثل هذه الأمور، ومخاطبة المسؤولين وكشف الفساد ووضع النقاط على الحروف في مثل هذه الأمور؛ لأن ضحايا الانتحار معظمهم -إن لم يكن كلهم- يعانون من فقدان الأمل واليأس وعدم تحقيق العدالة وغياب تكافؤ الفرص، وكلها أمور تحتاج إلى قرارات مسؤولين بالدولة لتحقيق العدل، والاهتمام بهؤلاء الشباب بل وكافة شباب الوطن.

وأضاف إبراهيم، في تصريحات لـ”المجتمع”: يجب أن تكون هناك مكاشفة ووضوح في تناول أسباب هذه الظاهرة الغريبة علينا، وأن يكون هناك أدوار إيجابية بتقديم فرص عمل من خلال مشروعات تساهم فيها هيئات ومؤسسات مثل هيئة الأوقاف بأملاكها الكبيرة وأموالها الكثيرة، وإنشاء مشروعات تحل أزمة البطالة وتحقق فرص عمل تمنح الشباب بعض الأمل، وعدم تسرب اليأس إليهم، خاصة أن معظم الشباب في الجامعات يرى الدنيا سوداء أمامه، وأنه سوف يتخرج ولا يجد الطريق المعبد لتحقيق طموحاته وأحلامه وآماله.

Exit mobile version