دورات الطاقة الأنثوية.. هل تصلح ما أفسده الفكر النسوي؟

لعل انتشار ظاهرة دورات التدريب على الأنوثة، وإقبال الفتيات والسيدات عليها، تثير أكثر من علامة استفهام؛ فمن ناحية تظل الأسئلة الملحة والمحورية: أليست الأنوثة أمراً فطر الله النساء عليه؟ فما الحاجة للحصول على دورات تدريبية عليه؟ هل هي وسيلة جديدة لاستغلال المشكلات النفسية والمجتمعية التي تعانيها النساء، ومن ثم وسيلة سريعة للربح وجني المال؟ هل ثمة فارق بين ما يقدم في دورات التدريب على الأنوثة، وما يتم طرحه في دورات التنمية البشرية عموماً؟ ما المستجدات الثقافية والمجتمعية التي أوصلت النساء للحاجة للحصول على دورات أنوثة متخصصة؟ وهل تستطيع تلك الدورات بالفعل الوصول بالمرأة لحالة السلام الداخلي النفسي العميق بعد أن تعيد إليها طاقة الأنوثة المشتتة؟

من الملاحظ أن المرأة تعاني في وقتنا الراهن من مشكلات نفسية معقدة، وضغوط حادة، ناتجة من أن هناك صراعاً -قد يصل لحد التناقض- بين عالمها الداخلي أو فطرتها الأنثوية التي تمثل البصمة الوراثية الأصلية، وتلك القيم النسوية التي تم فرضها عليها قسراً في برامج التعليم ووسائل الإعلام التي تدمغ المرأة التي ترفض تلك القيم بالخنوع والاستلاب، والتربية التي تتلقاها المتذبذبة بين القيم النسوية الجديدة والتقاليد والعادات التي قد تبتعد كثيراً عن القيم الدينية، ومن ثم تقع المرأة فريسة لهذا الصراع بين مشاعرها الفطرية الأنثوية الحقيقية، والطبيعة النفسية الجديدة التي يجب أن تتطابق مع الرجل، حتى تستطيع الحصول على المساواة الكاملة التي هي حجر الأساس في كل النظريات النسوية التي تنفي وجود أي اختلاف بين الجنسين، أو كما تقول “سيمون دي بوفوار”: “لا تُولد المرأة امرأة.. وإنّما تُصبح كذلك”! 

وعلى الرغم من كل الجهود النسوية حتى تصبح المرأة كالرجل، فإن المرأة لا تزال تشعر أنها امرأة، وعلى الرغم من كل الجهود التي تبذلها ويبذلها المجتمع لوأد هذه الأنوثة، لا تزال تستشعر بحدسها قوله تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى) (آل عمران: 36)، دون قدرة حقيقية على تنزيلها على الواقع.

طاقة الأنوثة

لو استعرنا مصطلحات مدربات الأنوثة؛ فهناك الكثير من النساء ترتفع طاقتهن الذكورية، بما فيها من حدة وعنف وندية وصلابة، بينما تتراجع لديهن طاقة الأنوثة، بما تحتويه من حنان وعطف وذكاء عاطفي ورقة وهدوء، وعلى الرغم من أن الكثيرات منهن يتحدثن عن اضطراب التربية كسبب أساسي لتراجع تلك الطاقة الأنثوية -وهو بالفعل أحد الأسباب- فإن السبب الرئيس هو استشراء الفكر النسوي الذي أثر بدوره على طرق التربية؛ فأصبحت الفتاة تنشأ على أنها مثلها مثل الصبي، وتعد بصورة مبكرة جداً حتى تنازله في ساحة الحياة، وأصبحت المنافسة والصراع والندية تمثل أبجديات العلاقات بين الجنسين.

تم الربط بين الأنوثة والضعف والنقص، فأخذت الفتاة تبتعد عنها، وتحاول اكتساب الصفات الذكورية؛ لأنها تمنحها القوة والكمال، ومن ثم انتشرت أفكار “الجندر”، وأفكار مثل أن الأمومة وظيفة اجتماعية وليست بيولوجية.. ونحو ذلك، لكن هذه الأفكار اصطدمت وبعنف مع طاقة الأنوثة الداخلية، ومن هنا نشأ الصراع الحاد الذي تعيشه كثير من النساء اليوم.

كثير من الفتيات اللاتي يذهبن للحصول على دورات الأنوثة هن فتيات على درجة كبيرة من الجمال الشكلي؛ فعلى الرغم من تراجع روح الأنوثة؛ وما ترتب على ذلك من مشكلات نفسية للنساء ومشكلات مجتمعية، أبرزها الانتشار الواسع للطلاق، فإن الاهتمام بالجمال الشكلي واصل نموه -ربما لتعويض الأنوثة النفسية- كما أن حصول النساء على دخل خاص مرتفع أدى لمزيد من الإنفاق على الاهتمام بالشكل الذي وصل بالبعض لإجراء عمليات جراحية تجميلية.

لا شك أن الجمال الشكلي جزء من الأنوثة؛ (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) (الزخرف: 18)، أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جَارِيَةً لَحَلَّيْتُهُ وَكَسَوْتُهُ حَتَّى أُنَفِّقَهُ” (رواه ابن ماجة).

والحجاب في التشريع إنما يكون عن عيون الرجال الأجانب؛ أي في المحيط العام، بينما ينبغي إتاحة كامل الفرصة للفتاة في مساحتها الخاصة أن تُنشَّأ على الزينة؛ حتى تنمو بداخلها روح الأنوثة، ولا شك أن لكل امرأة جمالاً من نوع خاص هي فقط بحاجة لمن يعزز لديها الثقة بهذا الجمال؛ لأن إحدى أهم المشكلات التي تواجه النساء اللاتي يلجأن لدورات التدريب على الأنوثة، أنهن يفتقدن هذه الثقة بالنفس، سواء من الكلمات السلبية التي يسمعنها من الأهل الذين يمتلكون نموذجاً ثابتاً للجمال يقارنون ابنتهم به، أو حتى الزوج الذي لا يعبر لزوجته عن إعجابه بها أو مشاعره نحوها، بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعبر ببساطة عن مشاعره لأم المؤمنين عائشة، ليس بينه وبينها فحسب، وإنما على الملأ، فلما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ النَّاسِ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قَالَ: “عَائِشَةُ”.

الأغلبية من النساء بحاجة لتعزيز الثقة من تلك الدائرة القريبة (الأهل والزوج)، ومن ثم؛ فإن غياب هذا التعزيز قد يدفعهن إما للتعامل بحدة وعصبية للتغطية على غياب هذه الثقة، وإنكار أنهن يواجهن مشكلة ما، أو طلب المساعدة من المعالج النفسي، خاصة في حالة الوصول لدرجة الأزمة، أو حضور دورات التنمية البشرية العامة، أو تلك التي تعنى بمشكلات الأنوثة تحديداً.

مضمون الدورات

معظم مدربات الأنوثة كن يعملن في الأساس كمدربات تنمية بشرية وإرشاد أسري وزواجي، ولمسن المعاناة النفسية التي تعانيها النساء، وذلك الصراع بين الداخل النفسي والسلوك، ومن ثم جاءت فكرة تقديم دورات متخصصة في الأنوثة، ولعلها أحدث الدورات التي تقدم في مجال التنمية البشرية؛ حيث إنها لم تنتشر في بلادنا إلا منذ نحو عامين تقريباً.

بدأت دورات التدريب على الأنوثة بأفكار، مثل: كيف تتقبلين نفسك وتحبينها؟ وكيف تجذبين شريك حياتك؟ ولا تخلو هذه الدورات من الحديث عن الدلال الأنثوي وكيفية تفعيله، ومن القضايا المطروحة بشدة في هذه الدورات الحديث عن الخيانة الزوجية، وكيف تتعامل معها المرأة؟ وفي فترة لاحقة حدث تطور في مضمون تلك الدورات، حتى استطاعت جذب عدد كبير من الفتيات غير المتزوجات؛ لأنها اهتمت أكثر بالتواصل مع الذات والإصغاء لها؛ بحيث أصبح محور هذه الدورات التصالح مع النفس، وخوض رحلة استشفاء ذاتي، واستعادة طاقة الأنوثة المشتتة أو حتى الموؤودة.

تخضع دورات التدريب على الأنوثة بشكل واضح لفكر المدربة، فهناك من تقدم دورات أنوثة قيادية أو “كاريزما” الأنوثة، وهناك من تقدم دورات سحر الأنوثة، أو كيف تصبحين أنثى حقيقية؟ 

وتحمل بعض دورات التدريب على الأنوثة فكراً محملاً بديانات باطنية؛ حيث الحديث عن الطاقة الحيوية، وكيف تستقبلين هذه الطاقة والشاكرات السبع؟ حتى إن بعض تدريبات الاسترخاء تكاد تكون حرفياً طقوساً لتلك الديانات يتم نقلها دون ذكر المصدر، وبعضهم يستعير مصطلحات تلك الديانات؛ كـ”الانطفاء”، أو “النيرفانا”، أو “الين واليانج”.. وغير ذلك.

ويربط بعضهم الآخر بين مبادئ علم النفس خاصة السلوكي، والقيم الإسلامية التي شرحت الكثير عن قيم الأنوثة والرجولة وأصول التعامل الصحيح بين الجنسين، وتهتم هذه الدورات بالذكر والدعاء والاستغفار والصلاة؛ للتخفيف من الضغوط التي تواجهها النساء، ومن الملاحظ تزايد عدد المدربات اللاتي ينتمين للمدرسة الإسلامية؛ سواء في مجال الإرشاد الزواجي، أو التدريب على الأنوثة.

فطرية الأنوثة

في الحقيقة، ليست المرأة بحاجة لدفع الكثير حتى تستعيد فطرتها الأنثوية، فيكفيها في هذا أن تنصت بصدق لذلك الصوت الداخلي الذي تشعر به وتتبعه.

صحيح أن هذا الصوت قد يكون مشوشاً بفعل هذا الضجيج النسوي الكثيف الذي يحيط بها، ويدعوها للتعامل بحدة وندية في ساحة الحياة، إلا أنه موجود لو صدقت النية فقط في المراجعة؛ فصوت الفطرة لا يمكن أبداً قتله.

كل ما يقال في هذه الدورات تستطيع المرأة سوية الفطرة أن تقوم به ببساطة ودون تكلف، ولكن بعض النساء تكون حقيقة بحاجة لمن يساعدها في ذلك، ولعل في المنتديات النسائية مادة أولية كافية للتدريب، وهناك الكتب والمحاضرات في عالم يميزه وفرة المعلومات، على أن حضور بعض هذه الدورات -خاصة الملتزمة بالمنهج الشرعي- أفاد الكثيرات.

والحاجة ماسة أن تقوم الجمعيات الإسلامية بتبني مثل هذه الدورات بأسعار رمزية؛ للوصول لقطاع أكبر من النساء المهمشات المحبطات المثقلات بضغوط الداخل والخارج، واللاتي بحاجة لمن يضيء لهن بعض المناطق المظلمة؛ سواء على مستوى الوعي بالذات، أو في العلاقات.

Exit mobile version