“صفقة القرن”.. التسريبات والسيناريوهات المتوقعة

– من معالم الصفقة اعتراف العالم أجمع بـ”إسرائيل” دولة قومية لليهود وبـ”الكيان الفلسطيني” دولة قومية للفلسطينيين 

– الصفقة تسعى لإخراج قضايا الحل النهائي من التسوية السلمية وحسمها لصالح معايير الاحتلال

 

 

بالرغم من أنه ليس بين أيدينا نصٌّ رسمي يُرجع إليه، فإنه من خلال متابعة التسريبات التي نُشرت عن طريق الأمريكيين أو المسؤولين العرب و»الإسرائيليين» أو بعض الشخصيات والمؤسسات القريبة من صُنَّاع القرار، يمكن أن نخرج بخلاصة تشير إلى أن أبرز معالم ما يسمى بـ«صفقة القرن» تتلخص في:
1- حكم ذاتي للفلسطينيين تحت السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة (يمكن أن يُسمى شكلياً دولة)، وبالتالي إسقاط مشروع الدولتين (وفق الحد الأدنى الفلسطيني)، وإغلاق الطريق أمام تحوّل السلطة الفلسطينية إلى دولة ذات سيادة؛ مع الإعلان عن «جزرة» هي إمكانية تطوير الحكم الذاتي بناءً على حُسن سلوك» الفلسطينيين!
2- إخراج قضايا الحل النهائي من التسوية السلمية، وحسمها لصالح المعايير الإسرائيلية، وأبرزها:
أ- بقاء القدس (بما في ذلك البلدة القديمة التي تحوي المسجد الأقصى) تحت السيادة الإسرائيلية؛ واصطناع «قدس جديدة» للفلسطينيين مركزها أبو ديس؛ وانسحاب إسرائيلي من بعض أحياء القدس.
ب- لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين، ويتم حلّ قضيتهم من خلال التوطين والتعويض.
جـ- بقاء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية (نحو 190 مستوطنة) وشرعنة البؤر الاستيطانية القائمة (نحو 100).
د- لا سيادة لـ»الدولة الفلسطينية» المقترحة (الحكم الذاتي/ الكانتون) على الأرض، ولا سيطرة لها على الحدود، ولا على مجالها الجوي، ولا على المياه.
هـ- لن يكون هناك انسحاب إسرائيلي إلى حدود ما قبل حرب يونيو 1967م، وستبقى السيادة الإسرائيلية على المستوطنات وما وراء الجدار العنصري العازل (نحو 12% من الضفة)؛ مع طروحات بأن تبقى السيادة على كافة مناطق «ج» في الضفة؛ أي 60% من مساحتها الكلية (تحت النقاش).
و- لن يكون للفلسطينيين جيش عسكري، وإنما قوة شرطة تحافظ على الأمن الداخلي.
3- اعتراف العالم أجمع بـ«إسرائيل» دولة قومية للشعب اليهودي، وبـ«الكيان الفلسطيني» دولة قومية للشعب الفلسطيني.
4- التركيز على «السلام الاقتصادي»، ومحاولة تقديم الصفقة في صورة عملية تنموية اقتصادية للفلسطينيين وللمنطقة.
5- التطبيع قبل التسوية: من خلال إيجاد موافقات من الدول العربية الرئيسة المعنية بالشأن الفلسطيني على الصفقة، بحيث يتم محاصرة الفلسطينيين وعزلهم، ونزع ورقة القوة العربية من أيديهم، باتجاه فرض التسوية عليهم.
6- حرف بوصلة الصراع: من خلال السعي لإنشاء تحالف إقليمي عربي – إسرائيلي ضدّ إيران من جهة؛ ويستهدف من جهة أخرى التيارات والقوى الإسلامية، وحركات وقوى التغيير والثورة في المنطقة، بما يضمن استقرار الأنظمة السياسية المتوافقة مع السياسة الأمريكية في المنطقة.
من ناحية أخرى، هناك نقاط ما تزال محلَّ نقاش، مثل:
– المساحة التي ستُسلم للفلسطينيين من الضفة الغربية، ووفق أي مراحل وشروط.
– الممر بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وطبيعته وإدارته.
– ما إذا كان ستتم عملية تبادل أراضٍ لتعويض الفلسطينيين عن الأراضي التي تقع عليها المستوطنات الإسرائيلية، أو لا ترغب قوات الاحتلال بالانسحاب منها، فهل سيكون التعويض من أرض فلسطين عام 1948م، أم من أرض سيناء (ما أُشيع عن إمكانية اقتطاع 720 كم2 من سيناء بين رفح والعريش، بحيث يتم تعويض مصر عنها بمساحة مماثلة من النقب في منطقة أم الفيران؛ وهو ما نفاه الجانب المصري)، أم أنه لن يكون هناك تعويض أساساً؟
– كيف سيتطور الشكل الانتقالي للكيان الفلسطيني الذي سيسمى «دولة»؟
– ما إذا كان هذا الكيان سينضم إلى كونفدرالية مع الأردن أم لا؟
– كيف سيتم إنهاء حكم «حماس» في قطاع غزة؟
– ما الأحياء التي يمكن أن تُضم إلى أبو ديس لتشكل عاصمة فلسطين (مثلاً الأحياء التالية أو بعضها: شعفاط، وجبل المكبر، والعيسوية، وبيت حنينا، ورأس خميس، وكفر عقب)؟
إدارة الصفقة
يلاحظ أن الإدارة الأمريكية سعت إلى إدارة الصفقة بشكل مختلف عن النمط التقليدي السابق لطرح مبادرات التسوية، ومن أبرز معالم ذلك:
1- إن روح الصفقة مبنية على فرض الإملاءات بدلاً من المفاوضات، وهي أقرب إلى محاولة فرض مسار من طرف واحد، أكثر منها وصولاً لاتفاق بين طرفين؛ وبالتالي فهي تُفقد كلمة التسوية معناها ومضمونها، ولذلك تسعى لحسم عدد من الجوانب الجوهرية على الأرض، من خلال وضع الثقل الأمريكي باتجاه محدد، ليدفع بعد ذلك الأطراف الدولية والعربية للقبول بالأمر الواقع، وجعل النزاع عليها أمراً من الماضي، وهو ما يفعله الطرف الأمريكي بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» ونقل سفارته إليها؛ وهو ما يقوم به هذه الأيام من محاولة لإغلاق ملف اللاجئين الفلسطينيين، كما ظهر في سعيه لإغلاق «الأونروا»، وفي ضغطه على الدول العربية لتوطين اللاجئين، وإلغاء صفة اللاجئ عنهم، وفي هذا السياق، يأتي ما ذكرته مجلة «فورين بوليسي» أن «جاريد كوشنير»، مستشار الرئيس الأمريكي «ترمب»، حاول الضغط على الأردن لإلغاء صفة اللاجئ عن مليوني فلسطيني يحملون الجوازات الأردنية.
2- عدم الإعلان عن الصفقة رسمياً، والمحافظة على قدر من الغموض والتأخير والتسريبات، لمتابعة الضغوط، وتحقيق قدر من التهيئة النفسية، ومحاولة إيجاد بيئات قبول مناسبة.
3- السعي لممارسة ضغوط قاسية على الطرف الفلسطيني من خلال محاولة عزله، ونزع ورقة القوة العربية من يده، واستخدامها للضغط عليه.
4- محاولة الحصول على قبول الأطراف على الخطوط الرئيسة للصفقة، قبل الإعلان الرسمي عنها، سعياً لقطع الطريق عن الاحتمال المبكر لفشلها وسقوطها.
5- إعطاء الصفقة نوعاً من المرونة، بحيث تبدأ من السقف الإسرائيلي الأعلى، ويتم التراجع أو التخفيف باتجاه الطرف الفلسطيني باعتبارها تنازلات، دون أن يصل ذلك إلى الحد الأدنى الذي تطرحه قيادة المنظمة والسلطة.
6- خلط الأوراق، من خلال التركيز على السلام الاقتصادي، أو مدخل غزة أولاً؛ بحجة تخفيف معاناة القطاع، والاستفادة من ذلك لإضعاف «حماس» وخط المقاومة، وكذلك للضغط على رئيس السلطة محمود عباس للإيحاء بإمكانية تجاوزه إذا لم يتجاوب مع الصفقة.
السيناريوهات المحتملة
الأول: فشل الصفقة: بناءً على أن الصفقة وفق ما تسرب عنها هي في جوهرها مشروع إسرائيلي، وهي لا تصل إلى الحد الأدنى الذي يقبل به أي طرف فلسطيني، بمن فيها الأطراف المؤيدة لمسار التسوية، وما دام لا يوجد طرف فلسطيني مؤهل للموافقة والحديث باسم الفلسطينيين، فلن تكون هناك تسوية أو صفقة، لأن الطرف المعني ليس جزءاً منها.
كما أن الطرف الفلسطيني من خلال وجوده على الأرض، ومن خلال مقاومته قادر على إفشال الصفقة، كما أفشل عشرات مشاريع التسوية طوال السبعين عاماً الماضية، وليس من المتوقع أن يتمكن أي طرف عربي من فرض إرادته على الشعب الفلسطيني، كما أن البيئة العربية نفسها غير متحمسة، وغير مؤهلة لإنفاذ الصفقة.
الثاني: تمرير الصفقة بعد تأهيل الحالة الفلسطينية والعربية والإسلامية لقبولها: ويعتمد ذلك على تسويق وتلميع الطرف الفلسطيني الملتزم بمسار التسوية، باعتباره صامداً ومحافظاً على الحقوق الفلسطينية، في الوقت الذي يتم فيه تخفيف عدد من النقاط التي تمّ تسريبها وإظهار تراجع الطرف الإسرائيلي والأمريكي عنها، وتقديم ذلك كانتصارات للطرف الفلسطيني والعربي، في الوقت الذي يتم فيه تمرير قضايا جوهرية عالقة أو تأجيلها، بحيث تكون المحصلة النهائية اتفاقاً جديداً بتنازلات جديدة، وخصوصاً في مواضيع القدس واللاجئين والسيادة على الأرض.
فمثلاً يتم تخفيف التشدد الإسرائيلي فيما يتعلق بمساحة السيطرة الفلسطينية في الضفة الغربية من 60% إلى 40%، أو 12%، أو حتى 6%، وتتم جدولة إعادة الانتشار الإسرائيلي بطريقة يُمكن تسويقها.
أو يتم توسيع دائرة النفوذ الفلسطيني في شرقي القدس، وإعطاء قدر من الإدارة المشتركة فيما يتعلق بالبلدة القديمة.
أو يتم الاكتفاء بالمستعمرات القائمة دون ضمّ البؤر الاستيطانية، أو تتم الموافقة على إعلان الدولة الفلسطينية في إطار زمني قريب، مع توفير بعض أشكال السيادة والاستقلال الاقتصادي، ورفع الحصار عن القطاع والموافقة على إنشاء الميناء والمطار، وتوفير ممر آمن بين الضفة والقطاع.. إلخ.
وقد يتضمن ذلك الدخول في كونفدرالية بين الدولة الفلسطينية والأردن.
ويجب وفق ذلك، أن تسلّم «حماس» قيادة السلطة في القطاع إلى حكومة رام الله (ما فوق الأرض وما تحت الأرض) التي ستسعى لنزع أسلحة المقاومة، وتوفير البيئة المناسبة لمسار التسوية.
الثالث: نجاح الصفقة وفق الشروط والمعايير الأمريكية المعروضة حالياً أو حسبما تسرب من الصفقة: على أساس متابعة الولايات المتحدة إصرارها على إنفاذ خطوط التسوية عملياً على الأرض، ومتابعة الضغط على الأنظمة العربية لإجبارها على دعم الصفقة، مع تهديدها بتركها إلى مصيرها في صراعاتها الإقليمية أو في نزاعاتها مع شعوبها، وعلى أساس تهديد عباس باستبداله، وتوفير زعامة فلسطينية جديدة تُوفر الغطاء اللازم فلسطينياً لمسار التسوية.

 

______________________________________________________________________________________________
(*) مأخوذ من تقرير لمركز الزيتونة بعنوان «تطورات صفقة القرن ومساراتها المحتملة».

Exit mobile version