إعادة صياغة القيمة وتسعير المنتج في العمل الخيري

 أثبتت الإحصائيات أن أقل من ١٥٪؜ من الشركات تقوم بعمل بحث منهجي في مسألة تسعير المنتجات ، كما أثبتت بعض الدراسات الأخرى أن التغييرات الطفيفة في الأسعار قد ترفع أو تخفض المبيعات بنحو ٢٠٪؜ إلى ٥٠٪؜ أو أكثر في حالات فريدة .

هذا في عالم الأعمال ، ويبقى السؤال هل يختلف الموضوع في العمل الخيري والإنساني ؟

هناك دراسات أجريت حول تأثير التغييرات السعرية على النواحي النفسية للمشترين أقل ما يقال عنها أنها عجيبة ، تلك الدراسات أثبتت تحرك السلوك الشرائي للمستهلكين ناحية خيارات معينة دون غيرها فقط بعد تطبيق بعض الاستيراتيجيات البسيطة الخاصة بتسعير المنتج .

كيف تضع المؤسسات الخيرية والإنسانية أسعار مشاريعها الخيرية ؟

يمكن تقسيمها إلى ثلاث أقسام :

١/ مؤسسات تعمل مباشرة مع شركات المقاولات التي تضع سعرها حسب الطرق التقليدية في العمل التجاري ، ويتيح لها هذا التواصل إمكانية التفاوض السعري ومقارنتها من شركات أخرى ، تضيف عليها المؤسسة الخيرية النسبة الإدارية ثم تضع السعر على منشوراتها الاعلامية .

٢/ مؤسسات تعمل من خلال وسيط محلي في الدولة التي تعمل بها والتي تقدم لهم السعر حسب دراسة مرسلة ، تضيف عليها المؤسسة الخيرية نسبتها الإدارية وتنشره في إعلامياتها .

٣/ مؤسسات تقوم بالتنفيذ المباشر من خلال جهازها التنفيذي الميداني والذي يتيح لها القدرة على خفض التكاليف وخاصة اذا علمنا أن الشركات تضيف على أسعارها نسب متعددة مثل نسبة المخاطر والتي قد تصل الى ٣٠٪؜ في بعض الأحيان بالإضافة الى نسبة الأرباح التي لا تقل عن ٢٥٪؜ ، مما يجعل المؤسسة الخيرية توفر في التكاليف الخاصة بمشاريعها الخيرية وتمتلك وضع أسعار تنافسية من خلال تقليلها للتكاليف .

وهناك بعض الظروف الأخرى التي قد تؤثر في أسعار المشاريع الخيرية ربما أذكرها في مقال آخر ، لكن السؤال : هل تؤثر أسعار المشاريع الخيرية في قرار التبرع ؟ كيف يفكر عقل المتبرع أثناء بحثه عن مشروعه الخيري ؟

هناك دراسات مثل – دراسة مارتن لندستروم -حملت نتائج مدهشة عن العقل البشري مفادها أننا فعليا لا نشتري بالعقل الواعي ، وأن أغلب قراراتنا الشرائية مصدرها مؤثرات معينة يتعرض لها العقل الباطن ، وتحرك سلوكنا الشرائي نحو منتجات معينة بشكل – أحيانا – يكون غير منطقي .

وقد أدرك العديد من الدارسين للسلوك الانساني أنه كلما أبقينا العقل غير واعي كلما تحكمنا اكثر في قراراته الشرائية

إن إعادة صياغة القيمة وتسعير المنتج هي القاعدة التي سأتحدث عنها كأسلوب يمكن للمؤسسات الخيرية استخدامه كاستيراتيجية تسويقية ، فكلما ارتفعت قيمة الشئ عند المتبرع كلما كانت هناك إمكانية بأن يتقبل سعرها المرتفع ، والقيمة ليست بالضرورة تعني التكلفة ، بل تتعدى ذلك باحتساب سمعة المؤسسة كقيمة يطلق عليها اسم العلامة التجارية التي تجعلنا ندفع اكثر مقابل هذه الشركة ومبلغ اقل مقابل علامة تجارية اخرى .

دخول المؤسسة الخيرية ضمن المؤسسات التي تجري بحوثها المنهجية التي تساعدها في اختيار الاستيراتيجية المناسبة للتسعير يجعلها قادرة بشكل أفضل من المؤسسات التي تقوم بوضع اسعارها دون دراسة .

لقد ساهم المجتمع بشكل عام في رفع قيمة بناء المساجد وحفر الآبار عند الناس ، وبالتالي نجد أن اتجاه المتبرعين نحوهما هو الأكثر ، بل أن هناك من يدفع تكاليف تتجاوز مئات الآلات من الدولارات لبناء مسجد وحفر بئر ، في المقابل لن يدفع مقابل بناء مستشفى او بناء مدرسة ، لا أوعز ذلك إلا أن قيمة المسجد والبئر مرتفع لديهم اكثر من المدرسة ، فهو يسمع دوماً في خطبة الجمعة وخواطر الأئمة والدعاة في المسجد ووسائل الإعلام الأحاديث النبوية التي تذكر فضل بناء المسجد وحفر البئر .

إن إعادة صياغة القيمة عند المتبرعين يسهل من وضع السعر المناسب وتسويقه لديهم بما يحقق أهم جزء من مساعدة الإنسان المحتاج ألا وهو التعليم الذي سيكون العلامة الفارقة بين حياتهم وموتهم .

لذا إن إدعاء بعض المؤسسات الخيرية في صعوبة توجيه المتبرع للمشاركة في المشاريع ذات الأولوية هو ادعاء يحتاج لمراجعة في ظل عالم متطور يستخدم فيه أصحاب المصالح التجارية كل الوسائل ، فلماذا لا يستخدمها أصحاب المؤسسات الخيرية لتحقيق مقاصد العمل الخيري .

Exit mobile version