من المقرر أن يتم خلال الأيام القليلة المقبلة قمة رباعية تضم الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، إما في لندن، أو باريس، وربما في أنقرة؛ للتباحث حول الوضع في سورية، والإجراءات العسكرية التركية بالتعاون مع الجيش السوري الوطني الحر ضد المليشيات الكردية من حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يحاول إقامة دويلة مستقلة له بمناطق الجزيرة الفراتية التابعة لسورية -الجزيرة الفراتية تشمل أراضي في العراق وتركيا أيضاً إلى جانب سورية- وعزم الحكومة التركية تنفيذ خططها بإقامة منطقة آمنة للاجئين السوريين.
استياء أوروبي
يأتي هذا الاجتماع المحتمل قريباً جراء استياء الاتحاد الأوروبي من اتفاقية وقف إطلاق النار بمناطق شمال شرق سورية بعيد المباحثات التي أجراها نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس مع القيادة التركية، الخميس 17 أكتوبر، هذه الاتفاقية التي تنص على وقف إطلاق النار لمدة تصل إلى حوالي خمسة أيام (120 ساعة)، وانسحاب المليشيات الكردية إلى بُعْد يصل إلى حوالي 35 كلم عن المنطقة الآمنة المراد إنشاؤها، فالرئيس الفرنسي ماكرون ومعه رئيس المفوضية الأوروبية دونالد توسك أعلنا استياءهما لاستبعاد أنقرة وواشنطن الاتحاد الأوروبي من مباحثات أنقرة؛ لأن الأوروبيين والأتراك والأمريكيين أعضاء بحلف شمال الأطلسي (الناتو) إذ كان عليهم مشاورة شركائهم الأوروبيين قبل الموافقة على الاتفاق الذي تم بين الحكومة التركية والإدارة الأمريكية.
وكان الأوروبيون في مقدمة منتقدي الإجراءات العسكرية التركية ضد مليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي، الذراع العسكرية لمليشيات حزب العمال الكردستاني.
وانتقدت جامعة الدول العربية الإجراءات التركية خلال اجتماع استثنائي، فقد وصف الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط دخول الجيش التركي سورية بالاحتلال، إلا أنه لم يصف دخول الجيش الروسي والإيراني سورية لدعم النظام السوري بشار الأسد بقتل الشعب السوري بأنه احتلال.
أما انتقادات الأوروبيين فهو جراء مخاوف قديمة للأوروبيين من تركيا، فالحكومة الألمانية أعلنت تخفيض إرسالها معدات عسكرية إلى تركيا، بينما طالب بعض أعضاء البرلمان الألماني معاقبة الحكومة التركية اقتصادياً، مثل تهديد رئيس الإدارة الأمريكية دونالد ترمب، قبيل اتفاق وقف إطلاق النار، بضرب الاقتصاد التركي، وإعلانه معاقبة ثلاثة وزراء أتراك، فقد أعرب رئيس كتلة الأحزاب الشعبية بالبرلمان الأوروبي السياسي الألماني مانفريد فيبر عن رأيه وقف الأوروبيين مفاوضاتهم مع الأتراك من أجل حصولها على عضوية الاتحاد الأوروبي.
وبحسب رأي بعض خبراء السياسة الأوروبية والاقتصادية، فإن الأوروبيين قلقون من قوة تركيا السياسية والاقتصادية، فتركيا استطاعت تحقيق قوة اقتصادية وصناعية تضاهي بعض الدول الأوروبية، كما أن جراء دعم تركيا لـ”الربيع العربي” وكسبها تأييد السواد الأعظم من المسلمين لسياستها، يثير مخاوف الذين يرون بعودة الخلافة الإسلامية من جديد، ولذلك لا بدَّ من إفشال أي جهد هدفه توحيد العالم الإسلامي، ولا سيما إرساء السلام بمنطقة الشرق الأوسط.
والانتقادات التي صحبت العمل العسكري أسبابها كثيرة، ولعل أهمها تأييد الأكراد بدعم كبير من الأحزاب الأوروبية جراء إعلامهم القوي، فقد استطاع أعضاء بالبرلمان الألماني الاتحادي وأعضاء ببرلمان بعض الولايات الألمانية من أصول كردية كسب عاطفة زملائهم بالكتل النيابية التي ينتمون إليها، مثل أحزاب الخضر والتحالف اليساري والديمقراطي الاشتراكي والليبراليين وأيضاً الاتحاد المسيحي، فهم يطالبون من خلال إعلامهم تنفيذ بنود اتفاقيات “سايكس بيكو” التي يعود تاريخها إلى عام 1916 التي هي إقامة دويلة للأكراد بين سورية والعراق وتركيا وإيران وأذربيجان على مساحة تقرب من مليون كيلومتر مربع يُطلق عليها “كردستان الكبرى”.
ويعود سبب تأجيل تنفيذ قيام دولة للأكراد إلى رفض زعماء الأكراد في ذلك الوقت لذلك المشروع، فهم كانوا يرونه تهديداً للأكراد أنفسهم، وتهديداً لمنطقة بلاد الشام وتركيا والعراق؛ إذ ستتعرض إلى تقسيم خطير يجعلها تحت سيادة الاحتلال البريطاني والفرنسي وغيرهما.
وكتعاطف مع الأكراد، فقد أبدى رئيس كتلة الديمقراطيين الاشتراكيين بالبرلمان الألماني رولف موتسرنيش، الذي لا يزال ناطق هذه الكتلة لشؤون السياسة الخارجية، رأيه إلى صحيفة “فيلت أم زونتاج” -صحيفة العالم يوم أمس الأحد التي تصدر عن مجموعة “إكسيل شبرينجر” الإعلامية بوق الكيان الصهيوني في ألمانيا وأوروبا- تقديم شكوى دولية إلى محكمة الجزاء الدولية ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لحربه التي يشنها ضد المليشيات الكردية، مشيراً إلى أنه سيطالب البرلمان الألماني خلال جلسة مقبلة القيام بهذه المبادرة.
ورقة رابحة
وتبقى اتفاقية وقف إطلاق النار هشة، وانهيارها مسألة وقت قصير، فالولايات المتحدة الأمريكية التي سحبت بعص فرقها العسكرية من الشمال الشرقي لسورية إلا أنها باقية في سورية لتحقيق مصالحها؛ وبالتالي فلن تستغني عن أكراد حزب الاتحاد الديمقراطي الذي هم ورقة رابحة ليست بيد واشنطن فحسب، بل بيد موسكو أيضاً، فالجهتان ومعهما إيران يدعمون هذه المليشيات للضغط على تركيا وإجهاضها اقتصادياً وزعزعتها سياسياً وأمنياً.