ما الذي تفعله روسيا في الشرق الأوسط؟

هذا الكتاب:

في هذا الكتاب، يحاول المحلل البارز في الشؤون الروسية مدير مركز كارينجي موسكو، «ديمتري ترينين»، الخوض في غموض سياسي حول دور روسيا في منطقة الشرق الأوسط لتقديم تحليل واضح ودقيق لتدخل روسيا فيه وتداعياته الإقليمية والعالمية، ويرى المؤلف أن روسيا لا تستطيع أن تحل محل الولايات المتحدة كقوة خارجية بارزة في المنطقة، بيد أن أعمالها تسرع من التغييرات التي ستعيد تشكيل النظام الدولي بشكل جوهري خلال العقدين المقبلين.

ويطرح المؤلف العديد من الأسئلة، التي يحاول الإجابة عنها في الكتاب، ومن أبرز هذه التساؤلات:

محتويات الكتاب:

يحتوي الكتاب على أربعة فصول، هي:

– الفصل الأول: التاريخ.

– الفصل الثاني: الحرب.

– الفصل الثالث: الدبلوماسية.

– الفصل الرابع: التجارة.

نقطة مفصلية

يتناول المؤلف في هذا الكتاب الحرب السورية، وعلاقات روسيا مع الدول الأخرى في المنطقة على مستويات مختلفة، ويقدّم الكتاب تلميحات بسيطة وسطحية حول انخراط روسيا في شؤون الشرق الأوسط.

ويشير المؤلف إلى أن الحرب السورية تعد نقطة مفصلية مهمة في التاريخ المعاصر للشرق الأوسط بذات الأهمية لغزو العراق من قبل الولايات المتحدة في عام 2003م، ويعلق على ذلك بقوله: «لم تحدث في سورية عواقب على المستوى العالمي، مثل العراق، فالاستيلاء الأمريكي على بغداد وإطاحة «صدام حسين» من السلطة كانت علامة مسجلة للهيمنة العالمية الأمريكية لما بعد الحرب الباردة.

وبحسب ما يرى المؤلف، فإنّ روسيا لم تخرج إلى الشرق الأوسط لأخذ موضع الولايات المتحدة فيها، ويعلق على ذلك بقوله: «موسكو، بالطبع، لم تحل محل واشنطن كلاعب أساسي أو ضابط أمن رئيس في الشرق الأوسط، ليس لديها مصلحة، ولا مصادر، ولا نية للقيام بذلك الدور، إلا أنها بعد غيابٍ أعلنت أنها تعود إلى المسرح العالمي كلاعب جيوسياسي مستقل كبير، إذا ما استمرت، فإن هذه الحركة سوف تؤثر على توازن القوى في عدد من المناطق»، بحيث تكون ممثلاً أو شرطياً رئيساً، كما أنّه يَعُدّ الأزمة الأوكرانية عام 2014م، والتدخل الروسي في الحرب السورية منذ عام 2015م حالتين أدّت فيهما روسيا ما بعد السوفييتية دوراً بصفتها لاعباً جيوسياسياً مستقلاً كبيراً في السياسة العالمية.

ويربط المؤلف موقف روسيا من الحرب السورية باستياء موسكو من «الربيع العربي»، ويؤكّد أن الكرملين لا يدعم الحركات الثورية في دول الشرق الأوسط، فبعد رؤيتها «معمر القذافي» الذي أطاح به التحالف الغربي، كرّست موسكو جهودها لمنع سورية من معاناة المصير نفسه، ويمكن الاستدلال على ذلك بالخوف من الإرهاب السُّني المتطرف -حسب وجهة نظر المؤلف- وآثاره المحتملة على الأقلية السُّنية في روسيا، وهي المسوّغات التي يسوقها المؤلف لتدخل موسكو في الحرب.

ويشير المؤلف إلى أن تدخل موسكو المباشر في سورية قد غيّر الاصطفاف الجيوسياسي في المنطقة، قائلاً: «روسيا شكّلت ائتلافاً عسكرياً مع سورية، إيران، حزب الله، العراق.. هذا البلد الذي حكمته الولايات المتحدة بحكم الأمر الواقع لمدة عقد من الزمن بعد الغزو والاحتلال في عام 2003م».

الدوافع الروسية

في الفصل الثاني –الذي يحمل عنوان «الحرب»- يتناول المؤلف الحرب السورية، ودافع روسيا في المشاركة فيها، وبحسب المؤلف؛ فإنّ التدخل الروسي في الأزمات السورية يرمز إلى عودتها إلى الساحة العالمية بوصفها دولة رئيسة في صنع القرار، ويؤكد المؤلف حسابات إدارة «بوتين» حول نطاق الحرب وقيودها، والدروس التي تعلمتها روسيا من الحرب الأفغانية.

ثم يقدّم المؤلف ملاحظتين مهمّتين؛ أُولاهما: أن موسكو لم تنشر -بعد أخذها درساً من إخفاق تدخلها في الحرب الأفغانية وهو بلد أجنبي مسلم- سوى القوات الجوية والبحرية في الصراع السوري، وثانيتهما: أن الدخول في الحرب يمنح روسيا فرصة لاختبار أسلحتها، وإجراء مناورات عسكرية، ومن ثَمّ تعزيز أسلحتها ومصداقيتها بوصفها حليفاً.

في الفصل الثالث يتناول المؤلف الكيفية التي تهدف روسيا من خلالها إلى الاضطلاع بدور دبلوماسي في المنطقة، حيث يستغل الكرملين الخلافات بين الدول للحفاظ على مصالحه بالمنطقة، وثمة ملاحظة يؤكدها المؤلف ويبثها في سياق عرضه للدبلوماسية الروسية في منطقة الشرق الأوسط في كل فصول الكتاب؛ وهي أن روسيا تخلّت عن السياسة الخارجية الحادّة –حسب وجهة نظره- حيث لا يمكن لدولة أن تكون سوى صديقة أو عدوّة، فلم تعد روسيا تتبع سياسة الدعم غير المشروط أو الاعتراض الكامل على الدول كما فعلت في أيام الحرب الباردة، بل بدلاً من ذلك، تنخرط موسكو في علاقات مع أطراف متضاربة في الوقت نفسه من دون تفضيل دولة على أخرى.

ويسوق المؤلف العديد من الأمثلة التي تلعب فيها روسيا بدبلوماسية، مثل الصراع العربي الإسرائيلي، إسرائيل وسورية، إسرائيل وإيران، العلاقات الإيرانية التركية، وكذلك ليبيا ومصر، ودول الخليج تحديداً في الحرب الباردة، وبعد «الربيع العربي».

وفيما يتعلق بالدور الروسي في الانقسامات الكبيرة بالمنطقة يقول: «استطاعت الدبلوماسية الروسية التفاوض على عدد من الانقسامات التي بدت أنه لا يمكن حلها في الشرق الأوسط، فقد استطاعت روسيا أن تبقي على علاقات تعاونية جيدة مع الإسرائيليين والفلسطينيين، إسرائيل وإيران، إيران والمملكة العربية السعودية (حتى إنها قامت بمناقشة مسائل خفض إنتاج النفط بين الدولتين)، تركيا والكرد، وبذات الطريقة الحكومات المتخاصمة في طرابلس وطبرق في ليبيا، الانقسامات الطائفية والسياسية في لبنان، فليس هناك لاعب رئيس في الشرق الأوسط (بما فيها «حزب الله» و«حماس») ليس لموسكو خط مفتوح وحوار حي معه».

ويعلق على ذلك: «هذا الأمر مدهش بالنسبة لدولة اعتادت زمن الاتحاد السوفييتي أن تتخذ مواقف أيديولوجية صارمة، وكان عليها أن تتقهقر من المنطقة في إذلال بعد الحرب الأفغانية الخاسرة، وتفكك الاتحاد السوفييتي نفسه الذي تبعه حينها، في وقت قصير، ونزاع دموي في الشيشان».

حسابات التجارة

يتناول المؤلف في الفصل الرابع موضوع «التجارة»، وهو الفصل الأخير، ويشرح فيه سياسات موسكو بالشرق الأوسط في أوسع سياق لسياستها الخارجية والعلاقات مع الولايات المتحدة، وإلى مدى أقل مع أوروبا، حيث يصف الروس بأنهم يبتعدون عن السياسات الغربية والأمريكية، وذلك منذ الغزو الأمريكي للعراق إلى «الربيع العربي» والتدخل الغربي في ليبيا وسورية، ثم يقدم صورة للتعاون الروسي مع الصين والهند، وأهمية مبدأ «أوراسيا الكبرى» بالنسبة للسياسة الخارجية العملية لموسكو، والدور المحتمل لمنظمة شنغهاي للتعاون.

والسؤال الأساسي الذي يتم معالجته هنا هو: كيف تسعى موسكو عبر تحركاتها في الشرق الأوسط إلى تغيير النظام العالمي؟ ويقول في النهاية: «بالتالي قصة روسيا في الشرق الأوسط ليست عن روسيا أو الشرق الأوسط فقط».

كما يقدّم المؤلف حساباً للإمكانات التجارية لروسيا، حيث تُعَدّ الأسلحة، والطاقة النووية والهيدروكربونية، والحبوب، والسياحة، من بين المنتجات والمجالات الروسية القابلة للتصدير، ويشير «ترينين» إلى أن روسيا تتبوّأ المرتبة الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة في توريد الأسلحة، إذ زودت روسيا دول المنطقة بالسلاح منذ سنوات الحرب الباردة، بينما كانت تدعم الدول العربية المعادية للغرب؛ مثل مصر وسورية.

وختاماً، فإن المؤلف قدّم في كتابه تحليلاً للعلاقة غير المتماثلة بين روسيا والدول الإقليمية، وتفسير الدوافع الحقيقية –حسب وجهة نظره- لانخراط روسيا في الشرق الأوسط، حيث قدّم الدلائل المنطقية لمساعي روسيا لربط نفسها بالمنطقة، من خلال تدخلها لحلّ النزاعات، وتفعيل أدواتها الدبلوماسية، وتمديد علاقاتها التجارية، وتسويق مبيعات الأسلحة، والترويج للسياحة في روسيا.

Exit mobile version