تواصل نزيف الدماء في خامس أيام احتجاجات العراق

19 قتيلاً واعتداءات على مقار أحزاب سياسية وقنوات تلفزيونية.. فتح باب التفاوض مع المحتجين.. تواصل دعوات القوى السياسية لاستقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة.. وعود من البرلمان والحكومة من أجل التهدئة.. ردود فعل دولية مطالبة بوقف العنف ضد المحتجين.

كان هذا أبرز تطورات يوم أمس السبت خامس أيام الاحتجاجات الشعبية المناهضة للحكومة العراقية في العاصمة بغداد ومدن في جنوب ووسط البلاد.

استمرار نزيف الدماء

قال مصدر طبي، بحسب “الأناضول”: إن 19 شخصاً قتلوا خلال احتجاجات السبت؛ 11 منهم في بغداد، و6 في محافظة ذي قار (جنوب) واثنين في محافظة الديوانية (جنوب)، مبيناً أن القتلى سقطوا جراء إصابات بأسلحة نارية.

وأضاف المصدر أن عشرات آخرين أصيبوا بجروح تلقى معظمهم العلاج في المستشفيات وغادروها.

وقال محتجون في بغداد: إن القتلى متظاهرون أطلقت قوات الأمن النار عليهم.

وقال محتج في بغداد عرف عن نفسه باسم حامد عبدالغفور: إنهم سيواصلون التظاهر لحين تغيير الحكومة ومحاسبة الفاسدين.

واعتبر أنه “لا يمكن لحكومة تطلق النار على مواطنيها إجراء إصلاحات حقيقية تلبي مطالب الناس”.

وقبل ورود أعداد قتلى السبت، قالت مفوضية حقوق الإنسان (رسمية): إن عدد ضحايا الاحتجاجات بلغ 93 قتيلاً و3978 مصاباً، فضلاً عن اعتقال 567 متظاهراً، وبذلك يرتفع عدد قتلى الاحتجاجات، المتواصلة منذ مطلع الشهر الجاري، إلى 112 قتيلاً، بينهم عناصر من أجهزة الأمن.

ويتهم المتظاهرون قوات الأمن بإطلاق النار عليهم، فيما تنفي الأخيرة ذلك، وتقول: إن “قناصة مجهولين” يطلقون الرصاص على المحتجين وأفراد الأمن لإحداث فتنة.

عنف في الناصرية

مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، كانت مسرحاً لأحداث عنيفة السبت؛ حيث أضرم المحتجون الغاضبون النيران في مكاتب ومقرات أحزاب حاكمة فضلاً عن فصائل مسلحة في الحشد الشعبي مقربة من إيران.

وقال الملازم في شرطة طوارئ ذي قار محمد جميل: إن متظاهرين أضرموا النيران في مقار فصائل الحشد الشعبي (منظمة بدر بزعامة هادي العامري، وعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، وسرايا الخرساني بزعامة علي الأسدي).

وأوضح جميل أن “المتظاهرين أضرموا النيران أيضاً في مكاتب أحزاب الفضيلة (بزعامة عبدالحسين الموسوي)، والدعوة الإسلامية (بزعامة نوري المالكي)، وتيار الحكمة (بزعامة عمار الحكيم)، والحزب الشيوعي (بزعامة رائد فهمي)، ومكتب النائب عن حزب الدعوة خالد الأسدي”.

وجرت أعمال إحراق المكاتب والمقرات وسط إطلاق نار كثيف من قبل قوات الأمن ومسلحي بعض الفصائل المسلحة.

وقال أحد المتظاهرين في الناصرية ويدعى سمير الخالد: إن حرق مكاتب الأحزاب يأتي كرد فعل على إطلاق قوات الأمن النار على المتظاهرين.

ولفت إلى أن “18 متظاهراً لقوا حتفهم وأصيب 340 آخرون بجروح خلال الأيام الثلاثة الماضية في ذي قار بإطلاق النار من قبل قوات الأمن”.

هجمات على قنوات تلفزيونية

وقال مصدر أمني: إن “هجمات منسقة” طالت 3 قنوات تلفزيونية في العاصمة بغداد يومي الجمعة والسبت، فيما يبدو أنها محاولة للحيلولة دون تغطية الاحتجاجات في بغداد.

وأوضح أن مسلحين هاجموا السبت مكتبي قناتي “العربية” و”NRT” المملوكة لزعيم حزب حراك الجيل الجديد (كردي) شاسوار عبدالواحد الواقعين في منطقة الكرادة وسط بغداد؛ حيث ألحقوا أضراراً مادية بممتلكات المكتبين.

وأشار إلى أن هذين الهجومين يأتيان بعد يوم واحد من هجوم مماثل على مقر “قناة دجلة” الفضائية (خاصة) في منطقة الكرادة أيضاً، وإضرام النيران بالمقر بشكل كامل؛ ما تسبب بتوقف البث.

وذكر المصدر أنه “يُعتقد أن مسلحين من حركة النجباء يقفون وراء هذه الهجمات للحيلولة دون تغطية الاحتجاجات”.

فتح باب التفاوض مع المحتجين

فتح باب التفاوض لأول مرة مع المحتجين كان من أبرز تطورات السبت أيضاً.

إذ قالت خلية المتابعة في مكتب رئيس الوزراء العراقي: “نتواصل مع أطراف مؤثرة في الحراك الجماهيري في 6 محافظات”.

وأضافت الخلية أن “هناك اتفاقاً على تلبية المطالب المشروعة”.

إلا أن اثنين من الناشطين في تظاهرات بغداد قالا: إن المفاوضين مع الحكومة لا يمثلون المحتجين.

وقال الناشط في تظاهرات بغداد حسن سالم: “لا توجد أي جهة دينية أو علمانية أو حزبية ولا حتى تنسيقية تمثل مطالبنا”.

وأضاف سالم: “لا يمكن السماح لأي شخص في المتاجرة بالدماء التي سالت”، مشددًا: “مطالبنا واضحة.. ارحلوا”.

ولاحقاً، التقى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ممثلين عن المتظاهرين لبحث مطالبهم.

وكشف النائب أحمد الجبوري، في تغريدة عبر “تويتر”، مجريات اللقاء، قائلاً: “التقى الحلبوسي، ومعه 5 نواب، أكثر من 100 شاب (من ناشطي الاحتجاجات) في قاعة رقم (1) بمجلس النواب”.

وأضاف الجبوري: “طلب (الحلبوسي) منهم إنهاء المظاهرات.. فرفضوا ذلك وطالبوه بالاستقالة.. وحصلت فوضى في القاعة وخرجوا من المجلس”.

مساع للتهدئة

وفي مسعى لتهدئة الاحتجاجات، طالب الحلبوسي الحكومة بتحديد أسماء من أسماهم “حيتان الفساد” لمحاسبتهم.

وكان الحلبوسي يتحدث في مؤتمر صحفي من مبنى البرلمان، بعد أن فشل الأخير في عقد جلسة لمناقشة أزمة الاحتجاجات الراهنة؛ جراء مقاطعة كتل عديدة، من أبرزها كتلة “سائرون”، وهي أكبر كتلة برلمانية، وتحظى بدعم زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر.

ودعا الحلبوسي المحتجين إلى مواصلة المطالبة بحقوقهم المشروعة، لكن مع تجنب الاصطدام مع قوات الأمن، متعهداً في الوقت نفسه بالعمل مع الحكومة لإجراء إصلاحات.

وفي مسعى لتهدئة المحتجين، سرد الحلبوسي إجراءات سيتم اتخاذها لتحسين الأوضاع، منها إيقاف حملة إزالة المساكن العشوائية فوراً إلى أن تجد الدولة البدائل، وإعفاء جميع المزارعين من بدلات الإيجار مطلع العام القادم، وإيقاف استيراد المحاصيل التي يزرعها الفلاح العراقي، وإطلاق حملة توظيف، وتخصيص مبالغ إعانة اجتماعية للأسر الفقيرة.

كما تعهد بالنزول إلى الشارع والمشاركة في الاحتجاجات الشعبية حال لم تنفذ السلطات مطالب المتظاهرين.

وأكد، في حديث لوسائل إعلام ببغداد، استعداد البرلمان لـ”النظر في تعديل وزاري إذا طلب رئيس الوزراء (عادل عبدالمهدي) ذلك”.

في سياق متصل، عقد الرئيس العراقي برهم صالح اجتماعاً مع عبدالمهدي بمقر رئاسة الجمهورية. 

وحسب بيان للرئاسة، شدد صالح وعبد المهدي على حفظ سلامة المتظاهرين، ومحاسبة المتورطين في استخدام العنف.

وتم خلال اللقاء تأكيد “تلبية المطالب المشروعة للمتظاهرين، وتحقيق تطلعات شباب العراق بما يضمن لهم حياة حرة كريمة”.

إجراء انتخابات مبكرة

يأتي ذلك فيما تواصلت دعوات القوى السياسية باستقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة، إذ اعتبر رئيس الوزراء العراقي السابق، حيدر العبادي، أن “‏الحكومة فقدت الأهلية بإدارة الحكم”.

وطالب العبادي، في تغريدة عبر حسابه على “تويتر”، قيادات البلاد بتحديد تاريخ أولي لانتخابات مبكرة.

كذلك دعا أسامة النجيفي، زعيم تحالف “القرار السياسي”، حكومة عبدالمهدي، إلى الاستقالة وإجراء انتخابات مبكرة بإشراف دولي،

تجميد عمل البرلمان

وفي بيان، برر زعيم “القرار السياسي” (11 مقعداً في البرلمان العراقي من أصل 329 مقعداً)، دعوته بالقول: إن “إدارة الحكومة لأزمة الاحتجاجات فاشلة، ونزيف الدعم مستمر للشعب ولقوات الأمن، وقد تجاوزت الحكومة الخط الأحمر والسياقات المعمول بها في الحكومات السابقة”.

والجمعة، صدرت دعوات مماثلة من مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري الداعم لتحالف “سائرون”.

ردود فعل دولية

وتواصلت السبت، كذلك، ردود الفعل الدولية على الاحتجاجات في العراق.

إذ شددت بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي”، في بيان، على وجوب وقف أعمال العنف المرافقة للاحتجاجات الشعبية المتصاعدة في العراق ومحاسبة المسؤولين عنها.

وعبرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن قلقها إزاء تزايد المواجهات العنيفة بين المتظاهرين والقوى الأمنية في أنحاء العراق.

وقالت رئيسة بعثة اللجنة في العراق كاتارينا ريتز، عبر بيان: إن “اللجوء إلى استعمال القوة إنما هو تدبير استثنائي يجب أن يتناسب مع الوضع القائم”.

ودعت ريتز الجميع إلى “ضبط النفس”، مشددة على أنه “لا يجوز للقوى الأمنية استعمال الأسلحة النارية والذخيرة الحية إلا عند الضرورة القصوى، وبهدف الحماية من تهديد وشيك للحياة”.

فرنسا، من جانبها، دعت السلطات العراقية إلى التعامل بشكل متناسب مع الاحتجاجات، ومعالجة الظروف المحيطة بأعمال العنف التي تشهدها البلاد.

وقالت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيان: إنها “تدعم جهود الحكومة العراقية بشأن مساعي الاستقرار وإعادة البناء وتطوير الخدمات العامة لمصلحة الشعب العراقي، كما تحيي إرادة رئيس الوزراء (عادل عبدالمهدي) في الرد على المطالب المشروعة للشعب العراقي”.

فيما دعت الجامعة العربية الحكومة العراقية إلى تهدئة الأوضاع في البلاد، وفتح “حوار حقيقي” يزيل أسباب الاحتجاجات الدامية المتواصلة منذ مطلع الشهر الجاري.

وأعربت الجامعة، في بيان، عن “أسفها الشديد لسقوط ضحايا وجرحى في صفوف المتظاهرين وكذلك من قوات الأمن”؛ مؤكدة “الدعم الكامل للعراق في كل ما من شأنه إنهاء حالة التصعيد الحالية وإحلال السلم والاستقرار في البلاد”.

ويشهد العراق احتجاجات، منذ الثلاثاء الماضي، بدأت من العاصمة بغداد؛ للمطالبة بتحسين الخدمات العامة، وتوفير فرص عمل، ومحاربة الفساد، قبل أن تمتد إلى محافظات في الجنوب ذات أكثرية شيعية.

ورفع المتظاهرون سقف مطالبهم، وباتوا يطالبون باستقالة حكومة عبدالمهدي، إثر لجوء قوات الأمن للعنف لاحتواء الاحتجاجات؛ ما أوقع أكثر من 100 قتيل وآلاف الجرحى.

Exit mobile version