أفرزت الثورة السورية واقعا جديدا، تضررت منه كل شرائح المجتمع خاصة التي عارضت النظام؛ حيث انقسم هؤلاء المعارضون والثوار إلى قسمين قسم استطاع المحافظة على بعض المناطق المحررة التي حاول أن يمارس فيها مظاهر حياته حسب ما توافر له من إمكانيات محدودة، وقسم هاجر إلى بعض الدول طلبا للنجاة بنفسه وأهله.
وقد انعكس هذا الوضع بالطبع على العملية التعليمية؛ وهو ما سنلقي الضوء عليه في المناطق المحررة وفي دول اللجوء فيما يلي..
أولاً: التعليم في المناطق المحررة:
بدأت العملية التعليمية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بمبادرات فردية لتعليم الأطفال في البيوت والمساجد. ثم تطورت هذه المبادرات بعد إنشاء منظمات محلية قامت بإعادة تأهيل بعض المدارس وافتتاح صفوف تعليمية.
اعتمدت العملية التعليمية عند انطلاقتها المنهاج السوري، وعانت من نقص الكوادر التعليمية ونقص الكتب، بالإضافة إلى تخوف الأهل من إرسال أطفالهم إلى المدارس بسبب القصف الجوي الذي تتعرض له المدارس.
تم تجاوز هذه العقبات بالمعلمين المتطوعين (وإن كان بعضهم غير مؤهل)، كما تم تصوير الكتب المدرسية والقيام بحملات التوعية لتشجيع الأهالي على إرسال أطفالهم إلى المدارس لمتابعة تعليمهم، وكثيرا ما استُخدمت الأقبية كمدارس لحماية الطلاب من شتى انواع القصف.
تطورت العملية التعليمية تطوراً ملحوظاً بعد إنشاء الإدارات المركزية للمناطق، وتأسيس المجالس المحلية ومن ثم مجالس المحافظات، التي حملت على عاتقها إدارة العملية التعليمية عبر مكاتبها التعليمية التي استحدثتها.
1 – أعداد الطلاب الملتحقين بالمدارس:
شكَّل التعليم الأساسي النسبة الأكبر لعدد الطلاب، حيث بلغت نسبتهم ما يقارب 55% من العدد الكلي للطلاب.
نبين في الجدول التالي أعداد الطلاب، وأعداد المعلمين، وأعداد المدارس، في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام:
وحسب تقديرات “فريق منسقو الاستجابة الإنسانية”، هناك أكثر من 1.7 مليون طفل بين عمر 5 و 17 سنة خارج المدرسة، وذلك نتيجةً لظروف الهجرة والنزوح، بالإضافة إلى تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية، حيث أن الكثير من العائلات لم تعد قادرةً على تحمل تكاليف العملية التعليمية من جهة، وبعضها الآخر اضطر إلى إرسال أطفالهم إلى سوق العمل لتأمين مصدر دخلٍ إضافي.
ومن الجدير بالذكر أنه في عام 2009، كان معدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية في سورية 93%،
كان لدور القصف الجوي الذي تتعرض له المدارس الأثر الكبير في حرمان الأطفال من التعليم، فخلال السنوات السابقة تعرضت المدارس في أنحاء المناطق المحررة إلى القصف الجوي، بلغت حوالي 4500 هجوما.
تفتقر حاليا العديد من المدارس إلى الخدمات الأساسية مثل الكهرباء، والماء والصرف الصحي، وإلى نقص شديد بالوسائل التعليمية واللوجستية، وبشكل عام فإن خسائر التعليم في سورية أوسع وأعمق أثراً من خسائر البنية التحتية، فالخسارة الحقيقية هي خسارة الكوادر التعليمية من خلال هجرة الكثير من المعلمين بسبب الظروف الأمنية في بعض المناطق و تعرضهم للخطر مع بقائهم على رأس عملهم. حيث فقد أكثر من 195 مدرساً وعاملاً تربوياً حياتهم، بالإضافة إلى أكثر من 109 مدرساً وعاملاً تربوياً تعرضوا للخطف.
وعلى الرغم من انتشار المدارس والمعاهد التعليمية في كافة مناطق الشمال السوري، إلا أنها ما زالت غير قادرةٍ على سد الثغرات الموجودة في عدة مناطق. وذلك نتيجةً لتوقف الدعم عنها. فبعد مضي 8 سنوات على النشاط التعليمي في المناطق المحررة، لازال هناك أكثر من 2000 مدرسٍ متطوع لا يتقاضون أي أجر.
ونشير هنا إلى إهمال المجتمع الدولي لأهمية التعليم. فالجدير بالذكر أن نسبة دعم التعليم في عام 2018 بلغت 2% فقط من نسبة الدعم الإنساني للسوريين.
كما تشهد المخيمات في الشمال السوري، ضعفاً شديداً في البنية التعليمية، فمن أصل أكثر من 1039 مخيم تحوي 778,638 نسمة منتشرة في مناطق شمال غرب سورية، لا يتجاوز عدد المدارس ضمن تلك المخيمات أكثر من 45 مدرسة معظمها لا تلبي الاحتياجات التعليمية.
2 – أعداد الطلاب في الجامعات:
تم افتتاح جامعة حلب في المناطق المحررة، وجامعة إدلب، وجامعة الشام العالمية وبعض الجامعات الخاصة، سجَّل في هذه الجامعات حوالي 25,000 طالب. ويعود قلة أعداد الطلاب إلى عدم وجود اعتراف رسمي بالشهادات الممنوحة من هذه الجامعات.
ثانياً: التعليم في دول اللجوء المجاورة:
أدَّت الجرائم التي ارتُكبت بحقِّ المدنيين السُّوريين، إلى هجرة ولجوء الملايين إلى الدول المجاورة، هرباً من الموت وللحفاظ على حياة ومستقبل أبنائهم. ويعدُّ التَّعليم من أهم المشاكل التي واجهت السُّوريين في دول اللجوء بعد لقمة العيش. فبالعلم وحده يُبنى مستقبل هؤلاء الأطفال والشَّباب، وبالعلم وحده سيبنون سوريا الحديثة إن شاء الله.
نعرض في الجدول التالي، الدراسة الإحصائية لأعداد الطُّلَّاب الملتحقين وغير الملتحقين بالمدارس.
1 – أسباب عدم التحاق الطلاب بالمدارس
بعد دراسة واقع الأسر السورية في دول اللجوء والأسباب التي تمنع التحاق الشباب السوري بالمدارس، لاحظنا وجود أسباب عامَّة مشتركة في جميع دول اللجوء، فحاجة الأسر المادِّية، تدفعهم إلى تشجيع أبنائهم على العمل عوضاً عن دفعهم إلى الذهاب للمدرسة. وقد نجد هذا مبرراً إذا علمنا أنَّ 85% من السُّوريين يعيشون تحت خطِّ الفقر. إضافة إلى عدم وجود برامج لاستيعاب متأخري ومنقطعي التسلسل التَّعليمي. وضخامة أعداد الطُّلَّاب السُّوريين الَّلاجئين في سن التَّعليم ( من 4 إلى 18 عاماَ ). وارتفاع كلفة التَّعليم العالي.
ففي تركيا، بلغ عدد اللاجئين السُّوريين 3,613,644 سوري، ويسكن 87,646 سوري في المخيَّمات.
نظَّمت الحكومة التُّركيَّة عمليَّة تعليم السُّوريين وحصرت العمل من خلال وزارة التَّربية التُّركيَّة، حيث خصَّصت 401 مدرسة (مدارس التَّعليم المؤقت) للسُّوريين موزعةً ضمن 81 ولايةٍ تركيَّة، ثم أوقفت هذه المدارس واتخذت وزارةُ التَّعليم التُّركيَّة قراراً بدمج الطُّلَّاب السُّوريين في المدارسِ التُّركيَّة، وقد علَّلت هذا القرار بما يلي:
حصول الطَّالب السُّوري على شهادةٍ ثانويَّة معترفٍ بها دُوليَّا، تخوله دخول أي جامعة في العالم.
ضرورة إتقان اللغة التُّركيَّة قبل دخول الطُّلَّاب إلى الجامعات التُّركيَّة.
لاقت هذه الخطَّة بعض الصُّعوبات والعقبات عند تنفيذها على أرض الواقعِ، وتسبَّبت بإشكالياتٍ لكثيرٍ من الطُّلَّاب السُّوريين يمكن تحديدها بما يلي:
الحاجز اللغوي الذي شكَّل عائقًا في التواصل مع المدرِّس التركي، وفهم المادة العلمية، إضافة الى صعوبات التواصل مع زملائهم الاتراك.
تخوفُ الأهلِ على مستقبلِ تعلمِ أبنائهم للغة الأم (اللغة العربية)، وتأثير ذلك على انتمائهم الوطني، فبالفعل نجد أن معظم الطلاب الذين يدرسون في المدارس التركية لا يتقنون الكتابة والقراءة باللغة العربية.
التَّعليمُ الجامعي والدِّراسات العليا في تركيا:
أمَّا في مجال التَّعليم العالي والدِّراسات العليا، فلا بدَّ من الإشارة إلى ما قدَّمه مجلسُ التَّعليم العالي (اليوك) للطلاب السُّوريين. فبالإضافة لاعترافه بالشَّهادة الثَّانويَّة الممنوحة من وزارة التَّربية والتَّعليم في الحكومة السُّوريَّة المؤقَّتة، وإقراره برنامج التدريس باللغة العربية، والموافقة على قبول تسجيل الطُّلَّاب المستجدين، فقد سمح مجلس التَّعليم العالي للطُّلاب السُّوريين الذين تركوا جامعاتهم بإتمام دراستهم في الجامعات التُّركيَّة.
يبلغ عدد السوريين الذين تقع أعمارهم ما بين 18- 24 عاما 450,378 شاب، نصفهم بحاجة إلى التعليم الجامعي. فإذا علمنا أن عدد الطُّلَّاب السُّوريين المسجَّلين في الجامعات التُّركيَّة للعام الدراسي 2019/2018 قرابة 22 ألف طالبٍ وطالبة، فإن نسبتهم حوالي 8% من عدد الطُّلَّاب المؤهلين لدخول الجامعات. ويلعب ضعف الحالة المادية للأسر وقلة المنح المقدمة للطلاب السوريين دوراً رئيساً في انخفاض أعدادهم.
يستضيف لبنان حاليا قرابة 1.1 مليون لاجئ سوري مسجَّلين رسمياً. ويوجد بينهم 490 ألف طفل تتراوح أعمارهم ما بين 3 و18 سنة. وفقا لمنظمة الأنروا في الأمم المتحدة.
وصل عدد الطُّلَّاب السُّوريين المسجَّلين في المدارس اللبنانية (وفقا لإحصائيات وزارة التربيةاللبنانية) 220 ألف طالب. أي أن عدد الأطفال السُّوريين غير المسجَّلين في المدارس حوالي 270 ألف طالب. لعب الاختلاف الثقافي والفكري وحتى اللغوي بين المنهاج السُّوري والمنهاج اللبناني الذي يعتمد اللغة الفرنسية ومصطلحاتها دوراً هاماً في انخفاض أعداد الطلاب. إضافةً الى شروط الإقامة المجحفة، وإصرار وزارة التَّربية اللبنانية على أن تكون وثائق الطُّلَّاب مصدَّقة من حكومة النِّظام.
وفقاً لإحصائيَّات منظمة اليونيسيف المعلنة ضمن مؤتمر دولي للتعليم، ووفق اجتماعات دورية قامت بمتابعتها المنظمة، فقد وصل عدد اللاجئين السُّوريين في الأردن إلى 600,000 سوري. يبلغ عدد من هم في سن التَّعليم حوالي 185,000 طفلاً. إلا أن عدد الطلاب المسجلين في المدارس لم يتجاوز 47,000 طالباً.
يدرس الطُّلَّاب السُّوريُّون اللاجئون في الأردن ضمن المخيَّمات التي يعيشون بها بشكلٍ أساسي، وفي المدارس بدوامٍ مسائي. تخضع جميع المدارس التي يدرس فيها السوريون لوزارة التَّربية الأردنية، من حيث الإدارة والمنهاج.
يعود انخفاض أعداد الطلاب الملتحقين بالمدارس إلى إصرار التَّربية الأردنية على أن تكون وثائقهم مصدقة أصولا من حكومة النِّظام السوري، وبسبب ضعف مستواهم التَّعليمي نتيجة الانقطاع عن الدِّراسة لمدَّة عامين دراسيين أو أكثر، كما أن القوانين الأردنيَّة لم تسمح بالتسجيل لمن تجاوزوا العمر المسموح به .