توقعات بمواجهة بين القاهرة وحقوقيين حول ملف حقوق الإنسان

وصل وفد مصري حكومي وحقوقي إلى جنيف لحضور المراجعة الدورية الشاملة التي يجريها مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الأربعاء والخميس 13 و14 نوفمبر 2019، حول وضع حقوق الإنسان في مصر، وسط توقعات بمواجهات بين الوفد المصري ووفود دول ومنظمات حقوقية قدمت أسئلة عن الانتهاكات في مصر.

وجاء تقرير مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الذي صدر الأسبوع الماضي، واتهم السلطات بمصر ضمناً بالمسؤولية عن مقتل الرئيس السابق محمد مرسي، بوصف وفاته بأنها “قتل تعسفي”؛ ليزيد الضغط على الوفد المصري، في ضوء تحذير تقرير الأمم المتحدة من وفيات أخرى لحالات معتقلين مشابهة للرئيس مرسي.

واستبقت القاهرة جلسة الاستماع بما أسماه مغردون “تمثيلية حاتي وكبابجي بورتو طرة”، في إشارة لاستضافة 200 من نواب وإعلامي السلطة بينهم 25 من المراسلين الأجانب، لزيارة سجون طرة، ليشاهدوا “كبابجي” (طاهي كباب) يشوي كفتة في باحة السجن ولحوم نعام وبيض نعام قيل لهم: إنه يجري تقديمها للمساجين!

وبالمقابل، اشتكى نزلاء السجن من حبسهم 4 أيام وعدم خروجهم بسبب ترتيبات الزيارة، ونشر الناشط محمد سلطان فيديوهات للطعام الحقيقي الذي يقدم للمساجين في “جرادل قذرة عدس بدود وفول في أكياس بلاستيك”، وكشف مراسلون أجانب أنه تم منعهم من الحديث مع المساجين أو توجيه أي أسئلة لإدارة السجن!

وتستعد السلطات في مصر لسلسلة استجوابات تتعلق بملفها “المتردي” لحقوق الإنسان من جانب حقوقيين ودول أجنبية، خلال الاجتماعين اللذين سيعقدان يومي 13 و14 نوفمبر الجاري في جنيف.

وتعتبر المنظمات الحقوقية المصرية أن آلية الاستعراض الدوري الشامل قد تكون فرصتها الأخيرة لمراجعة سياسات الدولة المصرية، وطرح مطالب حقوقية والدعوة للضغط على الحكومة المصرية من أجل تبنيها وتنفيذها.

أسئلة محرجة

تحضيرًا للاستعراض الدوري الشامل الخاص بمصر، قدمت كل من البرتغال والسويد وأورجواي وبلجيكا وليشتنشتاين والولايات المتحدة عدداً من الأسئلة المبكرة إلى مصر حول انتهاكات الحريات وزيادة أحكام الإعدام وقوانين الطوارئ والقضية (173) ضد المدافعين عن حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب.

كما تقدمت منظمة العفو الدولية بتقرير لأعضاء مجلس المراجعة الدورية الشاملة الأوروبية لملف مصر في مجلس حقوق الإنسان يتضمن “الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في مصر”.

وقالت 9 منظمات حقوقية مصرية ضمن “مجموعة العمل المصرية من أجل حقوق الإنسان المصرية”: إنها استعدت لعرض سجل انتهاكات سلطات مصر لحقوق الإنسان، ووصفته بأنه “أسوأ بكثير من عام 2014″، مشيره لإخلال القاهرة بـ300 تعهد للأمم المتحدة.

وأكدت مجموعة العمل المصرية أن أوضاع حقوق الإنسان بمصر حاليًا أسوأ بكثير عما كانت عليه خلال جلسة الاستعراض الماضية في نوفمبر 2014.

وأوضحت أن السنوات الخمس الماضية شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات القتل خارج نطاق القانون، والإفراط في إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام، والقتل العمد للمساجين السياسيين عن طريق الإهمال الطبي والصحي لهم أثناء الاحتجاز.

وأشارت إلى التنكيل بالأحزاب السياسية والمدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية، والتعدي على حقوق النساء والأطفال، وحجب المواقع الإخبارية والتنكيل وحبس الصحفيين وترحيل المراسلين الأجانب.

ونوهت للتعديلات الدستورية القمعية، والإجراءات التعسفية المتخذة بحق المعارضين لها، واعتقال أكثر من 3 آلاف مصري قبل شهر واحد من جلسة الاستعراض الدوري الشامل، على خلفية مظاهرات سبتمبر.

كما انتقدت توقيف المارة في الشوارع وتفتيش هواتفهم وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وحجبت السلطات المصرية المزيد من المواقع الإخبارية، أحدثها “BBC عربي”، وقناة “الحرة”.

كيف استعدت مصر؟

لم تنقطع اجتماعات “اللجنة الوطنية للمراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة”، المكونة من الحكومة، وممثلي عدد من منظمات المجتمع المدني خلال الأسبوع الماضي، استعداداً لهذه المراجعة أمام مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بحنيف.

وقال علاء شلبي، عضو اللجنة الوطنية، رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان: إن اللجنة عقدت اجتماعات تشاورية، برئاسة المستشار عمر مروان، وزير شؤون مجلس النواب، ورئيس اللجنة الوطنية، والسفير إيهاب جمال الدين، مساعد وزير الخارجية لحقوق الإنسان.

وحضر الاجتماعات محمد فايق، رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، وعدد من الأعضاء الآخرين، بغرض التشاور “حول كيفية مواجهة التحديات المتعلقة بتحسين الفهم الدولي لوضعية حقوق الإنسان في مصر، بعيداً عن التضليل والمبالغات”.

وقال شلبي في تصريحات نشرتها الصحف المصرية: إن من ضمن المقترحات المطروحة وضع آلية تشاور مستمرة بين الدولة والمؤسسات الحقوقية، والتفاعل السريع مع الشكاوى والبلاغات التي تقدمها المنظمات في الادعاءات بوقوع الانتهاكات.

فيما قال حافظ أبو سعدة، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان: إن اللجنة تشاورت كذلك حول بحث إنشاء آلية لمناهضة التعذيب وإمكانية الموافقة على توقيع عدد من الاتفاقيات في هذا الإطار، بالتوافق مع المراجعة الدورية.

وزعم محمد فايق، في تصريحات للصحف المصرية، أن موقف مصر خلال المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان أمام المفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة، والمقرر إجراؤها الأسبوع المقبل، “جيد لحد كبير”.

وزعم أن “الدولة حازمة في عقاب من يثبت تورطهم في التعذيب، وهناك ما يزيد على 10 من الضباط الكبار يحاكمون بتهم التعذيب حالياً، لكن وزارة الداخلية لا تعلن عنهم ولا تنشر ذلك”.

واتهم فايق الإخوان بأنهم أنشؤوا عدداً من المنظمات (الحقوقية) في لندن وجنيف وتركيا باسم منظمات مصرية، لكن كثيراً منها أصبح سيئ السمعة.

وزعم أنهم يتعمدون حضور مؤتمرات المراجعة الدورية لتقديم اتهامات مصر “بلا منطق”، بحسب تعبيره، ونحاول أن نقاوم هذه المنظمات ونشكك في مصداقيتها، وإفهام الغرب انه يقف ورائها إخوان.

وفي هذا السياق، طالب مدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان هيثم أبو خليل بضرورة اتخاذ قرارات وإجراءات جادة من جانب الأمم المتحدة بشأن ممارسات السلطات في مصر، وتوقيع عقوبات بسبب الانتهاكات التي يرتكبونها بحق الشعب سواء القتل المستمر للأبرياء في سيناء أو عمليات التعذيب والإخفاء القسري وغيرها من الانتهاكات الممنهجة، بحيث لا تقف الأمور عند حد الشجب والإدانة فقط.

وأشار أبو خليل إلى الملاحظات التي تم تسجيلها على ملف مصر في المراجعة السابقة عام 2014، والبالغة 300 ملاحظة ولم يتم أي تعديل من جانب السلطات، بل إن الانتهاكات زادت حدة واتسعت رقعتها وشملت الأشخاص والمؤسسات والنقابات وحرية التعبير وكافة الأنشطة تقريباً.

أما مدير مركز السلام الدولي لحماية حقوق الإنسان علاء عبدالمنصف فيقول: إنه بالنسبة للاستعراض الشامل لملف مصر، فإن الأمر محسوم بعد تقديم تقارير من جانب المنظمات الحقوقية ومن البعثات الدولية والملاحظات الدولية وحتى المجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر، كل هذه الأمور نشرت على الموقع الخاص بصفحة الاستعراض بالأمم المتحدة، وكلها يدين السلطات في انتهاكات ممنهجة ومتعمدة ومستمرة.

وأضاف عبدالمنصف: يتبقى فقط التقرير النهائي الذي سيصدر يوم الخامس عشر من هذا الشهر؛ أي بعد الاستعراض بيومين؛ وبالتالي إذا كانت الملاحظات السابقة والبالغة 300 ملاحظة ستزيد أو ستتعمق وهي تتعلق بالتعذيب والاختفاء القسري والمحاكمات غير العادلة وكذلك إلغاء عقوبة الإعدام وأيضاً التشريعات التي لم توقع عليها مصر والمتعلقة بالانتهاكات المشار إليها.

ومن جانبه، قال الباحث الحقوقي بالتنسيق المصرية للحقوق والحريات أحمد العطار: هناك  تقارير عديدة للمنظمات الحقوقية المصرية والدولية والأممية تؤكد أن الوضع العام قبل إصدار تقرير مقتل الرئيس محمد مرسي الأسبوع الماضي، كان يدل على أن الوضع السيئ لحقوق الإنسان في مصر سيكون على رأس أولويات تقرير المراجعة ألدورية الشاملة، وخاصة بعد تقديم 72 منظمة مصرية ودولية تقارير تدين الانتهاكات في مصر، مطالباً الأمم المتحدة لاتخاذ إجراءات وخطوات جادة تجاه السلطات لوقف هذه الممارسات ومحاسبة من ارتكبوها.

الوعى الحقوقي لدى المواطن المصري والأجنبي وزيادة مستوى الإدراك بالكارثة بحجم الواقع الصعب الذى يعيشه المعتقلون.

مظاهرات

بالتزامن مع جلسة المراجعة الدورية الشاملة لملف مصر في مجلس حقوق الإنسان في جنيف، اليوم 13 نوفمبر، دعا العديد من النشطاء في أوروبا المصريين للتظاهر في جنيف أثناء انعقاد الجلسة في الساحة أمام الأمم المتحدة ضد انتهاكات السلطات للحريات.

وقالت مصر: إنها وافقت على 249 توصية من أصل 300 توصية تلقتها في نوفمبر 2014، ضمن آلية المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان، وذلك خلال جلسة اعتماد تقريرها الحقوقي أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف، 19 مارس 2018.

وقال مندوب مصر الدائم في جنيف: إن بلاده وافقت على 220 توصية بشكل كامل، و23 بشكل جزئي، ولكن فريق الاستعراض الدوري الشامل التابع لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، كشف رفض مصر لأكثر من 60 توصية تقدم بها عدد من الدول خلال جلسة نوفمبر 2017.

وسبق أن برر عمر مروان، وزير شؤون مجلس النواب، خلال مؤتمر صحفي بجمعية المراسلين الأجانب، مارس 2018، تعذيب معتقلين بقوله: إنه يحدث “بسبب محاولة الهروب”، واعتبر “وجود 72 حالة تعذيب خلال 4 سنوات من قبل رجال الشرطة للمواطنين ﻻ تسمى ظاهرة”، حسب تعبيره.

Exit mobile version