“الإسلاموفوبيا” بأمريكا.. تصاعدت فوحدت مسلميها

لا شك أن الخطاب المعادي للهجرة والإسلام الذي تبناه الرئيس دونالد ترمب، خلال حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2016، دفع المسلمين الأمريكيين إلى اتخاذ موقف سياسي أكثر وعياً وقوة.

ولا يزال الخطاب المناهض للأجانب والخوف من الإسلام الذي استخدمه الرئيس ترمب منذ اليوم الذي جلس فيه بالبيت الأبيض، يشكل عنصرًا من العناصر المهمة التي تشكل جدول أعمال البلاد.

ومن المؤكد أن السياسات التي تركز على العداوة للإسلام، والأجانب في البلاد، كانت كفيلة بدفع المسلمين لاتخاذ موقف أكثر وعياً من حيث قوتهم داخل المجتمع، وتمثيلهم في المجال السياسي.

ومن ثم كان هذا الوضع محفزًا للمسلمين الأمريكيين على تجديد هويتهم ووعيهم في المجتمع، كما أنه يفتح مجالات جديدة سيدافعون فيها عن حقوقهم.

حسنًا، ما الوضع الحالي للمسلمين في الولايات المتحدة؟ وكيف يمكننا قراءة المكاسب الناتجة عن هذه الضغوط؟

ماضي المسلمين بأمريكا

من أجل التقاط صورة عامة عن المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية، من الضروري أن نتطرق باختصار إلى تاريخهم على هذه الأراضي.

وفي هذا الصدد، يمكننا القول: إن تاريخ المسلمين في الولايات المتحدة يرجع إلى فترة تجارة الرقيق التي بدأت في أفريقيا، منتصف القرن السادس عشر، حتى إن بعض المؤرخين يزعمون أن نزيلًا مسلمًا كان على متن سفين كريستوفر كولومبوس، الذي اكتشف أمريكا.

وتشير التقديرات إلى أن حوالي 30% من 12.5 مليون من الأفارقة الذين اختطفوا عنوة من ونقلوا إلى أمريكا بواسطة السفن كعبيد، كانوا من المسلمين.

وكان “الرجل الأبيض” لا يعترف بشيء اسمه الحرية للعبيد، بما في ذلك حقهم في ممارسة العبادة الدينية؛ ما جعل قلة قليلة للغاية تحافظ على هويتها الدينية سرًا، غير أنه بعد هجرتهم وهروبهم للولايات الشمالية، بعد أن ألغيت العبودية، بدؤوا يتساءلون عن أصولهم.

الرعايا العثمانيون بالولايات المتحدة

وبصرف النظر عن العبيد المسلمين السود، فإن تدفق رعايا الدولة العثمانية على الولايات المتحدة حتى منتصف عشرينيات القرن الماضي، وخاصة من الشرق الأوسط، كان بمثابة موجة مهمة جعلت الوجود الإسلامي في أمريكا مرئيًا وملموسًا للمرة الأولى.

ومن المؤكد أن الذين هاجروا من لبنان وسورية الكبرى، رغم أن كثيرًا منهم كانوا مسيحيين، تمكنوا من إضافة الطبائع الإسلامية التي تتميز بها المناطق الجغرافية التي أتوا منها، إلى المجتمع الأمريكي.

ولقد استقر الرعايا العثمانيون في الجزء السفلي الجنوبي من جزيرة مانهاتن في نيويورك، المعروف اليوم باسم وول ستريت، حيث أقاموا قنصلية تركية فخرية، وشيدوا مسجدًا، وافتتحوا محالًا تجارية، حتى إنهم أنشؤوا حيًا يدعى “سورية الصغرى”.

ومن المعروف أنه بعد ستينيات القرن الماضي، كان هناك تدفق وهجرة ثالثة للمسلمين إلى أمريكا من دول جنوب شرق آسيا مثل باكستان والهند وبنجلاديش.

ولا شك أن الاحتياجات، والبحث عن الهوية التي ظهرت بعد موجة الهجرة هذه، شكلت الأسس الأولى للمنظمات الإسلامية النشطة حاليًا بأمريكا.

3.5 مليون مسلم

مركز “بيو” للدراسات (واشنطن)، أجرى دراسة عام 2017، أظهرت نتائجها أن هناك 3.5 مليون مسلم تقريبًا يعيشون بالولايات المتحدة؛ أي ما يعادل 1.1% من إجمالي السكان.

من هؤلاء، نحو 30% من الأفارقة، وثمة نسبة مماثلة يشكلها المسلمون المنحدرون من شبه القارة الهندية، باكستان والهند وبنجلاديش، والعرب يشكلون 25% منها، فيما تبلغ النسبة التي يشكلها مسلمو تركيا، والبلقان، وآسيا الوسطى 15%.

وإن كان المسلمين منتشرين في كافة الولايات الأمريكية جغرافيًا، إلا أن ولايتي نيوجيرسي، وميشيغان، هم أكثر ولايتين من حيث كثافة المسلمين.

8 ملايين عام 2050

في السياق ذاته، ذكر مركز “بيو”، في إطار توقعاته للمستقبل، أن أعداد المسلمين بالولايات المتحدة بحلول العام 2050 سيصبح 8.1 مليون، ليتخطوا بذلك اليهود، ويشكلوا بذلك ثاني أكبر أغلبية دينية بالبلاد بعد المسيحية.

ولا جرم أن المسلمين حاولوا الإبقاء على وجودهم داخل طبقات المجتمع في ظل ظاهرة العداء للأجانب التي زادت بشكل ملحوظ بعد هجمات سبتمبر 2001، كما أنهم في ظل ما واجهوه من ضغوط عملوا على الإبقاء على وجودهم أيضًا من خلال تأسيس مزيد من المنظمات والتشكيلات المدنية.

واليوم ، تبرز العديد من الجمعيات والمنظمات، مثل الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (ISNA)، والدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية (ICNA)، والجمعية الإسلامية الأمريكية (MAS)، ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR)، وكلها تمثل الإسلام السني السائد، وتؤكد وجودها من خلال أنشطة متعددة تقوم بها داخل المجتمع الإسلامي الأمريكي.

الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (ISNA):

تعتبر أول وأكبر كيان إسلامي يتم تأسيسه، باستثناء حركة “أمة الإسلام” التي تأسست في ثلاثينيات القرن الماضي.

وتعتبر “أمة الإسلام” إحدى المنظمات أو القوى الفاعلة في صفوف السود، وكان ظهورها بسبب ما يتعرض له الأمريكيون السود من عنصرية واضطهاد.

في عام 1963 تأسست الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية، ككيان جمع تحت لوائه جمعيات الطلاب المهاجرين والأجانب من أصول شرق أوسطية بشكل خاص، في كندا والولايات المتحدة، وكان أسمها آنذاك “جمعية الطلاب المسلمين” (MSA).

وبعد عام 1982 ضمت تحت لوائها بقية الفئات المهنية المسلمة، وواصلت طريقها تحت اسمها الحالي “الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية”.

ويقع مقرها في مدينة پلينفيلد، بولاية إنديانا، وتقوم سنويًا بتنظيم مؤتمرات كبيرة في عموم البلاد يشارك فيها عشرات الآلاف من المسلمين.

وحضر كل من بيرني ساندرز، وجوليون كاسترو، وهما مرشحان للانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، في المؤتمر الذي عقدته الجمعية بمدينة هيوستن، بولاية تكساس خلال الفترة من 31 أغسطس إلى 2 سبتمبر الماضيين.

ولقد فسرت هذه المشاركة على أنها “مغازلة للجالية الإسلامية بالولايات المتحدة”.

الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية (ICNA):

تم اعتمادها عام 1971م، وبدأت العمل الفعلي منذ عام 1968م، وهي القاعدة الشعبية الإسلامية الرسمية في أمريكا الشمالية.

تأسست من قبل المهاجرين من شبه القارة الهندية، وأكثر أعضائها الذين يمثلونها هم من أصول جنوب آسيوية، وفي المقام الأول من الجنسية الباكستانية والهندية.

ويقع مركزها بحي “كوينز” بنيويورك، حققت نجاحاً في التعليم والشباب والتمويل، والعام الماضي أعلنت إحدى المؤسسات الإغاثية التابعة لها في إقرارها الضريبي تحقيق دخل يقدر بـ18 مليون دولار.

وفي شهر أبريل من كل عام، تنظم الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية مؤتمرات كبيرة ذات مشاركات واسعة تزيد على أكثر من 20 ألف شخص، وذلك بالتعاون مع الجمعية الإسلامية الأمريكية (MAS).

الجمعية الإسلامية الأمريكية (MAS):

هي مؤسسة مدنية غير ربحية تأسست عام 1993م، وهي جمعية دعوية تعمل في مجالات الدعوة والتعليم والإعلام والشباب، وتضم نحو ألف عضو عامل، وأكثر من مائة ألف من الأنصار والمشاركين، وتنتشر من خلال نحو 60 فرعاً، في 35 ولاية، وثمة من يقول: إنها النسخة الأمريكية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر.

وكغيرها من الجمعيات تقوم هذه الجمعية سنويًا بتنظيم المؤتمرات، وتحديدًا في نهاية شهر ديسمبر من كل عام، وتشهد هذه المؤتمرات حضورًا يزيد على 20 ألف شخص، إذ تصبح هذه الفعاليات بمثابة نقطة تلاقٍ بين المسلمين في المجتمع الأمريكي.

منظمات الحقوق المدنية الإسلامية في تطور

في عام 2014، قررت حوالي 10 منظمات إسلامية، بينها الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية (İCNA)، والجمعية الإسلامية الأمريكية (MAS)، الاندماج تحت مظلة كيان واحد هو “المجلس الأمريكي للمنظمات الإسلامية” (USCMO)؛ وذلك لتوحيد نهج وجدول أعمال ورؤية مختلف الجاليات الإسلامية بالولايات المتحدة.

ويبلغ عدد أعضاء المجلس الأمريكي للمنظمات الإسلامية، اليوم، أكثر من 30، ويقوم بالعديد من الأنشطة في الولايات المتحدة أبريل من كل عام، من بينها “يوم الدفاع عن حقوق المسلمين-المسلمون في العاصمة”.

ويقوم هذه المجلس بتنظيم زيارات للناخبين المسلمين القادمين من كافة أنحاء الولايات المتحدة، ويلتقون النواب بالكونجرس، في محاولة منه لإظهار أن المسلمين في هذا البلد لديهم صوت وجدول أعمال على الساحة السياسية.

مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR):

بالإضافة إلى المنظمات الإسلامية السُّنية الرئيسة، فإن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR) يعتبر هو الآخر كياناً أكثر نشاطًا في مجال الحقوق المدنية بسبب ما يمارس ضد المسلمين من قمع وضغوط، وخاصة بعد هجمات 11 سبتمبر.

وهذا المجلس، يقوم باعتباره منظمة للحقوق المدنية الإسلامية، ببذل مزيد من الجهود من أجل حماية الحقوق الدستورية للمسلمين في جميع المجالات.

وثمة سياسات مختلفة مثل زيادة العنصرية البيضاء، وكره الأجانب بقدوم إدارة ترمب، وكذلك حظر السفر للولايات المتحدة على المسلمين، أجبرت المسلمين على اتخاذ تدابير مضادة، وأن تصبح أكثر وضوحاً ونشاطًا في الساحة السياسية.

لما فطن المسلمون في الولايات المتحدة أن ظاهرة “الإسلاموفوبيا” مع كل يوم يزداد تأثيرها على حياتهم، بدؤوا البحث عن سبل استخدام الإمكانيات والآليات السياسية بشكل أكثر مهارة.

ومن ثم بات المسلمون هناك على مشارف مرحلة سيضطرون خلالها إلى ممارسة دور أكثر نشاطًا في المجال السياسي.

ومن الجدير بالذكر أن المسلمين أجبروا قبل نحو 500 عام على الدخول لقارة أمريكا مسلسلة أعناقهم، فاستقر أحفادهم في هذه الأراضي كمهاجرين يحاولون التأكيد على أنهم جزء من هذا الوطن، ونسيجه.

 

___________________

المصدر: وكالة “الأناضول”.

Exit mobile version