لا بد من مقارعة الوحش ومناهضته

مما لا شك فيه أن الأمة العربية والإسلامية قد أحكم عليها الحصار، وتداعت عليها الأمم، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها”.

تعاملت الأمم معنا بمباضع متعددة من ثقافات شتى، ولأسباب عديدة كُبّلنا، ولا نملك إلا أن نقتدي برسولنا صلى الله عليه وسلم عملاً وبذلاً للأسباب المتاحة، ثم نقول بعدها كما قال مستعيناً بالله: (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ {9}) (يس).

ولعل جميعنا يشعر بالوحش الإعلامي العولمي؛ وكيف يحاصرنا ويحيط بنا، والكلمة والصورة السلبية الصادرة من وسائل الإعلام هذه مؤذية لمجتمعاتنا، وهي عائق حقيقي لمشاريع الأمة وتطلعات أجيالها وشبابها تقصّداً.

ولو تركنا أنفسنا لهذا الوحش المندفع بلا توقف، سنكون لا شك الفريسة الأسهل، ومن ثم سلمناه ما يريد، وتتحطم آمالنا ومشاريعنا.

لا بد من مقارعة هذا الوحش الإعلامي، ومن ثم الهجوم المقابل عليه، بشرط أن يكون الهجوم متقناً، ويواكب ما يقدمه الوحش من أعمال فنية متقنة فنياً وتقنياً، ولا ينبغي تقديم العمل لتبرأة الذمة فقط، فهذا الوحش لا ينبغي أن نقابله بهذه السذاجة، لأن العمل الهزيل أمام هذا الوحش الإعلامي هو معين له، وهو نقطة الصفر، وهو الذي يصرف عنك من تريد جلبه ولفت انتباهه، وحينها يكون الصفر هو المجال الأنسب والأجود لدخول ما يريده وحش العولمة الإعلامية، ومن ثم محاصرة المسلمين وتحقير تاريخهم وحضارتهم وعقائدهم.

لا يخفى على القارئ الكريم أن الثقافة والحضارة، والعقائد والفكر، دائماً تمتطي طائرة الإعلام السريعة للنقل والتنقل، من أجل اختراق عقول المجتمعات وتحطيم حواجزهم الثقافية والحضارية والعقائدية لتسهيل عملية التفريغ ومن ثم الاجتياح الناعم.

وهذه الوسيلة سريعة التنقل، تمتطيها العولمة من أجل صناعة خطيرة تتقصدها العولمة بإعلامها، من أجل صناعة “السجال الإعلامي”.

الإعلام الأصل فيه أنه وسيلة، وهو الطائرة السريعة التي تحمل على ظهرها ظلالها وتداعياتها السلبية، وهي عبارة عن شعيرات ربط تخرج من الوسيلة للوصول إلى صناعة الهدف بشبكة معقدة من الشعيرات، تخترق المقابل باللاشعور واللامباشر بعملها الناعم غير المدبب، وغير المستفز للمقابل.

أما التداعيات والظلال العولمية الممقوتة فهي “السجال الحضاري، والعقائدي، والثقافي، والطائفي، واللابنية تحتية فكرية”، والبنية التحتية من المفترض أن يقف عليها الجميع بكل خلافاتهم، والأصل في الأرضية التي عليها يقفون أنها مقبولة للجميع؛ إلا أن العولمة تنسفها بإعلامها، فتكون الأمة كأنها هذه الصورة الظاهرة في هذه الآية الكريمة: (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ {31}) (الحج).

لاشك أن وحش العولمة الإعلامي يستطيع أن يحطم العوائق التي أمامه، وهذا يتم من خلال تسيب فكري ولا مبالاة إعلامية من طرف الأمة، بالإضافة إلى أعمالها الإعلامية المتقنة وعالية الفنية، حيث المشوقات والزخارف وكل ما يأخذ اللباب، ومن ثم يحدث الاندفاع الثقافي الجديد بعد التجويف الذي صنعته، وهذا الاندفاع تشرف عليه العقلية العلمانية الحداثية بمركزية غربية، ومن الطبيعي حينها يتكون الولاء الثقافي للغرب على تأصيل محاسنه بشكل مباشر وغير مباشر؛ بل وتحسين ما ليس بالحسن، مع بيان الرفاه والتوسع الفكري والترفيهي للبشرية.

مقابل ذلك.. نجد تجمّداً وتبلداً فنياً تقنياً، أو الرفض جملة وتفصيلاً بعدم خوض هذا الفن والمجال؛ ومن غير أدلة علمية، ولا نظرة مستقبلية، وهكذا ندخل في السجال الإعلامي الممقوت “انسفني وانسفك”، حتى نبقى جميعاً في مهب الريح واستمرار السقوط في الهاوية التي لا قرار لها.

 

_________________

(*) مستشار إعلامي.

Exit mobile version