– مبروك: حكمة العدالة الانتقالية هي الجمع بين واجب التذكر وواجب النسيان حتى لا يلتهم الماضي المستقبل أو المستقبل الماضي
– الطاهري: الأنظمة والمجتمعات العربية يجب أن تعي أن مسألة الديمقراطية هي ضرورة وآتية لا محالة
– الكواكبي: المقتلة السورية لا تزال مستمرة منذ 2011 دون بصيص أمل لوقفها ولذلك فإن العدالة الانتقالية تبدو بعيدة بناء على الواقع الراهن
– رشدي: مسار العدالة الانتقالية مهم في المجتمعات التي تشهد انتقالاً ديمقراطياً لتصفية ميراث الماضي ومآسيه
– مشهور: لا نزال في بدايات العدالة الانتقالية بالوطن العربي ولم نصل إلى تجربة ناضجة كلياً
اختتمت في العاصمة التونسية مؤخراً أعمال المؤتمر السنوي الثامن لقضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي في الوطن العربي، وسط مؤشرات على أن التغيير قادم، وأن العدالة الانتقالية والإصلاح السياسي حتمية، وفوائدها تكبر كلما اختصرت المسافات، كما تكبر خسائرها كلما تأخرت أو تعثرت، كما هي حال بعض البلدان التي عاشت ثورات لا تزال دوافعها تعمل حتى الآن.
وقد شهد المؤتمر الذي نظّمه “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” تحت عنوان “العدالة الانتقالية والانتقال الديمقراطي في البلدان العربية” مساهمات قيّمة، حيث شارك في أعماله باحثون من دول عربية مختلفة، منها الدولة المستضيفة تونس والمغرب ومصر وسورية، واليمن.. وغيرها.
وناقش المشاركون قضايا العدالة الانتقالية والإصلاح الديمقراطي في الوطن العربي على مدى ثلاثة أيام، وعقدوا مقارنات وقدموا مقاربات حول التجارب المسجلة سواء في البلاد العربية أو الخارج.
الاعتدال بين التذكر والنسيان
وقال رئيس المركز الباحث التونسي مهدي مبروك لـ”المجتمع”: النقاط المهمة التي خرجنا بها من المؤتمر هي أن المجتمعات التي عاشت تجربة الانتقال الديمقراطي تجد نفسها ممزقة بين واجب التذكّر وواجب النسيان، وتساءل: كيف يمكن أن نتذكر باعتدال؟ وكيف يمكن أن ننسى باعتدال أيضاً؟
وفسّر ذلك بالقول: لأننا إذا لم ننس كل ما حدث، فإن تجارب العدالة الانتقالية تفشل، وإذا تذكرنا كل الأشياء يمكن أيضاً لتجارب العدالة الانتقالية أن تفشل، لذلك يقال عليكم أن تتذكروا باعتدال وعليكم أن تنسوا باعتدال.
وتابع: حكمة العدالة الانتقالية هي الجمع بين واجبين؛ واجب التذكر، وواجب النسيان أيضاً؛ حتى لا يلتهم الماضي المستقبل أو المستقبل الماضي.
وأشار إلى أن هدف المؤتمر هو الإجابة عن سؤال: كيف يمكن أن نجعل من ذاكرة الضحايا ذاكرة وطنية جماعية؟ ففي الغالب يتم محاصرة هذه الذاكرة وجعلها معاناة شخصية كما لو كانت لا تعني المجتمع، والتحدي هو كيف يمكن لذاكرة الضحايا أن تصبح ذاكرة جماعية يتقاسمها جميع المواطنين تتناقل من جيل إلى جيل.
التجربة المغربية
ويرى الباحث المغربي أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة محمد الخامس بالمغرب، عبدالعزيز الطاهري، أن المؤتمر أثار نقاشات مهمة، وتطرق لإشكالات كثيرة تخص العدالة الانتقالية والإصلاح السياسي في البلاد العربية.
وقال لـ”المجتمع”: تم التركيز على تجربتين مهمتين؛ وهما التجربة المغربية مع هيئة الإنصاف والمصالحة، والتجربة التونسية مع هيئة الحقيقة والكرامة.
وعن التجربة المغربية قال الطاهري: التجربة المغربية انتقلت عملياً عام 2004 مع هيئة الإنصاف والمصالحة، وتعد التجربة الأولى على مستوى البلاد العربية؛ بمعنى أنها أول لجنة حقيقية بحثت في قضايا الانتهاكات ضد حقوق الإنسان بصفة مستقلة وفاعلة في إطار العدالة الانتقالية.
وتتميّز التجربة المغربية، وفق الطاهري، في كونها تأتي في سياق نفس النظام السياسي؛ أي في إطار استمرار المنظومة الحاكمة، وحققت الكثير من النتائج المهمة جداً، سواء على مستوى حفظ الذاكرة كأماكن وظروف الاعتقال السياسي وأشكال التعذيب، أو على مستوى كشف الحقائق وجبر الضرر.
وحول تشابه واختلاف التجربتين التونسية والمغربية، أفاد الطاهري بأن التجربة المغربية جاءت في ظل استمرار نفس النظام الذي ارتكبت في عهده الانتهاكات، في حين كانت التجربة التونسية في أعقاب ثورة وبعد سقوط النظام الذي ارتكبت في عهده الانتهاكات.
الاختلاف الثاني الذي ساقه الطاهري هو أن التجربة التونسية تبنت المقاربة القضائية ومحاكمة بعض رموز النظام السابق المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، بينما التجربة المغربية كانت خالية من المقاربة القضائية، لكن على مستوى النتائج هناك إشكالية نجدها في البلاد العربية بقطع النظر عمّا إذا كانت في ظل استمرارية النظام أو بعد سقوطه.
وخلص إلى أن الأنظمة العربية والمجتمعات العربية يجب أن تعي أن مسألة الديمقراطية هي ضرورة، وأنها آتية لا محالة؛ لهذا ينبغي أن تتخذ إجراءات حقيقية وذات مصداقية لبناء نظم ديمقراطية تساهم في رفع مستويات التنمية والعدالة الاجتماعية والحريات السياسية.
سورية في الانتظار
وقدّم سلام الكواكبي، الباحث في العلوم السياسية ومدير مركز الأبحاث ودراسة السياسات في باريس (من سورية)، شهادة عن العدالة الانتقالية في سورية، والتفكير في المستقبل.
ويرى أن ما وصفها بـ”المقتلة السورية” لا تزال مستمرة منذ 2011 دون بصيص أمل لوقفها، ولذلك فإن العدالة الانتقالية تبدو بعيدة بناء على الواقع الراهن.
وقال في تصريح لـ”المجتمع”: أسس العدالة الانتقالية في سورية وكيفية الاعتماد على العلاقات الاجتماعية في تأسيس حلول جزئية مع مواصلة جهود التوثيق القائمة لانتهاكات حقوق الإنسان في سورية التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني، التي ستفيد كثيراً في تحقيق العدالة الانتقالية في سورية.
ونفى سلام أن يستجيب نظام بشار الأسد لمطالب العدالة الانتقالية إلا إذا فرض عليه ذلك من قبل المجتمع الدولي، حيث إن رعاته الإقليميين يشاركونه الطبيعة السياسية والسلطوية وتحديداً روسيا وإيران؛ ولذلك لا يرتجى من الرعاة الإقليميين للنظام أن يدفعوه لاعتماد مقاربة العدالة الانتقالية سواء راهناً أو مستقبلاً.
إذ إن العدالة الانتقالية تعني محاسبة المسؤولين عن الجرائم، ورغم أن هناك من يقول: إن هناك مجرمين في الأطراف المعارضة، ولكن كل التقارير الدولية تثبت أن 99% من الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري ارتكبتها أجهزة النظام، ومن لاذ بها أو لاذت به من مليشيات إقليمية ومن عناصر مرتزقة من روسيا علاوة على الجيش الروسي النظامي.
المسار المغدور
ونوه الباحث أسامة رشدي، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر أثناء حكم الرئيس الشهيد محمد مرسي، والمستشار السياسي السابق لحزب البناء والتنمية في مصر، نوه بالتجربة التونسية، واعتبر، في تصريح لـ”المجتمع”، أن تونس خطت خطوات رائدة ومهمة في مسار العدالة الانتقالية؛ لأنها استطاعت من خلال المجلس الوطني التأسيسي، والحوار المجتمعي ومنظمات المجتمع المدني والخبرات والاستشارات الواسعة التي تمت التي تعزز مسار العدالة الانتقالية الذي تعزز بدوره في الدستور التونسي، ثم بصدور قانون العدالة الانتقالية في ديسمبر 2014، والشخصيات الوطنية المهمة التي تولت هذا المسار.
ووصف مسار العدالة الانتقالية في مصر بالمؤسف، قائلاً: للأسف لم يكن له نصيب من الاستمرار، ولم تكن على أجندة القوى الثورية بكل أطيافها العلمانية والليبرالية واليسارية والإسلامية التي أفرزتها ثورة 25 يناير 2011، وأشار إلى أن مسار العدالة الانتقالية مهم في المجتمعات التي تشهد انتقالاً ديمقراطياً لتصفية ميراث الماضي ومآسيه وآلامه، والتطلع إلى مستقبل جديد، وكشف الحقيقة والاعتذار ورد الاعتبار وجبر الضرر ومحاسبة الجلادين، وإصلاح المؤسسات، ولا سيما الأمن والقضاء وغيرهما.
في البدايات
من جانبها، قالت حورية مشهور، وزير حقوق الإنسان في اليمن، وهي حالياً مستشارة العدالة الانتقالية في اليمن، لـ”المجتمع”: نحن لا نزال في بدايات العدالة الانتقالية في الوطن العربي، ولم نصل إلى تجربة ناضجة كلياً، إلا أننا نعتقد بأن تونس هي الدولة العربية المتقدمة على الجميع في موضوع العدالة الانتقالية رغم الهنات والنقائص.
وتابعت: نحن في اليمن بدأنا بداية قوية بإعداد مشروع العدالة الانتقالية أثناء فترة حكومة الوفاق بتجسيد مشروع العدالة الانتقالية في الدستور الجديد، وتم مناقشة موضوع العدالة الانتقالية في مؤتمر الحوار الوطني.
وأردفت: مؤتمر الحوار الوطني ومشروع الدستور الجديد استندا إلى المعايير الدولية للعدالة الانتقالية التي تبدأ بكشف الحقيقة وحفظ الذاكرة ومحاسبة الجناة ورد الاعتبار للضحايا وجبر الضرر وإصلاح المؤسسات.
واستدركت: بيد أن تلك الإنجازات النسبية التي تحققت خلال حكومة الوفاق تقوّضت بسبب الانقلاب والعنف والحرب التي يشهدها اليمن الآن.
وأقرت مشهور بوجود تدخلات أجنبية، إلا أنها ألقت باللائمة على اليمنيين أنفسهم: نلوم أنفسنا قبل أن نلوم الآخرين، حينما تصدع بيتنا تدخل الآخرون، ولكن لو كان بيتنا متماسكاً لما تمكن الآخرون من التدخل؛ سواء من الجوار أو على المستوى الدولي.