“العفو الدولية”: قوات الأمن العراقية تستخدم قنابل “تخترق الجماجم”

سلطت منظمة العفو الدولية الضوء على القنابل الغازية المستخدمة لـ«قمع المحتجين» في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، فيما أشارت إلى أنها مصنعة في بلغاريا وصربيا.

وقالت، في تقرير نشرته أمس الجمعة: إنها «أجرت مقابلات هاتفية وعبر البريد الإلكتروني مع العديد من شهود العيان، واستعرضت السجلات الطبية واستشارت المهنيين الطبيين في بغداد، فضلاً عن اختصاصي طب شرعي مستقل حول الإصابات المروعة التي تسببت فيها هذه القنابل منذ 25 أكتوبر».

وقام «فيلق التحقق الرقمي»، التابع للمنظمة بتحديد الموقع الجغرافي، وتحليل أدلة الفيديو بالقرب من ميدان التحرير في بغداد لتوثيق الوفيات والإصابات، بما في ذلك اللحم المتفحم والاختناقات.

شهادات شهود عيان

وحدد الخبير العسكري للمنظمة أنواع قنابل الغاز المسيل للدموع التي يتم استخدامها كخيارين من بلغاريا وصربيا على غرار القنابل العسكرية ويصل وزنها إلى 10 أضعاف ثقلها في قنابل الغاز المسيل للدموع القياسية؛ مما أدى إلى إصابات مروعة وموت عندما أطلقت مباشرة على المتظاهرين.

وتشير جميع الأدلة إلى قيام قوات الأمن العراقية بنشر هذه القنابل العسكرية ضد المتظاهرين في بغداد، التي تستهدف على ما يبدو رؤوسهم أو أجسامهم في نطاقات فارغة.

وقالت لين معلوف، مدير أبحاث الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية: «لقد كان لهذا نتائج مدمرة، في حالات متعددة اخترقت جماجم الضحايا، مما أدى إلى جروح مروعة وموت بعد أن وضعت القنابل اليدوية داخل رؤوسهم».

وأضافت أن «عدم المساءلة عن عمليات القتل والإصابات غير القانونية على أيدي قوات الأمن، المسؤولة عن الغالبية العظمى من الإصابات في الشهر الماضي، يرسل رسالة مفادها أنه يمكنهم القتل والتشويه بدون عقاب»، مشددةً على أنه «يجب على السلطات كبح جماح الشرطة، وضمان إجراء تحقيقات سريعة ونزيهة وفعالة، ومحاكمة المسؤولين».

وقابلت العفو الدولية تسعة شهود عيان، بمن فيهم المتظاهرون، والمتطوعون، الطبيون، الذين وصفوا استخدام الشرطة القنابل المسيلة للدموع بالقرب من ميدان التحرير في بغداد في الفترة من (25 إلى 29 أكتوبر).

ووصف الشهود كيف استخدمت شرطة مكافحة الشغب في وقت سابق من شهر أكتوبر قنابل الغاز المسيل للدموع، لكنها تحولت إلى إطلاق القنابل اليدوية في 25 أكتوبر تقريبًا، وتزايدت حالات الوفيات والإصابات منذ ذلك الحين.

وقال العديد من الشهود: إن ما يصل إلى 10 قنابل يدوية التي يشير إليها المحتجون باسم «دخانية» يتم إطلاقها في وقت واحد على المناطق المزدحمة، ما يبعث منه دخانا تنبعث منه رائحة مختلفة عن أي غاز مسيل للدموع سبق أن شاهدوه.

ووفق ما قالت إحدى المتظاهرات لمنظمة العفو: «إحدى القنابل الدخانية سقطت بالقرب مني وكنت بالكاد أستطيع التنفس، كان مثل كسر في صدري، أعطاني المتطوعون الطبيون جهاز تهوية، أعتقد أنني كنت قد مت، لقد تعرضت للغاز المسيل للدموع من قبل ولم أشعر بهذه الطريقة».

أحد المحتجين الذكور، قال: «منذ 25 أكتوبر، لم تتوقف شرطة مكافحة الشغب عن إطلاق الغاز المسيل للدموع على الحشود، إنه مستمر وعشوائي، لا يستخدمونها للتفريق، فهم يستخدمونها للقتل، كل القتلى في بغداد كانوا من هذه العلب التي كانت داخل جثث المحتجين، لا يفكرون في حقيقة أن هناك عائلات وأطفالاً في الحشود».

متظاهر آخر أوضح لمنظمة العفو أن صديقه قُتل بعد إصابته في رأسه بإحدى القنابل اليدوية في 28 أكتوبر، وشهد شخصياً وفاة أخرى وإصابة تسببت فيها قوات الأمن في استخدامها في 26 أكتوبر.

وأضاف: «رأيت القنبلة تضرب رجلاً في وسطه وقد فسخت ملابسه، انفجرت ملابسه بعيداً، القنبلة جاءت من حوالي 150-200 متر، لقد وقع في مكانه وسحبناه إلى (تكتك)، وجاءت القنبلة أفقياً، رأيت رجلاً آخر أصيب في الكتف، لم أر لحظة التأثير لكنه كان يصرخ كثيراً».

ووصف متظاهر آخر كيف أن رجلاً ضربته إحدى القنابل الدخانية في جمجمته وسقط فورًا على الأرض وكان الدخان يخرج من رأسه.

ووصف متطوعون طبيون كيف تم إطلاق القنابل اليدوية مباشرة على المناطق المزدحمة من المتظاهرين المسالمين، مما تسبب في إغماء، بمن فيهم الأطفال، لقد قالوا: «أطلقوا النار مباشرة على الحشود، ليس في الهواء، مباشرة في الناس».

واكتشفت منظمة العفو أشرطة فيديو عدة عبر الإنترنت تم التحقق منها وتحديد موقعها الجغرافي في الفترة ما بين 25 و 29 أكتوبر في مناطق بالقرب من ميدان التحرير بوسط بغداد، وهي نقطة محورية للاحتجاجات.

وأظهرت أشرطة الفيديو هذه خمسة رجال عانوا من صدمة شديدة في الرأس بسبب القنابل، في مقطع فيديو تم تصويره في 25 أكتوبر على الجانب الشمالي الشرقي لجسر الجمهورية، يمكن رؤية متظاهر فاقد الوعي أو ميتاً، مع جرح واضح في الجزء الخلفي من جمجمته يتسرب منه الدخان أو الغاز.

القنابل العسكرية

ويمكن رؤية التأثيرات نفسها في مقطع فيديو آخر تم تصويره في اليوم والمكان نفسه، وهنا يوجد متظاهر ذكر أن لديه جرحاً مماثلاً على يمين جمجمته، وأيضاً، يظهر مقطع فيديو آخر تم تصويره في 25 أو 26 أكتوبر مجموعة من المحتجين يمشون فوق جسر الجمهورية في اتجاه المنطقة الخضراء في المدينة، فجأة يسقط متظاهر من الذكور على الأرض يمسك برأسه، أعمدة الدخان أو الغاز تظهر من الجرح.

وتلقت منظمة العفو صور الأشعة المقطعية من العاملين في المجال الطبي في بغداد، تؤكد الصورة، التي تحققت منها منظمة العفو الدولية، الوفيات الناجمة عن صدمة شديدة في الرأس، الإصابات الرهيبة في كل هذه الصور ناتجة عن القنابل الكاملة الموجودة في جماجم الضحايا.

يُشار إلى أن عمليات المسح التي تمت مشاركتها مع منظمة العفو الدولية من قبل اختصاصيين طبيين في العراق تُظهر كيف اخترقت القنابل المسيلة للدموع جماجم المحتجين؛ مما تسبب في إصابات مروعة ومميتة وسط احتجاجات في بغداد في أواخر أكتوبر 2019.

وهناك نموذجان من القنابل اليدوية هما المسؤولان عن هذه الإصابات: 40 مم من طراز “إم 99 إس” الصربي، الذي تم تصنيعه بواسطة بلقان نوفوتيك، وقنابل يدوية 40 مم من نوع “إل في سي أس”، من المحتمل أن تصنعها الشركة البلغارية أرسنال، على عكس معظم القنابل الغازية المسيلة للدموع التي تستخدمها قوات الشرطة في جميع أنحاء العالم، إذ يتم تصميم هذين النوعين على غرار القنابل العسكرية الهجومية المصممة للقتال.

وقد وجد بحث أجرته منظمة العفو أنه نظرًا لوزنها وبنائها، فإنها أكثر خطورة على المحتجين.

ووفق تقرير المنظمة، فإن قنابل الغاز المسيل للدموع النموذجية التي يبلغ قطرها 37 ملم، تزنّ بين 25 و50 غراماً، وتتكون من علب أصغر تفصل وتنتشر في منطقة ما.

في المقابل، تتألف القنابل العسكرية الصربية والبلغارية التي يبلغ قطرها 40 ملم والموثقة في بغداد من سبيكة ثقيلة واحدة يتراوح وزنها بين 5 و10 أضعاف، وتزن 220 إلى 250 جرامًا.

وجميع الأسلحة الأقل فتكاً يمكن أن تقتل عندما تستخدم بشكل غير صحيح، ويجب عدم إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع مباشرة على الناس، ومع ذلك، فإن جميع الخبراء الذين قابلتهم منظمة العفو الدولية -بمن فيهم الخبراء العسكريون وأفراد الشرطة والأطباء واختصاصيو الطب الشرعي- يتفقون على أن عدد الوفيات والطبيعة المروعة للإصابات الناجمة عن إطلاق قذائف القنابل المسيلة للدموع الثقيلة التي يبلغ قطرها 40 مم غير مسبوق.

وأكد اختصاصي علم الأمراض الشرعي لمنظمة «العفو الدولية» أنهم «لم يروا مثل هذه الإصابات الشديدة من هذه القضية من قبل»، وأشار الخبير إلى أن «شدة الإصابة وزوايا الدخول تشير بقوة إلى أن القنابل أطلقت مباشرة على الضحايا بدلاً من الارتداد عن الأرض».

وأفاد عامل طبي في مستشفى قريب من ميدان التحرير أن المستشفى تلقى 6 إلى 7 إصابات في الرأس يوميًا منذ يوم الجمعة 25 أكتوبر، من بين هؤلاء، 5 كان لديهم مقذوفات أو علب معدنية نابتة في جماجمهم، وقال العامل الطبي: إنهم لم يروا مثل هذه الإصابات من قبل.

وقالت لين معلوف: «يمكن لأي سلاح أقل فتكًا مصمم للسيطرة على الحشود أن يكون مميتًا إذا تم نشره بشكل غير صحيح، لكن ما قمنا بتوثيقه باستخدام هذه القنابل اليدوية في بغداد يتجاوز بكثير سوء استخدام سلاح “أكثر أمانًا”، إن تصميم القنابل المستخدمة هو لتعظيم الإصابات المروعة والموت، يجب أن توقفهم قوات الشرطة العراقية من استخدامها على الفور، يجب أن يكون هناك تحقيق مستقل ونزيه في استخدامها وفي حالات القتل والإصابات غير القانونية أثناء الاحتجاجات».

 

___________________

المصدر: القدس العربي.

Exit mobile version