البرلمان المصري يقنن بقاء السيسي حتى 2030.. ومعارضون: “دسترة” للدكتاتورية

أسدلت مصر الستار على “مسلسل تعديل الدستور” المثير، بإقرار مجلس النواب بقاء عبدالفتاح السيسي في السلطة حتى عام 2030م، بدلاً من عام 2034م، بعدما كان مقرراً مغادرته موقعه عام 2022م، الأمر الذي اعتبره معارضون “دسترة للدكتاتورية” بحسب تعبيرهم.

قصة هذا التعديل بدأت بحالة من الغموض وعدم الوضوح شهدتها مصر منذ اقتراح مؤيدون للسلطة عدة تعديلات على دستور 2014م، تستهدف التغلب على القيد الموجود في الدستور على بقاء عبدالفتاح السيسي لما بعد عام 2022م، بسبب النص على فترتين رئاسيتين فقط كل منهما 4 سنوات؛ ما يعني مغادرته السلطة بعد 8 سنوات حكم.

سبب الغموض وعدم الوضوح هو تسريب أنباء مؤكدة، في بداية الأمر، عبر موقع «مدى مصر» نقلاً عن ثلاثة مصادر مختلفة في كل من رئاسة الجمهورية، وجهاز المخابرات العامة، ومجلس النواب، عن طرح جهاز المخابرات أفكاراً تتعلق لا فقط بتمديد رئاسة السيسي سواء بزيادة فترة الرئاسة من 4 إلى 6، أو إطلاق عدد مرات الترشح وعدم قصرها على فترتين.

ثم تعديل المقترح بآخر –وصل لرؤساء تحرير الصحف عبر رسائل “واتساب” من مسؤول الإعلام بالمخابرات– بالتركيز على مقترح جديد يسمح بزيادة سنوات الرئاسة إلى 6 أعوام بأثر رجعي، مع فقرة استثنائية مخصصة للسيسي في الدستور تسمح له بالترشح مرة أخرى.

ومرت هذه المقترحات بثلاثة مراحل على النحو التالي:

اقتراح بتعديل مدة الرئاسة لتصبح 6 سنوات بدلًا من 4 مع مادة انتقالية تسمح للسيسي بالاستفادة من العامين الزيادة في كل فترة رئاسية ما يعني إضافة 4 سنوات لحكمه فينتهي في عام 2026 بدلاً من عام 2022م، وقيل: إن هذا السيناريو لعدم اتهام السيسي بالرغبة في البقاء مدى الحياة.

اقتراح ثان بتعديل المادة (140) وزيادة المدة الرئاسية إلى 6 سنوات، ومد رئاسة السيسي إلى 6 سنوات بدل 4 بأثر رجعي (أي يضاف له عامان من مدة الرئاسة الأولى المنتهية وعامان جديدان على مدة الرئاسة الحالية، وبالتالي بدلاً من أن تنتهي فترة الحكم الحالية في عام 2022، تنتهي في عام 2026)، ثم يترشح مرة أخرى فترتين (بموجب التعديلات) 12 عاماً فيظل في السلطة حتى عام 2038! وقيل: إن هذا المقترح له علاقة بالضوء الأخضر الذي تلقاه السيسي من الرئيس الأمريكي ترمب الذي أبدى موافقته ضمناً على تمديد رئاسة السيسي.

الاقتراح الثالث والأخير –وهو الذي أقره البرلمان رسمياً كصياغة نهائية سيجري تصويت الشعب عليها- يسمح بزيادة سنوات الرئاسة من 4 إلى 6 بأثر رجعي على فترة رئاسة السيسي الحالية، فيضاف له عامان (رئاسته الحالية تبقي حتى عام 2024م) ووضع فقرة استثنائية للسيسي (مادة انتقالية) تسمح له بإعادة ترشيح نفسه مرة واحدة فقط بما يعني إضافة 6 سنوات أخرى له في السلطة ليبقى حتى عام 2030، بدلاً من عام 2034 أو 2038م، وهو ما عزاه مراقبون كنوع من التراجع والخوف من سيناريو السودان والإطاحة بالرئيس البشير.

وبرغم توقع معارضين أن يكون الهدف من وراء “تمثيلية التعديلات الدستورية” فرقعات حتى لو أقرها البرلمان وأجري الاستفتاء عليها، لإلهاء الشعب عن المطالبة برحيل السيسي فوراً وأن يقبل المعارضون أن يستكمل فقط المدتين الرئاسيتين، وإعطائه الشرعية كأن المدتين شرعيتان، فقد فاجأ رئيس مجل النواب المصريين بمفاجأة أخرى، أنهم سيغيرون الدستور كله بعد 10 سنوات وقبل انتهاء رئاسة السيسي، وسط توقعات بالعودة لما كان معمولاً به سابقاً من إطلاق مرات الترشح للرئاسة مدى الحياة!

“الأثر الرجعي” يبطل حكم السيسي

برغم أن السيسي جاء نتيجة انقلاب عسكري غير معترف به؛ ما يعني عدم شرعية توليه الرئاسة، وأنه لن يتخلى عن الحكم الذي سيطر عليه بالقوة العسكرية، عبر الوسائل الديمقراطية، فإن خبراء السياسة والقانون يؤكدون أن صياغات تعديل الدستور الحالية حالياً بهدف تمديد رئاسة السيسي باطلة قانوناً، خاصة مسألة “الأثر الرجعي” في تطبيق القوانين والدساتير.

فهناك مبدأ قانوني معروف يسمى “مبدأ عدم رجعية القوانين والدساتير”، ومضمون هذا المبدأ هو أن “القانون أو الدستور إنما يصدر ليطبق على المستقبل”، أي على الفترة الزمنية التي تلي نفاذه، وليس على الفترة الماضية التي جرت بناء على قانون سابق مختلف.

وهذا المبدأ القانوني الخاص بعدم رجعية النصوص القانونية يجعل من الصعب على السيسي أن يستفيد من هذا التعديل الدستوري، لأنه انتخب على أساس دستور 2014 وتعهد باحترامه، ومن ثم لا يجوز له أن يستفيد من تعديل على نص انتخب على أساسه، وهذا النص ينطبق فقط على من سيأتي بعد، وإلا لأصبح من الممكن أن يطعن بعض المواطنين في صحة بقاء السيسي في منصبه أكثر من أربع سنوات، كما يقول د. مصطفي السيد، أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية.

وفي هذه الحالة، ومع توقع أن تمرر السلطة التعديل الدستوري غصباً عن الشعب، سيكون بقاء السيسي باطلاً قانوناً ومطعوناً فيه، وكل قراراته باطلة بالتبعية، كما يقول الخبراء.

وهذا العبث بدستور مصر بهذا الأسلوب الملتوي يشكل جرائم مغلظة بحسب حقوقيين، منها: التحايل على إرادة الشعب، والكذب والبهتان حيث تجمع كل المدارس القانونية بالعالم على عدم شرعية أثر رجعية القوانين، ومع هذا يريدون أن تطبق آثار تعديل الدستور على السيسي، وخرق التزامات مصر الدولية الموقعة عليها كالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية؛ ما يعني أن تصنف مصر كدولة همجية.

ويصف د. حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، التعديلات الدستورية التي أقرها مجلس النواب المصري بأنها “لا مثيل لها في تاريخ التعديلات الدستورية بالعالم أجمع”، ووصفها بأنها “تشكل فضيحة قانونية وسياسية وأخلاقية كبرى وسوف تلحق العار إلى الأبد بكل من شارك في إعدادها أو في إقرارها أو يوافق عليها في الاستفتاء”.

“دسترة” انقلاب الجيش لو فاز الإسلاميون!

وتنبع خطورة التعديلات الدستورية الجديدة ليس فقط من سعيها لتمديد حكم السيسي حتى عام 2030، وإنما مما تتضمنه بشأن توسيع سلطة السيسي على القضاء وتقليص صلاحيات القضاة وجعلهم تابعين للرئاسة، فضلاً عن “دسترة” الدكتاتورية العسكرية وإعطاء الجيش صلاحيات تتشابه مع ما كانت مع الجيش التركي قبل أردوغان، وتعطيه الحق في الهيمنة على الحياة السياسية والتدخل بالدبابة حال لم يعجبه رئيس منتخب أو فوز حزب ما في الانتخابات.

لهذا يؤكد “معهد كارنيجي للأبحاث” أن هذه التعديلات سوف تؤدّي إلى تثبيت موقع القوات المسلحة فوق الدولة عبر منحها الوسائل القانونية اللازمة للتدخل ضد الحكومات المنتخبة وملاحقة خصومها السياسيين قضائياً.

وتتضمن التعديلات الدستورية أيضاً أحكاماً تُضفي طابعاً قانونياً على التدخلات العسكرية في السياسة المادة (200)، وتؤدّي إلى توسيع سلطة المحاكم العسكرية المادة (204)، وتزيد من سطوة السلطة التنفيذية على القضاء المواد (185) و(190) و(193).

ويُضيف تعديل المادة (200)، التي تتناول الدور المؤسسي للجيش “صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد”، إلى المهام المنوطة بالقوات المسلحة، ما يمنح الجيش حقاً دستورياً بتنفيذ انقلاب وفرض حكم عسكري مباشر، لا سيما إذا تعرضت طبيعة الدولة “العلمانية” للتهديد بسبب تحقيق الإسلاميين فوزاً انتخابياً.

كما يُجيز التعديل فعلياً للقوات المسلحة إلغاء نتائج الانتخابات وفقاً لمزاجها الخاص تحت ذريعة حماية الدستور أو الديمقراطية أو الدولة.

وداعاً استقلال القضاء

وبجانب المواد التي توسع سلطات القوات المسلحة، هناك مجموعة من التعديلات المقترحة للمواد (185) و(190) و(193) تفرض كوابح شديدة على استقلال القضاء.

فهي تلغي مجتمعةً أي سبلٍ قانونية لتحدّي النظام في المحاكم، من خلال إفساح المجال أمام وصول المرشحين الحائزين على القبول من السلطات دون سواهم إلى رئاسة المؤسسات القضائية المختلفة، ما يتسبب بالقضاء على استقلالية موازناتها، وكبح صلاحيات مجلس الدولة.

ويحذف تعديل المادة (185)، التي كانت تجيز للقضاء تنظيم شؤونه الخاصة، عبارة “يكون لكل منها موازنة مستقلة”.

ويُضيف فقرةً تمنح الرئيس (السلطة التنفيذية) سلطة تعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية من بين خمسة تُرشِّحهم مجالسهم العليا من بين أقدم سبعة من نوابهم لمدة أربع سنوات؛ ما يعني التدخل في شؤون القضاء واختيار المقربين من السلطة.

وتتضمن التعديلات إنشاء مجلس أعلى للهيئات والجهات القضائية يرأسه رئيس الجمهورية، للإشراف على تعيين أعضاء الجهات والهيئات القضائية وترقيتهم وندبهم، من شأن الدور الاستشاري الذي يتمتع به رئيس الجمهورية في هذا المجلس أن يُتيح له أداء دور الحكَم في مشاريع القوانين التي تُنظّم الشؤون القضائية.

أيضاً المادة (193) المتعلقة بالمحكمة الدستورية العليا تسمح للرئيس باختبار رئيس المحكمة من بين أقدم خمسة نواب رئيس المحكمة، وتدخله أيضاً في تعيين نواب رئيس المحكمة وقضاتها.

في حين أن الأحكام القضائية والقانونية التي تُعطي الأفضلية للقوات المسلحة والسلطة التنفيذية تسبّبت تدريجاً بتقويض استقلال القضاء، تأتي هذه التعديلات لإرساء أساسٍ دستوري يُعوَّل عليه في كبح الاستقلال الذاتي للقضاء بطريقة يكاد يتعذّر العودة عنها.

وتطال التعديلات أيضاً المادة (190) التي تُحدّد مهام مجلس الدولة؛ أي منظومة المحاكم المسؤولة عن البت في النزاعات بين الأجهزة الإدارية للدولة وكذلك بين الدولة والأفراد، بما يمنع هذه المحاكم من مراجعة أي قوانين تضعها الحكومة رغم مسؤولية محاكم القضاء الإداري (مجلس الدولة) على مدار تاريخ مصر السابق في مراجعة العقود التي تُبرمها الدولة أو مؤسساتها العامة.

وتعني هذه الخطوة إلغاء أي إشراف قضائي على العقود الحكومية، وتعزيز نفوذ الحكومة، وإتاحة الفرص أمام مزيد من الابتزاز والرشوة!

وسوف تستفيد القوات المسلحة المصرية من إلغاء الإشراف القضائي على القوانين في هذا المجال، نظراً إلى أنها تعمل جاهدةً على توسيع بصمتها الاقتصادية مستعينةً بالعقود الحكومية في سياق توسيع “بيزنس” الجيش.

ويعتبر تحجيم سلطة مجلس الدولة وسيلة لمعاقبته، وقطع الطريق أمام نشوب مزيد من الصراعات القانونية المطوّلة بين الحكومة والقضاء.

والخلاصة أنه بإقرار هذه التعديلات، وفق ما هو متوقَّع، سيعني هذا إعادة صياغة المنظومة السياسية المصرية والقضاء على آخر مظاهر الفصل بين السلطات أو على آخر ما تبقى من علامات خضوع القوات المسلحة لسلطة الحكومة المنتخَبة؛ ما يعني تحول مصر إلى دكتاتورية عسكرية بالاسم والفعل على السواء.

الخلاصة

برغم الزفة البرلمانية والإعلامية للتعديلات الدستورية وامتلاء شوارع مصر بلافتات تطالب المصريين بقول “نعم”، والخلاف بين المعارضين بشأن مقاطعة الاستفتاء أم النزول وقول “لا”، يتساءل غالبية المعارضين: ما جدوى تعديل دستور هو باطل أصلاً؟ وما جدوى إطالة رئاسة باطلة؟ وما جدوى تعديل أو إطالة أو تحسين نظام باطل؟

ويشددون على أن الموضوع ببساطة أن البرلمان والدستور والرئيس غير دستوريين وغير شرعيين أصلاً، والنظام كله جاء بموجب انقلاب عسكري، ومُنع أي مرشح من منافسة السيسي بالقوة والاعتقال والسجن، فلا يجب ألا تشغلنا التفاصيل عن الحقائق الأساسية.

Exit mobile version