كشف وتعرية النازي الإثيوبي “إسكندر نغا”

ترددت شيئاً ما في اختياري للعنوان خاصة كلمة الصليبي التي قد يفهم منها البعض أنني أتهجم على الدين المسيحي، رغم أن المصطلح يفهمه المثقفون أنه لا يعني ذلك، فكما أن هناك فكر إسلامي متطرف يرتكز على فهم خاطئ لسماحة الدين الإسلامي فهناك أيضاً فكر صليبي متطرف، ونحن كمسلمين لا ننكر وجود ذلك الفكر الذي ينسب للإسلام الذي يتخذه البعض مطية للتهجم على الإسلام ورموزه ككل جملة وتفصيلاً، والحقيقة أن أكثر ما تضرر من الفكر الإسلامي المتطرف هم المسلمون قبل غيرهم، لذا فعلى الآخرين ممن ينسبون إلى الديانات السماوية الأخرى أيضاً تقبل أن هناك متطرفين وأفكاراً متطرفة تنسب إليهم، وبطبيعة الحال قد لا يمثل هؤلاء المتطرفون جميع النصارى، ولا أفكارهم تمثل جوهر وعقيدة الفكر المسيحي المتسامح.

وحقيقة في الوقت الذي قام فيه المسلمون في إثيوبيا أولاً بالتصالح فيما بينهم وجمع كلمتهم، وذلك بفضل جهود قياداتهم وكذلك القيادة السياسية متمثلة في شخص رئيس الوزراء نفسه، وثانياً تسامحهم مع إخوانهم المسيحين الذين يعتبرونهم شركاء في الوطن ومن أجل ذلك قاموا بإعادة تقييم تاريخهم وتجديده وبتتويج العقل سلطاناً على مواقفهم وسلوكهم، لكن في المقابل وبكل أسف نلاحظ استفحال ظاهرة تجديد الفكر الصليبي النازي المتخلف عند فئة لا يستهان بها في المجتمع الإثيوبي والدولة الإثيوبية، محاولين بذلك إعادة تكرار ذلك الفكر في أشكال أخرى أكثر تستراً وتخفياً، لكن مع نفس الغايات الأيديولوجية الاستكبارية الاستعلائية الإقصائية التي مارسها أباطرتهم لقرون على مسلمي إثيوبيا، وكانوا يشنون حملات عدوانية خلال كل تلك القرون.. سلسلة من حروب الإبادة والاضطهاد الديني والفكري تواصلت إلى وقت قريب إلى آخر إمبراطور وهو هيلاسلاسي، وكان أقل حدة من سابقيه وخاصة بعد عودته من منفاه بعد هزيمة إيطاليا وخروجها من إثيوبيا ربما لإدراكه أن سياسته التمييزية العنصرية ضد المسلمين ساهمت بشكل أو بآخر في فقدان عرشه لفترة وكاد أن يفقده بشكل كامل.

لا أريد أن أطيل في هذه المقدمة ولكنها ضرورية لأن البعض يريد أن ينكر التاريخ وحقائقه، بل ويريدون أن يتهموني بأنني أريد أن أخلق فجوة بين المسلمين والمسيحيين، وبالطبع هم مخطئون في اعتقادهم هذا، الحقيقة أنني أريد تبيان الحقيقة وتعرية ذلك الفكر الخطير الذي يشكل خطراً على تماسك النسيج المجتمعي الإثيوبي، وبالعودة إلى موضوع حديثي ألا وهو المدعو إسكندر نغا، الذي أشعل بتصريحاته غير المسؤولة عن المسلمين فتيل أزمة قد تتطور ويكون لها ما بعدها إن لم يتم تداركها، وتراجعه عن تلك التصريحات.

من هو إسكندر نغا؟ وماذا يريد؟

لا أريد هنا سرد سيرة الرجل وتاريخه ولا يعنيني ذلك، لكن أريد أن أوضح للقراء من خلال هذه السطور بعض أفكاره التي تجلت لنا من بعض كتاباته والبغضاء التي بدت من فمه وتصريحاته وما يخفي صدره أعظم وأكبر، ولكن لمن لا يعرفه فهو صحفي وكاتب إثيوبي يدعي أنه ناشط في مجال حقوق الإنسان، تلك الحقوق الإنسانية التي تتبرأ منه وهو بعيد عنها كل البعد، عوضاً أن يكون منافحاً ومدافعاً عنها، وقد سجن بضع سنين من قبل النظام لبعض آرائه ومواقفه السياسية المتطرفة، فالرجل ليس سوى شخص طامح للسلطة، وأدواته في ذلك تهدم كل المبادئ والقيم الإنسانية التي يدعيها، فهو يسعى للوصول إليها بأي طريقة وبأي ثمن حتى ولو بإراقة الدماء وسفكها وإبادة شعب بأكمله، وهذا ما سوف أوضحه مستدلاً بكتاباته ومواقفه التي أعلن عنها هو بنفسه.

كلنا نذكر تصريحاته الغبية والعنجهية قبل أشهر حين أعلن نفسه حكومة ظل ونصب نفسه عمدة للعاصمة، وكأن البلد فوضى لا أصحاب لها، وتسببت تلك التصريحات برد فعل رسمي وشعبي يدينه وتصريحاته، واستدعت تدخل رئيس الوزراء أبي أحمد نفسه للرد عليها والتحذير منها، بلهجة شديدة وقوية متجاهلاً ذكر اسمه وهو موفق في ذلك؛ لأنه أقل شأنا من أن يذكره بالاسم، فقال: “هناك من يسعى كي يعود إلى السجن ليكون بطلاً ونحن لن نمنحه تلك الفرصة”، لا ننكر أن الرجل له اتباع ومعجبون متأثرون بأفكاره ربما لعدم إدراكهم لخطورتها على الوطن وعلى التعايش السلمي في المجتمع الإثيوبي بكل أطيافه ومزيجه العرقي والقبلي والديني، لم يتوقف ذلك النوع من التصريحات العنجهية الاستعلائية وكان آخرها تصريحاته عن المسلمين واعتبارهم أقلية وقوله بالحرف الواحد: “المسلمون الذين يعيشون في إثيوبيا”، ولم يقل المسلمين الإثيوبيين، والفرق والمغزى واضح بين التعبيرين، وكأنه يعتبر المسلمين مواطنين من الدرجة الثانية، محاولاً تأكيد أن إثيوبيا دولة مسيحية أو جزيرة مسيحية في محيط إسلامي، لا أريد أن أدخل في خضم الحديث عن الأرقام والإحصائيات الرسمية بالرغم من أنها لا تشير إلى ذلك (أي أن المسلمين أقلية)، وبالطبع أيضاً لا تعكس الحقيقة على أرض الواقع فهي إحصائيات سياسية بامتياز، ووضعت وتم التلاعب بها لأغراض سياسية بحتة، إسكندر نغا يريد حتى أن يقفز على تلك الإحصائيات الرسمية ويريد تهميش والتقليل من شأن ودور المسلمين في بلدهم إثيوبيا، وإن دل على شيء هذا الموقف المتجاهل للحقائق فإنما يدل على ما يضمره الرجل من حقد دفين متأصل في نفسه يريد أن ينفثه ويزرعه في عقول مريديه وأتباعه، وهو بذلك يريد إشعال فتنة دينية يصعب إطفاؤها واحتواؤها.

الفكر النازي متأصل ومتجذر في أفكار الرجل وهو يرتكز عليه وينطلق من مبادئه للوصول إلى أهدافه الخبيثة، فهو مثلاً في إحدى كتاباته يمجد النازية ويبرر للألمان إبادتهم لليهود بل ويراها ضرورية، فهو يقول حرفياً في إحدى كتاباته المنشورة في صحيفة “إسكوال” التي تترأس تحريرها زوجته: “الشعب الألماني العظيم قام بإصرار ليتخلص من ذلك الشعب السم وعلم أنهم سرطان خبيث في مجتمعهم، وأصر على ألا يمهل اليهود دقيقة واحدة وباشر عملياً في التخلص منهم”، واضح من هذه العبارات الفكر النازي المتجذر في داخله، وواضح كيف يبرر لهم تلك الجرائم، وواضح تأييده لتلك الإبادة التاريخية التي جرمها العالم.

ويواصل في نفس المقال: “فقد اليهود سيطرتهم وسطوتهم الاقتصادية بفضل نضال الألمان كما هدمت وأحرقت دور عباداتهم وكنائسهم بفضل ذلك النضال، وهذا الإنجاز يسجل للشعب الألماني العظيم”، لا يخفى على ذي عقل من هذه الكتابات نازية هذا الرجل وعنصريته، فهو حتى يؤيد استباحة دور العبادة وكذلك استباحة دماء اليهود وتبرير إراقتها، ليس هذا فقط بل يزيد ويقول تعظيماً للنازيين الألمان: “سطر الألمان بطولاتهم وقاموا بالمعجزات في سبيل ما آمنوا به، ولهم الحق في فعل ما آمنوا به”، ويعتبر ذلك ضرورة ويقول: “الشعب الألماني جعل مشاركته ومساهمته في إبادة الشعوب الأوروبية الأخرى ضرورة ملحة”.

وهنا لا يشير إلى اليهود بل إلى الشعوب الأوربية الأخرى التي غزاها النازيون وعبثوا بدمائها، يظهر هنا جلياً دناءة هذا الرجل وفكره البالي الذي تبرأ منه الألمان أنفسهم، ويختم مقاله مقرراً: “أنه شئنا أم أبينا أن الشعب لا بد أن يمارس تلك الإبادة”، ويختم قائلاً: “إن إبادة أي شعب سرطاني خبيث وإزالته من الوجود ضرورة ملحة”، وذلك حسب رأيه النابع من فكره الضيق، السبب هو الحفاظ على سيادة وكيان الدولة، ولذلك لا بد من الإبادة لأي شعب يقف ضد كيان وسيادة الدولة.

هذا الاستحضار لجرائم النازيين ومحاولة تبريرها لم يأت من فراغ، فكما قيل “كل إناء بما فيه ينطح”، فهو يحاول أن يسقط هذه التجربة على إثيوبيا، ومن تصريحاته العنصرية المقيتة التي تدل على توجهه هذا، تصريحه في إحدى مقالاته المنشورة في إحدى الصحف: أن الأروميين جميعاً لا يساوون منلك بمفرده وإن منلك أكبر وأعظم منهم مجتمعين، محاولاً بكل دناءة وخسة تبرير وتمجيد جرائمه ضد الأروميين والمسلمين على حد سواء.

وفي الختام، نشهد الله أننا كمسلمين إثيوبيين لسنا ضد أي دين أو طائفة، فنحن نؤمن بحرية الفكر والمعتقد ونعتقد ونؤمن بالتعايش السلمي في وطن يجمع ويسع الجميع، وندين بأشد العبارات قولاً وعملاً جميع أنواع التعصب والتطرف الديني والعرقي، وإيماننا راسخ في هذا الجانب، ونؤمن بأن الفكر المسيحي بريء من هذا الفكر المقيت الذي يمثله إسكندر وأتباعه، ونؤمن بأن النصارى هم أقرب الديانات إلينا ونتعبد بتلاوة قوله تعالى في كتابه، (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ {82}‏ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ {83}) (المائدة).

كما أننا لسنا نحن فقط كمسلمين من يدين هذه الظاهرة بل يدينها معنا وقبلنا شرفاء المفكرين المسيحيين أنفسهم حتى حين شعروا بما شعرنا به من تحالفات مشبوهة بين متطرفين مسيحيين ومتعصبين سياسيين من أقصى اليمين المتطرف للنيل منا ومن كرامة المسلمين وقفوا إلى جانبنا وأدانوا تلك التصريحات، حتى إن القنوات ووسائل الإعلام التي نقلت تصريحاته اعتذرت علناً لنقلها تلك التصريحات الشائنة بحق المسلمين في إثيوبيا.

فيما المدعو إسكندر لم يعتذر وحتى لم يبرر أو يوضح المغزى من تلك التصريحات، إن هذا الحقد اللئيم المقيت ليس من نسيج خيالات عقولنا، بل الواقع المحسوس، كما ذكرنا، ويدل على ذلك تصريحات بعض زعماء هذا الفكر المريض الرجعي النازي الاستئصالي وعلى رأسهم النازي الصليبي إسكندر نغا.

(*) كاتب إثيوبي.

Exit mobile version