خيارات أمريكا في أفغانستان صعبة.. ومضطرة للتفاوض مع “طالبان”

قوات الناتو تحقق في موقع تفجير أعلنته طالبان في كابول

– جميع الطرق في أفغانستان تؤدي إلى نتائج سيئة بالنسبة للولايات المتحدة التي لا تريد أن تترك وراءها دولة مفتتة ولكنها تخشى أيضًا من إنفاق المزيد من المليارات والمجازفة بحياة المزيد من القوات التابعة للولايات المتحدة على “حرب أبدية”

– الحكومة الأفغانية لا تشارك في المحادثات ما يعني أن إدارة ترمب تراهن على “طالبان” التي تواصل شن الهجمات المميتة على القوات الأمريكية وحلفائها

– القوات الأمريكية (14 ألفاً) بأفغانستان تمنع “طالبان” من احتلال أكثر من نصف البلاد ومن المؤكد أن الانسحاب المتسرع سيكون له عواقب ليست فقط سيئة ولكنها كارثية

– هناك مخاوف من أن “تنظيم الدولة الإسلامية” لن يشكل تهديداً لأفغانستان فحسب بل سيستخدمها أيضاً كنقطة انطلاق لشن هجمات عالمية وأن “طالبان” والحكومة المركزية لن تكون لديهم القدرة أو الطموح في إيقافها

– الولايات المتحدة تحاول الهروب من النزاع وتجري مفاوضات مع “طالبان” حول خطة لسحب القوات من أفغانستان

– على الجانب المدني لا توجد علامة واضحة على التقدم والحكومة تعتمد على المساعدات الخارجية وستبقى تعتمد عليها إلى أجل غير مسمى

 

بعد ما يقرب من 18 عامًا من الصراع في أفغانستان، أصبح الوضع مزريًا إلى درجة أن الولايات المتحدة تتفاوض على سحب قواتها من البلاد مع “طالبان” التي غزت أفغانستان أصلاً لتدميرها بعد هجمات 11 سبتمبر.

لقد كانت الحرب كارثة باهظة التكاليف بالنسبة للولايات المتحدة واستمرت لفترة طويلة لدرجة أنها أصبحت منسية على الجبهة الداخلية، وأثناء جلسة الاستماع في يوليو الماضي لم يُطرح سؤال واحد علي وزير الدفاع مارك إسبير حول أفغانستان، حتى مع استمرار قتل أفراد من القوات الأمريكية هناك.

وفي الوقت نفسه، اكتسب “تنظيم الدولة الإسلامية” موطئ قدم في أفغانستان وقتل مؤخرًا 80 في تفجير انتحاري في احتفال زفاف في كابول، عاصمة دولة تم تصنيفها في وقت سابق من هذا العام على أنها أخطر مكان في العالم من خلال مؤشر السلام العالمي.

في هذا السياق، تحاول الولايات المتحدة الهروب من النزاع وتجري حاليًا مفاوضات مع “طالبان” حول خطة لسحب القوات من أفغانستان.

ولكن في الوقت الذي تتقدم فيه محادثات السلام بين الدبلوماسيين الأمريكيين وحركة “طالبان”، لا تشارك الحكومة الأفغانية في المحادثات، مما يعني أن إدارة ترمب تراهن على “طالبان”، وهي جماعة تواصل شن هجمات وحشية ومميتة على الأمن الأفغاني، وقد اتهمت حركة “طالبان” في الأسابيع الأخيرة بشن هجمات انتحارية، ووضع قنبلة على جانب طريق أسفرت عن مقتل 35 من ركاب الحافلة وتفجيرات تدمر الأسواق ومراكز المدن.

“من الصعب للغاية الاختيار بين التفاوض مع حكومة أفغانية، يبدو أنها فاشلة في هذه المرحلة وطالبان”، كما قال أنتوني كوردسمان، رئيس مركز “Arleigh A. Burke” المتخصص في الدراسات الإستراتيجية والدولية، “على الجانب المدني، لا توجد علامة واضحة على التقدم، والحكومة تعتمد على المساعدات الخارجية وستبقى تعتمد عليها إلى أجل غير مسمى”.

والواقع أن جميع الطرق في أفغانستان تؤدي إلى نتائج سيئة بالنسبة للولايات المتحدة، التي لا تريد أن تترك وراءها دولة مفتتة وعنيفة، ولكنها تخشى أيضًا من إنفاق المليارات أكثر من ذلك والمخاطرة بحياة المزيد من قوات الولايات المتحدة فيما يُطلق عليه “حرب لا نهائية”.

قال الرئيس دونالد ترمب، يوم الثلاثاء، للصحفيين: “لقد كنا حفظة سلام هناك، على نحو ما، لمدة 19 عامًا، وفي مرحلة معينة يجب أن نقول: إن هذا قد طال بما فيه الكفاية”.

يقول معظم الأمريكيين، بمن فيهم غالبية المحاربين القدامى: إن الحرب في أفغانستان لم تكن تستحق القتال، وفقًا لمسح أجرته مؤسسة بيو للأبحاث مؤخراً.

ويوجد حوالي 14 ألف جندي أمريكي في أفغانستان لتدريب الجيش الذي لا يزال يكافح، فضلاً عن شن غارات موجهة ضد “طالبان”، ولكن ليس لدى الولايات المتحدة الكثير من الأشياء التي تحثها على البقاء في أفغانستان، رغم أن هذه القوات تمنع “طالبان” من كسب أكثر من نصف البلاد، ومن المؤكد أن الانسحاب المتسرع سيكون له عواقب كارثية.

وقال كوردسمان: هذا السلام قد ينتهي بتقسيم البلاد، وعليك أن تقلق بشأن تجزئة أفغانستان.

ويمكن أن يكون هذا نهاية للحكومة الأفغانية الحالية والمكاسب المحدودة للديمقراطية وحقوق المرأة والتعليم التي ترعاها الولايات المتحدة.

وقال مارك إف. كانكان، وهو عقيد متقاعد من مشاة البحرية الأمريكية ومستشار أول في مركز الدراسات الدولية الإستراتيجية (CSIS) وبرنامج الأمن الدولي: “يمكننا القول: إذا لم تقدم الولايات المتحدة الدعم المالي والقوة النارية، فسيتم الإطاحة بالحكومة الأفغانية”.  

تغيير المهام

تستمر الحرب في أفغانستان منذ ما يقرب من عقدين من الزمن –وقد كلفت مليارات الدولارات وأزهقت أرواح أكثر من 2400 أمريكي- وكما أوضح كانكون في تقرير لـمركز “CSIS”، فقد كانت مليئة بالمشكلات منذ البداية.

وقد أدى تجاهل الدروس المستفادة من الاتحاد السوفييتي، الذي وجد دخول أفغانستان عملية سهلة ولكن حكمها صعب، وعدم فهم الثقافة الأفغانية ودوافع “طالبان”، إلى تورط الغطرسة الأمريكية في غزو أدى “لحرب يمكن أن تستمر للأبد”.

وقد كانت الأهداف النهائية للتوغل في أفغانستان وهي القضاء على “القاعدة”، في البداية، ثم بناء الدولة، تفوق بكثير الموارد التي توقعت الولايات المتحدة أن تنفقها في الحرب.

“إن تحول أفغانستان الذي يتخيله أولئك الذين يدافعون عن بناء الأمة سيستغرق عقودًا، وربما حتى أجيال من الوجود العسكري الأمريكي”، كما يشير تقرير كانكون، مستشهداً بكوريا الجنوبية واليابان وألمانيا كمثالين على البلدان التي انتقلت من الاستبداد إلى الديمقراطية بمساعدة أدت إلي توريط الولايات المتحدة لعقود.

لكن أفغانستان ليست كوريا الجنوبية أو اليابان أو ألمانيا، إن لها تاريخها الخاص وتاريخاً مع الاحتلال، وإضافة إلى ذلك، فإن تضاريسها الصعبة وبنيتها القبلية وقيمها الثقافية والدينية والاجتماعية الخاصة، كل هذا لم يلتفت إليه عندما قررت الولايات المتحدة توريط نفسها في البلاد.

وكما قال ستيف كيليليا، مؤسس ورئيس المعهد التنفيذي للاقتصاد والسلام، لـ”Insider   Business”، في يونيو الماضي: إن القضية الحقيقية هي عدم القدرة على حل هذه الصراعات بمجرد أن تبدأ، إذا نظرنا إلى أفغانستان، فإن هذا يحدث منذ 18 عامًا.. ومن الصعب أن نرى حلولاً عملية سوى اتفاق سلام مع “طالبان”.

لكن مجرد أن تخطط الولايات المتحدة للانسحاب، لن ينهي الأزمة في أفغانستان، بل سيشكل أزمة أشد لآخرين.

فرصة لـ”تنظيم الدولة”

يحذر خبراء الأمن القومي من أن انسحاب الولايات المتحدة يفتح بابًا كبيرًا لـ”تنظيم الدولة الإسلامية”، الذي يقدر أن يتراوح عدد أفراده بين 2500 و4000 مقاتل في فرعه بأفغانستان، وهو معروف باسم إمارة خراسان، وهناك مخاوف من أنه لن يشكل تهديدًا لأفغانستان فحسب، بل سيستخدم أفغانستان أيضًا كنقطة انطلاق لشن هجمات عالمية، وأن “طالبان” والحكومة المركزية لن تكونا لديهما القدرة أو الطموح لإيقافه.

وقد قالت جينيفر كافاريلا، مديرة الأبحاث في معهد دراسة الحرب، أن الولايات المتحدة يجب أن تكون قلقة للغاية بشأن استخدام “داعش” لأفغانستان لشن هجمات على الغرب، وأن سحب القوات الأمريكية سيصعب تعطيل عملياته هناك، وبالتالي سيقدم له فرصة أكبر لمتابعة العمليات الخارجية.

من المؤكد أن “تنظيم الدولة” في أفغانستان يمثل تهديدًا خطيرًا، وبعد الانسحاب، من المحتمل أن تستمر الولايات المتحدة في إجراء بعض عمليات مكافحة الإرهاب المحدودة ولكن ليس بالقدر الذي سيكون ضروريًا لمنعه من توليد خلايا جديدة، ثم تضيف كافاريلا: إذا ركزنا فقط على الاستجابة للخلايا المهاجمة، فور تشكيلها، فإننا معرضون لخطر الإرهاق الشديد، والخطر هو أنه عاجلاً أم آجلاً ستبدأ الخلايا المهاجمة في العمل بحجم هائل.

وقد أصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش تحذيرات مماثلة في الأسابيع الأخيرة، قائلاً: إن “داعش” لا يزال لديه ما يصل إلى 300 مليون دولار بعد انهيار الخلافة المعلنة ذاتياً، مع عدم وجود مطالب مالية للسيطرة على الأراضي والسكان.

وذكرت وكالة “أسوشيتد برس” أن جوتيريش قال: إن أفغانستان قد تكون “أفضل منطقة صراع” من حيث جذب المقاتلين المتطرفين الأجانب من أنحاء المنطقة.

 

______________________

Business Insider

Exit mobile version