مرسي.. ودولة الإخوان

لا أريد أن أتحدّث عن وفاة الرئيس محمد مرسي وكيفيتها؛ هل قُتل أم مات موتاً طبيعياً؟ هل مُنع عنه علاجه، كما صرّح بعض أقاربه، أم أنه كان محجوزاً بشكل انفرادي، وفي ظروف سيئة للغاية، ومن دون أي اعتبار لإنسانيته؟!

لا أريد أن أتحدّث عن مرسي الميت، فقد أفضى إلى ما قدَّم، وإن كان ظني الشخصي فيه أنه من الشهداء بإذن الله، لكنني سأتحدث عن أهم تهمة يرددها خصوم الإخوان المسلمين وخصومه، التي كانت بالنسبة إليهم مبرراً كافياً لإزاحته عن الحكم، ألا وهي أخونته للدولة! نعم، فقد كانت هذه هي التهمة الأولى والأخيرة التي رددها إعلام عكاشة، وأديب حتى صدقها الناس، وعلى أنغام هذه الأسطوانة استنبط “فطاحلة” السياسة الطارئون معلومة «فشل تجربة الإخوان في الحكم»!

إن أي منصف للتاريخ يدرك أن الرئيس محمد مرسي لم «يُؤخْون» الدولة المصرية خلال فترة حكمه القصيرة، بل إنني أعتقد أن غلطته الكبيرة -رحمه الله- أنه لم “يؤخون” الدولة؛ فمن المعروف في كل الديمقراطيات في العالم أن الحزب الذي يفوز مرشحه في الانتخابات الرئاسية، يُشكّل معظم حكومته من حزبه لتسهل له إدارة الدولة، وفقاً لبرنامجه الانتخابي الذي أعلنه للناس، الذي انتخبته الجماهير وفقاً لهذا البرنامج، وقد كان من سبقه من الرؤساء المصريين يشكّل معظم أعضاء حكومته من الحزب العربي الاشتراكي، ولم نسمع أحداً اعترض على هذا التشكيل!

ومع هذا جرى تشكيل أول وآخر حكومة من التكنوقراط المستقلين، واستمرت وزارتا الداخلية والدفاع بشخصيات لها ارتباط بالعهد السابق! وعندما عيّن الرئيس مرسي رؤساء الصحف كان ثلاثة منهم فقط من حزب الإخوان، والأغلبية من غيرهم، بل كان معظم هذه الأغلبية من خصوم الإخوان! واتضح هذا في تغطية كبرى الصحف المصرية للأحداث في الأشهر الأخيرة لحكمه! بل إننا شاهدنا انتقاد الرئيس لدرجة سخرية بعض الإعلاميين منه، بينما لم يكن أحدهم يستطيع أن يتلفّظ بكلمة واحدة تسيء إلى خصومه أيام حكمهم الذي امتد ستين عاماً!

أما المحافظون فكان عددهم 27، ولم يكن بينهم إلا 3 فقط من الحزب الحاكم، والبقية من غيرهم! لكن المشكلة أن كل من شوهد يرتاد المساجد أو يؤدي الصلاة في وقتها نسبوه إلى الإخوان، وهذه مشكلة خصومهم؛ ليس في مصر فحسب، بل في معظم دول العالم!

كيف لا، وقد نعتوا وزير الدفاع عند تعيينه بأنه من الجماعة؛ فقط لأن أحد أقاربه من قيادات الجماعة؟! ولعلنا نتذكر إحدى النساء التي تكرر ترشحها لعضوية مجلس الأمة هنا في الكويت عندما نعتت الرئيس الأمريكي أوباما بأنه من الإخوان! إن فترة حكم مرسي -غفر الله له- لأكبر دليل على نجاح تجربة حكم التيار الإسلامي، فمع قصر مدة هذه التجربة، فإن القريب من الأحداث في تلك الفترة يدرك جيداً كيف تغيّرت كثير من الأمور في أكبر الدول العربية، تغيّرت نحو الأفضل بشهادة المنصفين، شعر المواطن خلالها بالأمن والحرية في التعبير.

لقد حاول -رحمه الله- أن يجعل بلده يكتفي ذاتياً من القمح، ووضع الخطط لذلك، وبدأ بالخطوات العملية، وحاول أن يعالج مشكلة الكهرباء باستيراد مفاعلات نووية من روسيا واتفق معهم على ذلك، وحاول أن يصنع صواريخ بمدى أكثر من 2000 كلم كي يردع “إسرائيل” عن أن تهدد خصومها، كل ذلك كان سبباً كافياً لخصومه للعمل على إفشال مخططاته ومشاريعه، فاتجهوا إلى تهمة أخونة الدولة، وهي التهمة التي لو نفذها حقيقةً لما سقط نظامه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها!

 

______________________________

يُنشر بالتزامن مع صحيفة “القبس” الكويتية.

Exit mobile version