الأمانة الصحافية.. في مهب الريح

انشغل الناس في الكويت منذ شهرين بموضوع الخلية الإرهابية المصرية، التي جرى اكتشافها بالكويت حسب التصريحات الرسمية والإعلامية.

وتبين لنا بعد ذلك أن الأمن المصري كان قد طلب من الكويت عن طريق “الإنتربول” تسليم عدد من المصريين المطلوبين للقضاء المصري بأحكام نهائية، إلى هنا كانت الأمور طبيعية، وتحدث دائماً بين الدول التي ترتبط مع بعض باتفاقيات لتبادل المتهمين، لكن الأمر غير الطبيعي وغير المقبول أخلاقياً ومهنياً أن تستمر بعض الصحف المحترمة والعريقة في المهنة مثل “القبس” بطرح الموضوع بشكل شبه يومي على صفحاتها الأولى، واختلاق قصص وأحداث من الخيال وليس من مصادر مؤتمنة كما عودتنا، ومع حساسية الموضوع لارتباطه بالأمن الوطني إلا أن بعض هذه الصحف استمرت في مسلسل السرد اليومي لحلقات هذه القصة الخيالية!

ذكرت بعض هذه المصادر «المضروبة» أنه جرى استدعاء ثلاث شخصيات دينية كويتية للتحقيق معها في مدى ارتباطها بالخلية، وتبين لنا بعد ذلك أن الخبر غير صحيح! ثم ذكرت هذه المصادر أنه سيجري الكشف عن المتسترين على أفراد هذه الخلية، ومن سهّل لهم الدخول إلى البلاد بجوازات مزوّرة، ثم تبين لنا أنه لا يوجد متسترون ولا تسهيلات ولا هم يحزنون، وأنهم دخلوا بطريقة مشروعة وبجوازات وإقامات صحيحة، وبالأمس ذكرت هذه الصحف العريقة أن المتورطين أربعة كويتيين، ثم تبين لنا أن الخبر ملفّق وليس له مصدر صحيح، وآخر هذه الافتراءات ما ذكرته هذه الصحف من أن الخلية مرتبطة بثلاث جمعيات خيرية كويتية، مما استنفر تحرك بعض المهتمين بالعمل الخيري، وعندما جرى التواصل مع بعض الجهات الأمنية ذات العلاقة تبين أن الخبر ليس له أساس من الصحة!

الآن.. لماذا كل هذا الحماس لتوريط تيار معين داخل الكويت بالإرهاب؟ ما المصلحة من ضرب تيار وطني مسالم يمارس العمل السياسي وفق الأسس الديمقراطية المشروعة؟ لماذا تنتفي المصداقية وتتلاشى المهنية وتختفي الأمانة الصحافية عندما يتعلق الأمر بالخصومة السياسية؟

اليوم الحكومة متحمسة لإحالة الحسابات والمواقع الإلكترونية الوهمية إلى التحقيق بسبب إثارة البلبلة والأخبار الكاذبة بين الناس، وأعتقد أنه من الأولى إحالة بعض الصحف أيضاً إلى التحقيق لأن مثل هذه الأخبار الملفقة تثير الناس وقد تتسبب في توريط أبرياء!

مشاري العصيمي الذي عرفت

انتقل إلى رحمة الله تعالى إن شاء الله الأستاذ والنائب والزميل مشاري محمد العصيمي، وكنت قد زاملته وعاصرته ردحاً من الزمن أثناء مشاركتي له في أكثر من فصل تشريعي لمجلس الأمة.

كان غفر الله له خصماً سياسياً شرساً، وكان نداً للتيار الإسلامي داخل مجلس الأمة، لكن خصومته لم تكن فجوراً، ونديته لم تمنعه من أن يكون رجلاً مستقيماً في سلوكه وأخلاقه، مصلياً صائماً، ولم نعهد عليه فعلاً يخالف ما عرفناه عنه! كان لطيف المعشر، صادقاً مع نفسه في مواقفه، حاداً في طرحه، لكنه لم يقلل أدبه يوماً ما! رحمك الله يا أبا طارق، ما أكثر خصومنا اليوم، لكننا لا نجد فيهم من يتحلى بأخلاق الخصم الشريف الذي كنت تتميز به، غفر الله لنا ولك وجمعنا وإياك في مستقر رحمته!

 

_____________________________

يُنشر بالتزامن مع صحيفة “القبس” الكويتية.

Exit mobile version