اتهامات “أونروا”.. ظاهرها الشفافية وباطنها تصفية قضية فلسطين

يرى مراقبون أن توقيت تسريب تقرير حول وجود فساد في أروقة “وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين” (أونروا) ليس بريئاً، ويخدم رؤية إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، و”إسرائيل”، الساعية لإنهاء القضية الفلسطينية، وتنفيذ خطة التسوية المعروفة باسم “صفقة القرن”.

وبحسب المراقبين، فإن الإدارة الأمريكية تعمل بشكل متواصل على إنهاء ملف اللاجئين الفلسطينيين، وتسعى لإغلاق أبواب الوكالة الأممية، باعتبارها “الشاهد السياسي والدولي على قضيتهم”.

وقال تقرير سري، صادر عن مكتب الأخلاقيات في “أونروا”، الثلاثاء الماضي: إن أعضاء بالإدارة العليا للوكالة أساؤوا استغلال سلطتهم وسط ممارسات تشمل المحسوبية والتمييز وسوء السلوك الجنسي.

وتعرضت الوكالة إلى ضغوط شديدة، منذ أن أوقفت الإدارة الأمريكية، في سبتمبر 2018، كامل مساعدات بلادها المالية البالغة نحو 300 مليون دولار.

ولا تخفي واشنطن و”إسرائيل” رغبتهما في حلّ وكالة “أونروا”، ونقل صلاحياتها للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة.

وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد طالب، في يونيو 2017، بتفكيك وكالة “أونروا” ودمج أجزائها في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

وقال نتنياهو، آنذاك: إنه أبلغ السفيرة الأمريكية (السابقة) لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، أنه يجب النظر في استمرار عمل “الأونروا”، متهماً الوكالة بالتحريض ضد “إسرائيل” لأنها من خلال وجودها وأنشطتها تساهم في تخليد مشكلة اللاجئين.

أما الولايات المتحدة، التي كانت الداعم الأكبر لـ”أونروا”، فقد أوقفت كامل دعمها للوكالة، والبالغ نحو 300 مليون دولار، وهو ما تسبب بأزمة كبيرة للوكالة.

كما قالت وسائل إعلام أمريكية بارزة -مثل شبكة “سي إن إن”، وصحيفة “واشنطن بوست”- منتصف العام الماضي، نقلاً عن مصادر أمريكية، إن إدارة ترمب تريد تقليل أعداد الفلسطينيين الذين يعتبرون لاجئين، والتركيز على نحو 700 ألف فقط ممن هجّرتهم العصابات الصهيونية من منازلهم عام 1948-1949.

وعلّق مبعوث الولايات المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، على اتهامات الفساد، بقوله: نموذج “أونروا” مكسور وغير مستدام ويعتمد على عدد لا نهاية له من المستفيدين، الفلسطينيون المقيمون في مخيمات اللاجئين يستحقون أفضل بكثير.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي، وسام عفيفة، أن توقيت تسريب اتهامات الفساد، تشوبه الشبهات.

وقال عفيفة لوكالة “الأناضول”: لا شك أن هناك شبهات كثيرة حول وقت وآليات تسريب معلومات حول وجود فساد في “أونروا”، ولكن مما لا شك فيها أن هذا يخدم (الخطة الأمريكية المرتقبة) “صفقة القرن”، ومن أجل محاربة الوجود والحقوق الفلسطينية.

وأضاف: جاءت هذه المعلومات في ظل هجمة من جهات وأطراف، تقودها الولايات المتحدة، على الوكالة الأممية؛ لأنها الشاهد على اللجوء الفلسطيني، وبالتالي تؤثر على الكيان الوجودي لـ”إسرائيل”.

وتابع: ما حدث يأتي لإلغاء الإطار السياسي والأممي الذي يحمي حق الفلسطينيين.

وأردف عفيفة: أحد البنود الأساسية لـ”صفقة القرن” هي إلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهذا ما بدأ يحدث على أرض الواقع.

ورأى عفيفة أن تقويض عمل وكالة “أونروا” سيجعل الفلسطينيين يعيشون نكبة جديدة، وأوضاعاً مأساوية، خاصة وأن هناك عشرات آلاف الأسر تعتمد على مساعدات الوكالة بشكل شبه كامل.

واستدرك: أي جهة تقطع تمويلها عن “أونروا” بسبب الفساد، فإن قرارها مشبوه، وما يجب حدوثه هو إصلاح الخلل داخل الوكالة الأممية، فالشعب الفلسطيني بأكمله يجب ألا يكون الضحية.

وأوقفت كل من هولندا وسويسرا تمويلهما، لوكالة “أونروا”، الثلاثاء الماضي، في أعقاب نشر الاتهامات.

وحذّر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في بيان له الأربعاء، من وقف التمويل، قائلاً: إن الخاسر الأكبر جراء القرار هم مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين المشردين.

وأوضح المرصد، ومقره جنيف، أن الفساد لا يعالج بوقف التمويل بل بتعزيز آليات الشفافية والمراقبة والإشراف المباشر إن لزم الأمر.

بدوره، يتفق المحلل السياسي، تيسير محيسن، مع عفيفة، بأن نشر الاتهامات يهدف إلى “إنهاء القضية الفلسطينية”، عبر تصفية قضية اللاجئين.

وأضاف محيسن لوكالة “الأناضول”: تصفية القضية الفلسطينية يتم بتدمير المرتكزات التي تقوم عليها، و”أونروا” الشاهد القوي على نكبة الفلسطينيين، لذلك تسعى أطرافًا دولية لتدميرها، من خلال تسريب تقارير حول فساد فيها الذي يجب معالجته، وليس إنهاء العمل بسببه.

وتابع: الرمزية السياسية للوكالة تعبر عن بقاء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ولكن مع تولى دونالد ترمب، رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، سار في مسارات لإنهاء القضية الفلسطينية.

واستدرك: سابقاً استهدف ترمب المرتكز الأول للفلسطينيين، وهو إعلان القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، والآن استهدف الساق الأخرى للفلسطينيين، من خلال محاولة إنهاء وكالة “أونروا”.

وأشار محيسن إلى أن هناك عملاً متواصلاً من قبل إدارة ترمب، و”إسرائيل” لإغلاق “أونروا” مع حلول عام 2020.

وتابع: تريد الولايات المتحدة إغلاق “أونروا”، وتحويل تمويلها إلى هيئة دولية لمتابعة شؤون اللاجئين، من باب إنهاء القضية الفلسطينية، ومساواة اللاجئين الفلسطينيين، مع غيرهم من لاجئين حول العالم.

وأردف: “أونروا” تضيف طابع سياسي وقانوني لقضية الفلسطينيين، وهذا ما ترفضه جهات دولية، وتسعى لإبقاء مساعدات اللاجئين الفلسطينيين، في إطار الإنسانية فقط.

وأضاف محيسن: إذا لم يكن هناك موقف قوي، فإن الإدارة الأمريكية ستستطيع إقناع عدد أكبر من الدول بوقف تمويلها للوكالة الأممية.

وكانت حركة “حماس”، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، قد قالتا الخميس الماضي: إن توقيت إعلان الاتهامات الموجهة لوكالة “أونروا” ليس بريئاً، ويستهدف قضية اللاجئين الفلسطينيين.

وطالبت الحركتان، في بيانين منفصلين، بضرورة محاربة الفساد داخل الوكالة، دون استخدامه لتصفية وجود وكالة “أونروا”.

وتأسست “أونروا” بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، عام 1949، لتقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل لمشكلتهم.

وتقدم الوكالة حاليًا خدماتها لنحو 5.3 مليون لاجئ فلسطيني في مناطق عملياتها الخمس.

Exit mobile version