تمثل العودة للمدرسة تحدياً كبيراً لكثير من الأسر؛ فبعد الحرية المطلقة التي تمتع بها الطفل في عطلة الصيف الطويلة، يجد صعوبة كبيرة في التأقلم مع روتين الدراسة، خاصة في بداية العام.
من هنا كانت الحاجة ماسة لتدريب الطفل على حسن إدارة وقته، ومعاونته في ذلك؛ حتى تتحول الدراسة من التزامات وواجبات ثقيلة مملة إلى متعة وشغف حقيقي.
يتعلم الطفل من متابعة السلوك العملي للوالدين أضعاف ما يتعلمه من النصائح الكلامية، فإذا كان للوالدين قدرة جيدة على إدارة الوقت، فإن الطفل غالباً سيكتسب هذه المهارات بطريقة تلقائية عفوية، وستكون الإرشادات البسيطة كافية بالنسبة له، أما إن كان البيت يدار بطريقة فوضوية، فغالباً سيكون الطفل كذلك.
إذن الخطوة الأولى للنجاح معاً كأسرة، سواء على مستوى الدراسة أو الحياة، هي البدء الفعلي في تحسين مهارات إدارة الوقت والذات، حتى تكون نصائحنا متناغمة مع واقع السلوك العملي الذي نعيشه، والأمر ليس صعباً، ومن الممكن البدء بخطوات بسيطة، بشرط أن تكون على رأس أولويات إدارة الوقت؛ كالحفاظ على أداء الصلاة في وقتها مهما كان العمل الذي نقوم به، وتحديد موعد مناسب ومبكر للنوم، والاجتماع معاً لتناول وجبة الطعام الأساسية في وقت محدد، وتخصيص وقت للتحدث والحوار معاً كعائلة.
شغف البداية
على الرغم من الصعوبة التي تكتنف بداية العام الدراسي، فإنه يحمل لكثير من الأطفال شغف البدايات، فالأغلبية من الأطفال يتشوقون لبداية العام الدراسي، ولقاء الأصدقاء، وشراء مستلزمات الدراسة، لكن تلاميذ الصف الأول وبعض الأطفال الذين يعانون من الخجل أو الانطوائية يكونون بحاجة حقيقية للدعم والتشجيع، يمكن استثمار هذا الشغف لوضع خطة جديدة لإدارة الوقت بصورة مشتركة مع الطفل.
وعندما نتشارك مع الطفل لوضع خطة لإدارة وقته، فستكون الدراسة وأداء الواجبات على رأس الأولويات، ولا يعني ذلك أن تلتهم كل وقت الطالب، ولكن يعني أن نضع لها الأوقات المناسبة بالمقادير المناسبة، فمثلاً عند عودة الطفل من المدرسة بعد يوم دراسي كامل سيكون مرهقاً جسدياً وذهنياً، فليس من الحكمة أن نطالبه بالبدء الفوري في أداء واجباته، بل لا بد من منحه وقتاً كافياً للاغتسال وتناول الطعام والحصول على قيلولة صغيرة لمدة نصف ساعة مثلاً، ولا نتركه يحصل على دورة نوم كاملة؛ حتى لا يتسبب ذلك في سهره ليلاً؛ ومن ثم صعوبة استيقاظه وذهابه للمدرسة في الصباح.
كما لا بد من الحصول على فترة قصيرة للراحة تتخلل أوقات الدراسة، وهي تختلف من طفل لآخر، فيستطيع الطفل الأكبر سناً أن يدرس لمدة 45 أو 50 دقيقة، ويحصل على راحة لمدد تتراوح بين 10 و15 دقيقة، بينما الطفل الصغير والأطفال الذين يعانون من فرط الحركة يدرسون فقط لمدة 20 دقيقة، ويحصلون بعدها على استراحة لمدة 10 دقائق.
وعلينا أن نكون واقعيين في عدد الساعات المرصودة للدراسة، بحيث يبدأ الطالب بالأكثر أهمية وإلحاحاً، أو الأكثر صعوبة.
لعب وهوايات
يجب أن تتضمن خطة إدارة الوقت مساحة كافية للطفل لممارسة هواياته، وأيضاً للعب والمرح، ويمكن استغلال هذه المساحات من الوقت لتحفيز الطفل على الدراسة، بحيث يصبح الوقت الذي يقضيه في الدراسة ذا جودة عالية، فينتهي من أكبر قدر من الواجبات في أقل وقت وبكيفية ممتازة، وهذا يعلمه مبدأ مهماً من مبادئ الإدارة؛ وهو العمل بذكاء أكبر، وليس بجهد ووقت أكثر.
يبدأ وقت المرح منذ اللحظة التي نكتب فيها مع الطفل جدولاً وخطة للدراسة؛ فبينما نقوم معه بعمل غاية في الأهمية والجدية، نستطيع أن نجعله وقتاً للمرح أيضاً، بتلوين الجدول وإضفاء الرسومات الجذابة عليه وتعليقه بطريقة مميزة في غرفة الطفل.
لا ينبغي أن نرهق الطفل بكثير من الأنشطة والهوايات، خاصة في السن الصغيرة، بزعم أن هذا يرفع من قدراته، ولا أن نفرض عليه نشاطاً معيناً ونجبره عليه، ولا بد أن نكون واقعيين، ونمنح الطفل وقتاً مقنناً للعب على الأجهزة الذكية التي يحبها.
متعة التعلم
علينا أن نضع في خطة إدارة وقت الطفل مساحة نتشارك معه فيها، لا من أجل مساعدته على أداء واجباته الصعبة فحسب، ولكن من أجل تدريبه على متعة التعلم.
فنحن إذا استطعنا أن نمزج بين التعلم والدراسة واللعب في آن واحد، فإننا نحقق لطفلنا متعة التعلم التي تجعل من الدراسة شغفاً وهواية للطفل، ويمكننا البدء بإجراء تجارب العلوم أمامه أو مشاركته الفعلية فيها، ويمكننا قضاء عطلة نهاية الأسبوع في أحد الأماكن الأثرية التي درسها في التاريخ، ويمكن أن نجعله يلعب ألعاب جدول الضرب، كما يمكن أن نطلب منه إلقاء الأناشيد في التجمعات العائلية، أما قراءة القصص فهي البوابة الكبرى للمعرفة والمتعة في آن واحد.
ومن الأمور المهمة تعويد الطفل على مشاهدات الفيديوهات والأفلام الوثائقية القصيرة التي تعرض لمختلف العلوم بطريقة شيقة؛ فعندما يدرس البيئة الصحراوية، سنجد الكثير من الأفلام الممتعة الشيقة التي تتحدث عن حياة الصحراء، وعندها يدرك الطفل أن الأجهزة الذكية هي وسيلة للتعلم الممتع، وليست فقط للألعاب والترفيه، وكلما مزجنا التعلم باللعب؛ ازداد شغف الطفل بالدراسة وتلاشى الملل والضيق.
من الأمور بالغة الأهمية ونحن نخطط مع الطفل لإدارة وقته أن نضع وقتاً للجلوس والحوار معه، هذا الوقت هو وقت الأسرة، ولا يعني هذا بالطبع أننا لا نتحاور معه ولا نتجمع إلا في هذا الوقت المخصص؛ فعملية الحوار والتواصل هي عملية تتخلل الحياة الأسرية، لكن المقصود تخصيص وقت محدد للحوار الحر، ومناقشة كل فرد في يومه خاصة الطفل، وفي هذا الوقت يستطيع الطفل الحكي بشكل أكثر وضوحاً عما يضايقه خاصة في المدرسة، وما يواجهه من صعوبات في عملية التعلم نفسها، وفي هذا الوقت يمكن مناقشة خطط نهاية الأسبوع، وكيفية إدارتها، بحيث يُخصص جزء منها لصلة الأرحام، وجزء للتنزه، وآخر لممارسة الأنشطة التي لا يمكن ممارستها مع ازدحام الجدول الدراسي، ويفضل أن تخلو عطلة نهاية الأسبوع من الدراسة إلا في الحالات الطارئة؛ حتى يستطيع الطفل أن يبدأ الأسبوع الذي يليه وهو على درجة جيدة من النشاط والإيجابية، بعد أن يحصل على قدر من الاستمتاع واللهو.
إدارة ورعاية
أثناء تخطيطك لإدارة وقت طفلك أثناء الدراسة، ينبغي التفكير أن هذه الإدارة هي تنظيم لعملية الرعاية التي تقدمها لطفلك، ولا بد أن تكون شاملة؛ فلا يكفي أن نخطط لإدارة وقت الطفل من أجل التعلم، بل ينبغي التخطيط الجيد لإدارة كافة جوانب حياته الجسدية والنفسية؛ فعلى المستوى الجسدي يحقق الأطفال الأصحاء النشطون نجاحات أكبر في الحياة العلمية والعملية، وقد يبدأ الأمر بمجرد حصول الطفل على وجبة إفطار صحية ربما بعض تمرات وكوب من الحليب سيكون كافياً.
وعلى المستوى النفسي، لا بد أن يكون الهدف الواضح بالنسبة لنا أن إدارة وقت الطفل حتى يحقق أعلى مستوى يمكن أن يصل إليه ليست معركة تنافسية مع آخرين، فلا ينبغي الإسراف في استخدام المقارنات، وإذا أردنا أن نقارن الطفل فلا نقارنه بإخوته وأقاربه وزملائه، بل نقارنه بنفسه؛ فيكفي أنه يتطور ويرتقي عن أدائه السابق.
لذلك، ينبغي أن نبدأ العام الدراسي بهدوء وتدرج، حتى لو قمنا بعمل إعادة لإدارة وقت الطفل عن طريقة خطة تتطور كل شهر بعد تقييمها بمشاركة الطفل نفسه بالطبع، وهدفنا هو حصول الطفل على تعليم ممتع ومشوق، يستفيد منه حقاً، بعيداً عن متلازمة الضغوط والملل التي ترتبط بالحياة المدرسية.