عمليات استطلاع الآراء في تونس.. هل تعكس الرأي العام أم تصنعه؟

– سياسيون يتساءلون: هل يمكن إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ظل عمليات سبر آراء مغشوشة؟

 

في الفترة الأخيرة، دعا الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي إلى عدم أخد المؤشرات التي تصدر عن منظمات استطلاع الآراء في تونس مأخذ الجد، في تشكيك واضح في مصداقيتها، واعتبر قياديون من الجبهة الشعبية (يسار) نتائج استطلاع الآراء “فضيحة وعاراً”، كما أصدرت حركة النهضة بياناً، يوم السبت 4 مايو، اتهمت فيه “سيغما كونساي” بالتلاعب بالأرقام في إطار مساعٍ حثيثة لتوجيه الرأي العام.

وعبّرت الحركة، في بيان اطلعت عليه” المجتمع”، عن استغرابها من نتائج استطلاع الآراء الأخير لـ”سيغما كونساي” في علاقة بنوايا التصويت للانتخابات الرئاسية الذي تصدّرته النهضة بـ18%، متقدّمة على حركة تحيا تونس التي حلت ثانياً بـ16%، والحزب الدستوري الحر الذي احتل المرتبة الثالثة بـ14%.

وقالت الحركة: إن هذه النتائج نزلت بحظوظ حركة النهضة في التشريعات المقبلة وبطريقة لا يمكن تفسيرها أو تبريرها من نسبة 33% في فبراير 2019 إلى 18% في أبريل الماضي، مقابل صعود صاروخي لبعض الأطراف السياسية.

وشدّدت الحركة على رفضها لهذا التلاعب بالأرقام، داعية الأطراف المعنية لوضع آليات عملية لمراقبة عمليات استطلاع الآراء ومنع العبث بنتائجها، وتساءل البعض: هل حدثت العملية الإرهابية التي قال حسن الزرقوني: إن الأرقام لن تتغيّر ما لم تحدث عملية إرهابية كبيرة، وتساءل البعض الآخر: هل الأرقام المنشورة هي العملية التي عوّضت التعليل الذي لم يأت حتى الآن؟

عار وفضيحة

وقال عبدالمؤمن بلعانس، (الجبهة الشعبية) لـ”المجتمع”: هذه فضيحة وعار ومحاولة للتأثير على نتائج الانتخابات، وتوجيه للرأي العام، وفوضى، وتساءل: كيف يمكن إجراء الانتخابات في ظل فوضى كهذه تحدث عشية الاستحقاقات الانتخابية في أكتوبر ونوفمبر القادمين؟

وواصل حديثه: إذا لم توقف هذه المهازل، فإن الانتخابات مشكوك فيها، ومشكوك في مصداقيتها سلفاً، واتهم بلعانس أطرافاً تستمرئ وتميل إلى الغش من خلال عمليات استطلاع آراء مفبركة لأنها تخدم مصالحهم.

وقال: إن حركة النهضة انتقدت التحوّل الصاروخي في مؤشرات جمعيات سبر الآراء لأنها خفّضت من نسبة فوزها كثيراً، وهو أمر لم تقم تلك الجمعيات بتعليله أو تفسيره، أو قدّمت مبررات غير مقنعة، وأكد انتشار الفساد في كل مفاصل البلاد، على حد قوله: “أعرف أن الفساد متفشياً في كل المؤسسات المعنية في تونس (وفين تمشي تلقاه) بما في ذلك البرلمان”.

واستبعد بلعانس، إمكانية تشكيل هيئة وطنية لسبر الآراء قبل الانتخابات لضيق الوقت، ولعدم التزام الكثير من أعضاء البرلمان بالحضور، على حد تعبيره، لكنه شدّد على أهمية تنظيم قطاع سبر الآراء، هذا القطاع لا بد من تنظيمه، هذا القطاع لا بد أن يتنظّم، وليس هناك حل آخر.

ودعا بلعانس إلى وقف عمليات استطلاع الآراء نهائياً، لأنه لا توجد مصداقية لدى هذه الجمعيات، وكل شيء قابل للمساومة.

وأشار إلى أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات معنية بهذا القرار وبإمكانها إصدار أمر بوقف عمليات سبر الآراء هذه، حفاظاً على المسار الديمقراطي الانتقالي، والمساعدة في منع التأثيرات السلبية على الرأي العام، بعد أن تحوّلت من كشف لنوايا التصويت إلى صناعة رأي عام وتوجيهه.

ليست ذات مصداقية

وقال المدير التنفيذي لحزب نداء تونس د. خالد شوكات لـ”المجتمع”: عمليات سبر الآراء في تونس أصبحت غير ذات مصداقية، وتابع: هناك أطراف لديها مصالح تريد تحقيقها من خلال عمليات سبر الآراء، وهي مصالح سياسية واقتصادية، أصبحت تؤدي دوراً مركزياً فيما يتعلق بهذه العملية.

وأكد شوكات أن هذه العمليات المرتبطة بالمصالح السياسية والاقتصادية للأطراف المتداخلة فيها نجمت عنها أضرار كبيرة طالت مسار الانتقال الديمقراطي.

وأشار إلى أن المؤسسات العمومية بدورها في حاجة إلى ضوابط أخلاقية، حيث إن الأزمة الأخلاقية التي عمّت البلد أثّرت حتّى على المؤسسات العمومية، وهناك مؤسسات حكومية عليها تساؤلات كثيرة حولها وحول ومدى انضباطها واحترامها للمعاير المهنية والأخلاقية، على حد تعبيره .

وأردف: إذا لم تحل المشكلة الأخلاقية من خلال مواثيق وعهود والتزامات يلتزم بها الجميع سيصبح الأمر فوضى كما هي منظمات سبر الآراء، وهناك استعداد لتسخير المؤسسات والمنظمات لتوجهات فئوية أو حزبية ضيّقة والعملية أشمل وأكبر من عمليات سبر الآراء، هي لازمة وتابعة لكل ذلك، أي مكمّل.

وثمّن شوكات المقترحات التي تدعو لتأسيس منظمة وطنية وفق المعايير الوطنية والدولية لسبر الآراء، كما ثمّن تقديم مبادرة تشريعية في هذا الغرض، هذه مقترحات ضرورية للحيلولة دون هذه التوجهات الساعية للسيطرة بكل الطرق غير الأخلاقية وغير الديمقراطية على الرأي العام لكسب الانتخابات، وأشار إلى أن الهيئة العليا للانتخابات مدعوة وبشكل مباشر لوقف هذه المهازل أكثر من غيرها.

قطاع غير منظم

بدوره، أكد القيادي بحزب حركة النهضة، نور الدين العرباوي، أن قطاع سبر الآراء في تونس، غير منظم، وقال لـ”المجتمع”: القطاع غير منظم، وهو في حالة فوضى، وبه كثير من المتدخلين، وهذا هو الإشكال الأول، وتابع: الإشكال الثاني أنه لا يعكس الرأي العام، كما هو حال سبر الآراء في العالم، ولكن في تونس تقوم عمليات سبر الآراء بمحاولة صناعة رأي عام، وتوجيهه، وهذا هو المشكل الرئيس، وأعرب القيادي النهضوي البارز عن قلق حزب حركة النهضة من هذا الدور السلبي لعمليات سبر الآراء.

تحليل أم تحريض؟

وحول الانقلاب في مؤشرات منظمات استطلاع الآراء لا سيما وأن رئيس مدير عام “سيغما كونساي” سبق وأن صرّح بأن حزب حركة النهضة سيفوز بالانتخابات البرلمانية ما لم تحدث عملية إرهابية، ثم عاد وأعطاها نسبة 30%، ثم خفّض هذه النسبة إلى 18% دون تعليل يعتد به، أفاد العرباوي بأن هذا هو المشكل، فعندما تغيب المعلومة تسود الإشاعة التي تأخذ طابع العلم أحياناً، ويصبح التلاعب بالأرقام حرفة موصوفة بعيدة كل البعد عن الواقع.

ووصف العرباوي تصريحات مدير عام “سيغما كونساي” حول أن النهضة في طريق مفتوح للفوز بالانتخابات البرلمانية القادمة ما لم تحدث عملية إرهابية كبيرة بأنه تحليل وتحريض في الوقت نفسه، وهذا يجعلنا نستحضر وقائع الماضي عندما تمكن الإرهاب من إسقاط حكومة النهضة في عام 2013، ومن فوز أطراف أخرى في عام 2014، ويبدو أن ذلك نتيجة التحريض المتواصل أيضاً، والمسألة ليست تحليلاً بريئاً.

وأشار العرباوي إلى أن الكثير من الأحزاب والجهات الديمقراطية تشعر بالقلق من التلاعب بالأرقام، وليس حزب حركة النهضة فحسب، فالمسألة مضرة بالعملية الديمقراطية برمتها، من بينها النداء، والجبهة الشعبية، والتيار الديمقراطي، والحراك وغيره من الأحزاب.

كما دعا العرباوي إلى تنظيم قطاع سبر الآراء من خلال مبادرة تشريعية في الغرض، في ظل الاتهامات الموجهة لتلك المنظمات دون الخوض في التفاصيل، وسن تشريعات تعاقب المنظمات المخالفة لمعايير سبر الآراء وتفرض الشفافية المطلوبة في هذا العمل.

Exit mobile version