الصعيد الأشد فقراً بمصر ينتفض.. فأي دلالة؟

خرج تلاميذ مدارس إعدادية وثانوية، الثلاثاء الماضي، من مدارسهم بعدد من محافظات الصعيد جنوب مصر في تظاهرات معارضة للنظام، عقب مقطع فيديو للمقاول والفنان محمد علي، يدعو بالتظاهر أثناء الخروج من المدارس، وهو ما دعا وزارة التعليم لتعميم تعليمات لإدارات المدارس بخروج الطلاب مبكراً عن الموعد الأصلي في ذلك اليوم.

وكان الصعيد هو الأسرع استجابة لدعوة سابقة من علي للتظاهر يوم الجمعة الماضية، حيث خرج متظاهرون في مدن بالصعيد وخصوصاً محافظة قنا والأقصر، في ظل تشديد وحصار أمني للمدن الكبرى كالقاهرة والجيزة والإسكندرية حال دون وقوع تظاهرات كبيرة بها.

يقول عوض، وهو تاجر صعيدي كان عضواً بالجماعة الإسلامية -المنتشرة بالصعيد- ولبث بالسجن بضع سنين قبل خروجه في إطار مصالحة بين نظام حسني مبارك وقيادات الجماعة، التي دخلت في صراع مع نظام مبارك قبل المصالحة: يمكن أن يركب الصعيدي حماره الوحيد دون بردعة -ما يوضع على ظهر الدابة لركوبها- لقلة ذات اليد، لكنه لا يمكن أن يعيش دون سلاح، بحسب قوله، وتظاهرات الصعايدة هي “إنذار قبل الانفجار”.

إجراءات عقابية

وفي منشور على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، كتب شاهد عيان من مواطني محافظة سوهاج، يحتم عليه عمله التنقل بين محافظات الصعيد الجنوبية الأربع: إن المدن التي شهدت انتفاضات جماهيرية خلال الجمعة الماضي، وخاصة مدينة قوص،  تحولت لثكنة عسكرية، وجرى ضرب حالة من حظر التجول بها دون إعلان رسمي، وأمر أصحاب المتاجر بغلقها مع دخول وقت الغروب، فضلاً عن التنكيل بعموم الناس هناك.

وتابع: إن عمليات الدهم للبيوت ظلت مستمرة بلا توقف طوال الأسبوع الماضي، بهدف اعتقال كل من يشتبه في اشتراكه في التظاهرات، وجرى اعتقال عدد كبير أغلبهم من الفتيان في سن المراهقة.

وبحسب الشاهد، تعرض شاب من مدينة قوص في السابعة عشرة من عمره للوفاة جراء التعذيب، ولم يتسن التأكد من صحة الواقعة في ظل حالة الرعب والتعتيم المفروضة على المدينة وأهلها.

وكما يجري بالقاهرة والمدن الكبرى من توقيف المواطنين في الشوارع وفحص تطبيقات التواصل الاجتماعي في هواتفهم المحمولة، حدث الأمر نفسه بمدن الصعيد التي شهدت تظاهرات مناوئة للنظام.

وشهدت هذه المدن -وفق الشاهد- تشديد التفتيش على السيارات وتوقيع غرامات مشددة على السائقين على أتفه المخالفات، وبات العديد من الإجراءات الشرطية الاعتيادية أداة لعقاب السكان، وحينما يحتج بعض الأهالي على هذه الممارسات الشرطية يقال لهم من قبل الضباط: إنه تطبيق للمثل القائل بأن “السيئة تعم”.

ورأى مراقبون في خروج الصعيد النادر للتظاهر مؤشراً على حالة الغليان التي يمكن أن تنفجر في وجه السلطة بشكل أعنف لاحقاً، إذ لم تتداركها بإجراءات سريعة تخفف من معاناة محافظات الصعيد الذين احتلوا المركز الأول في مؤشرات الفقر رغم وجود تنوع هائل للموارد يكفي لتوفير حياة أفضل.

ولم يلجأ الصعايدة للتظاهر إلا نادراً، إذ ظلت محافظات الصعيد تشكل بؤر توتر بسبب ما اعتبرها مراقبون مظالم اجتماعية واقتصادية.

وخلال ثورة يناير 2011 لم يخرج الصعايدة للتظاهر باستثناءات نادرة، فيما كانت العاصمة القاهرة ومحافظات الدلتا تمور بالاحتجاجات والاعتصامات، وهو نمط من الاحتجاج “لا يناسب طبيعة الصعيد التي تحل مشكالها بالعنف غالباً سواء بين قبائلها أو بينها وبين السلطة”.

أما خلال الانتفاضة الشعبية الاحتجاجية على مذبحة رابعة العدوية في أغسطس عام 2013م يومئذ خرج عدد من محافظات الصعيد عن سيطرة الدولة بالكامل مثل محافظات بني سويف والمنيا وعدد من مدن أسيوط وسوهاج وقنا، حينما احتل المتظاهرون الوحدات المحلية والإدارية الحكومية بهذه المحافظات، قبل أن تتدخل قيادات إخوانية لإخراج المتظاهرين منها بعد وعد من المجلس العسكري بمحاولة حل الأزمة السياسية.

وظل الصعيد على مدى عشرات السنين منفى إجبارياً لموظفي الحكومة، وبقي في ذيل خطط التنمية بمصر، ما جعل محافظاته هي أفقر أقاليم مصر، بحسب تقارير دولية ومحلية رسمية عن خريطة الفقر بمصر.

وقال بيان للبنك الدولي عن نسبة الفقر في مصر: إن هناك تباينات جغرافية مذهلة في معدلات الفقر، إذ تتراوح من 7% في محافظة بورسعيد شمال شرق مصر إلى 66% في بعض محافظات الصعيد.

السياسات الاقتصادية

وأوضح الكاتب الصحفي سيد أمين، وهو من أبناء قنا بصعيد مصر، أن السياسات الاقتصادية باتت شديدة الوطأة على أهل الصعيد، وأدت لزيادة نسب الفقر وقلة الوظائف وتدني الدخول.

وتابع سيد أمين بحديثه لـ”المجتمع” أن السلطة خلقت في كل قبيلة أو عائلة أو قرية قلة من المستفيدين من الفساد؛ ما جعل الغالبية الفقيرة تدخل في صدام داخلي مع كبار العائلات باعتبارها سلطة قريبة ومباشرة، وهو ما جعل البعض يؤجل غضبته ضد السلطة.

ولكن مؤخراً -يضيف أمين- فاق الأمر القدرة على التحمل، فكان من الضروري الغضب، الذي بدأ بالتظاهر ولا يستبعد أن ينتهي بالعنف، لو لم تحقق التظاهرات هدفها برفع المظالم.

Exit mobile version