منطقة القرن الأفريقي.. تاريخ يضـج بالصراعات الدولـية

– المنطقة أصبحت نقطة اهتمام من أطراف دولية وإقليمية تتصارع على مواطن الثروة ومراكز القوة

– أمريكا ترتبط بالمنطقة بعلاقات إستراتيجية ووجود عسكري واستثماري منذ الحرب الباردة

– الصين غزت أفريقيا بالمال وليس بالسلاح من خلال التغلغل الاقتصادي مع دول المنطقة

– جهود الدول الأوروبية اتجهت للتعامل مع قضايا القارة في صورة من الدعم الاقتصادي

 

لم يعد الاحتلال كما عرفناه، ولا الحروب كما ألفناها؛ بل أصبحت الصراعات تُدار بشكل أكثر هدوءاً، ولكن ليس أقل خطورة، ومنطقة القرن الأفريقي أصدق شاهد على هذا؛ حيث تكتسب المنطقة أهمية خاصة للدول الكبرى، وتشهد صراعات دولية وإقليمية غير مسبوقة، في ظل تضارب المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية لهذه الدول.

يُقصد بمنطقة القرن الأفريقي -جغرافياً- ذلك الجزء الممتد على اليابسة الواقع غرب البحر الأحمر وخليج عدن على شكل قرن، وهو بهذا المفهوم يشمل أربع دول، هي: الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا، بينما تتسع المنطقة أكثر عند النظر لها من زاوية سياسية واقتصادية لتشمل كينيا والسودان وجنوب السودان وأوغندا.

لكن لماذا تحتل منطقة القرن الأفريقي هذه الأهمية؟

ليست أهمية القرن الأفريقي وليدة اليوم، فقد كانت منذ العصور القديمة محط أنظار القوى والإمبراطوريات المهيمنة، لأهميتها الإستراتيجية، وإطلالها على طرق التجارة الدولية البرية والبحرية، فمنذ القرن الخامس عشر ازداد التنافس الغربي على النفوذ بهذه المنطقة، بل وتحول إلى صراع في حالات عديدة.

وبالنظر للأهمية الإستراتيجية التي تشكلها هذه المنطقة الحساسة، فقد أصبحت نقطة جذب وتركيز واهتمام من أطراف دولية وإقليمية عديدة، تتصارع على مواطن الثروة والنفوذ ومراكز القوة والحضور، وزاد من أهميتها الإستراتيجية كونها تمثل منطقة اتصال مع شبه الجزيرة العربية الغنية بالنفط، حيث يربط القرن الأفريقي بين قارات أفريقيا وأوروبا وآسيا عبر مضيق «باب المندب» الذي يعتبر رافداً أساسياً للتجارة الدولية، وكذلك يعتبر مدخلاً لقناة السويس، ونقطة انطلاق عسكرية في عدد من الدول المهمة بالمنطقة؛ فالموانئ وحاملات النفط والغاز والاتجار بالبضائع والأسلحة وعبور الأشخاص عوامل جعلت منها نقطة جذب دولية، وظهر في هذه المنافسة أسماء دول كبرى عديدة على الصعيد الدولي والإقليمي.

وفي هذا التقرير، سنتناول الصراعات الدولية على منطقة القرن الأفريقي، ونخص به الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، ودول أوروبا الكبرى.

الولايات المتحدة الأمريكية.. ونصيبُ الأسد:

منذ ظهور الدولة الأمريكية على الساحة الدولية وحتى الحرب العالمية الثانية، تميزت السياسة الخارجية لها تجاه القارة الأفريقية بالتجاهل وعدم الاهتمام، ولم تتبلور سياسة أمريكية واضحة تجاه القارة الأفريقية حتى عام 1998م، عندما سعت إدارة الرئيس «كلينتون» إلى تأسيس شراكة أمريكية – أفريقية جديدة لأسباب تتعلق بالثروات والموارد الضخمة بالقارة.

فالولايات المتحدة ترتبط بمنطقة القرن الأفريقي بعلاقات إستراتيجية ووجود عسكري واستثماري، منذ فترة الحرب الباردة، حيث تمتلك واشنطن قاعدة «كامب ليمونير»، بالإضافة إلى مقرات قوات «الأفريكوم» بجيبوتي، وتعتبر تلك القاعدة هي الوحيدة المعلنة من قبل واشنطن، إلا أن كافة التقديرات تشير إلى وجود قواعد أمريكية صغيرة منتشرة في القارة الأفريقية بشكل عام، وفي القرن الأفريقي بشكل خاص، حيث يتواجد في كينيا قاعدتا ميناء «ممبسة»، والبحري و«نابلوك»، وفي إثيوبيا تمتلك واشنطن قاعدة عسكرية للطائرات بدون طيار في منطقة «أربا مينش» منذ عام 2011م، وقد كانت الصومال تضم قاعدتين أمريكيتين في ميناء البربير، لكن التطورات اللاحقة أدت إلى نقل القاعدتين إلى جيبوتي.

وخلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي السابق «ريكس تيلرسون» إلى أفريقيا، في مارس 2018م، ركزت الزيارة على المراكز الرئيسة المهمة للمصالح الأمريكية، ومن بين خمس دول تضمنتها الزيارة، كانت هناك دولتان من دول القرن الأفريقي (إثيوبيا وجيبوتي) وهو ما يعزز أهمية تلك المنطقة بالنسبة لواشنطن.

الصيـن.. العملاق الاقتصادي:

اعتمدت الإستراتيجية الصينية في منطقة القرن الأفريقي على التغلغل الاقتصادي بشكل خاص، وإغداق المساعدات والتعاون الاقتصادي مع دول المنطقة، خاصة منذ إنشاء منتدى التعاون الصيني الأفريقي في عام 2000م، كما أعطت بكين أهمية كبيرة لعلاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع دول المنطقة على أسس أيديولوجية «التضامن بين دول العالم الثالث» كمقدمة للدور العسكري الراهن.

غزت الصين أفريقيا بالمال والنفوذ وليس بالسلاح؛ ففي عام 2005م، استثمرت الشركات الصينية 175 مليون دولار في أفريقيا لاستكشاف النفط وتشييد البنية التحتية والطرق والسكك الحديدية وفي برامج الزراعة والتعليم.

وتمكنت الصين في يوليو 2017م من افتتاح أول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي، وهي القاعدة التي تضم 10 آلاف جندي تقريباً، في أول خطوة لتعزيز النفوذ الصيني في المنطقة، الذي تنظر إليه واشنطن باعتباره التهديد الأكبر للمصالح الأمريكية، كما استطاعت بكين تعزيز نفوذها في منطقة القرن الأفريقي من خلال ربطها بمشروع «الحزام والطريق»، الذي يستهدف إقامة ممر تجاري وبحري يمر من باب المندب.

أوروبا.. والحضور الاقتصادي التنموي:

بعد استقلال جيبوتي عن فرنسا، لم تنفصل الأخيرة عنها بشكل كلي، بل ظلت العلاقات التي تربط البلدين قائمة، حيث تم توقيع اتفاقية عسكرية لضمان تواجد عسكري نحو 4500 جندي، ثم تقلص العدد إلى نحو 1500 جندي بعد ذلك، في القاعدة العسكرية لباريس التي تعد أهم قاعدة فرنسية في القارة الأفريقية.

ومؤخراً بدأت بقية القوى الأوروبية تدرك الأهمية الإستراتيجية التي تمتلكها منطقة القرن الأفريقي، التي انعكست في زيارة رئيس الوزراء الإيطالي إلي إثيوبيا وإريتريا في منتصف أكتوبر 2018م، كما كشفت زيارة وزير التنمية والتعاون الدولي الألماني إلى إريتريا في أغسطس 2018م التطلع الأوروبي الراهن لتعزيز التواجد في منطقة القرن الأفريقي.

وقد اتجهت جهود الدول الأوروبية للتعامل مع القارة وقضاياها في صورة من الدعم الاقتصادي والإنمائي؛ حيث رأت أنه المدخل لها بعد أن سبقتها الولايات المتحدة الأمريكية والصين في خلق نوع من الشراكة مع القارة، وإذا كان مدخل الولايات المتحدة هو المدخل السياسي والعسكري، فإن الاتحاد الأوروبي اتخذ المدخل الاقتصادي التنموي.

وفي 12 أكتوبر 2005م، تبنت المفوضية الأوروبية مبادرة إستراتيجية الاتحاد الأوروبي من أجل أفريقيا «نحو ميثاق أورو- أفريقي من أجل التعجيل بالتنمية»، وهي تقوم على أساس صياغة إطار للدول الخمس والعشرين أعضاء الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى المفوضية الأوروبية، وتأتي هذه الخطة في إطار التنافس الدولي على القارة ومنها منطقة القرن الأفريقي.

وجاءت هذه المبادرة الأوروبية بعد الانتقادات التي وُجهت لطبيعة الاتفاقات التي تبرمها المفوضية مع الدول الأفريقية وأهدافها، حيث رأت فيها الدول الأفريقية أداة للسيطرة على الأسواق الناشئة، كما اعتبرتها أداة لإعادة استعمار القارة عن طريق التجارة الحرة؛ لذا وُضعت إستراتيجية أوروبية جديدة للتعامل مع القارة الأفريقية، في صورة شراكة من أجل التنمية، وهدفها الأساسي هو وضع إطار عمل للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من أجل دعم جهود القارة الأفريقية للوصول إلى الأهداف الإنمائية للأمم المتحدة للعقد القادم.

وما زالت الصراعات مستمرة والمصالح متباينة، وفي الوقت ذاته تشهد منطقة القرن الأفريقي فقراً ومجاعات بسبب الصراعات السياسية والجفاف وانعدام الأمن الغذائي، وفقر الدول وضعفها هو ما يجعلها عرضة للاستغلال وبسط النفوذ وإقامة الثكنات على أراضيها ونهب ثرواتها.

لكن رغم هذا، فإن دول القرن الأفريقي استطاعت أن توازن علاقاتها مع الدول المتصارعة، وكيف تتعامل معها، في عصر لا يوجد به غير لعبة المصالح، فإلى أين ستؤدي الصراعات الدولية في القرن الأفريقي؟

 

_______________

المصادر

1- موقع «الجزيرة.نت».

2- موسوعة مقاتل من الصحراء.

3- مركز التقدم العربي للسياسات.

4- المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والاقتصادية والسياسية.

Exit mobile version