سياسة المساعدات الخارجية الكويتية: أي دور للشق غير الحكومي؟

صدر عن دار آفاق للنشر كتاب «سياسة المساعدات الخارجية الكويتية: أي دور للشق غير الحكومي؟» للباحث أوس عيسى الشاهين، والكتاب في أساسه رسالة علمية حاز الكاتب بناء عليها على درجة الماجستير في السياسة الدولية والدراسات الأمنية من جامعة برادفورد في المملكة المتحدة.

والكتاب قدم له أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت د. إبراهيم الهدبان، ونقلته إلى اللغة العربية د. سوزان الخضير.

يسعى الباحث من خلال هذا الكتاب إلى تقديم تجربة وطنية، التقت فيها الإرادتان الرسمية والأهلية في العمل الأهلي الإنساني الذي بات يزاحم النفط في ربط صورة ذهنية لدولة الكويت.

الكتاب مهم للمهتمين وصناع ومتخذي القرار في وضع ركائز وخطط التنمية، وبداية للتفكير في أهمية وضع سياسة وطنية لدولة الكويت في مجال المساعدات الخارجية وتوضيح الفاعلين والداعمين.

مسلك البحث

استخدم الباحث المنهج الكيفي واعتمد على الملاحظة بالمشاركة، والمقابلة الكيفية، وبحوث سيرة الحياة، وطريقة المحادثة الفردية/ الجماعية، والمنهج الوثائقي.

كان الهدف دائماً هو تكوين الفرضيات، وعدم وجود متغيرات محددة، فكل ما يريده الباحث هو الاستكشاف؛ فقد اعتمد في المقام الأول على المشاركين (المبحوثين)؛ حيث ركز على فهم العمل الإغاثي من منظور المشاركين، فاستخدام العينات اتسم بالقصد والعمدية؛ حيث قابل 16 من خبراء العمل الاجتماعي والإغاثي وأصحاب الاختصاص، وقام بتجميع البيانات عبر أسئلة مفتوحة النهاية، واستخدم «أسلوب دلفاي» كوسيلة اتصال للتعرف على الواقع الحالي، ثم اقترح حلولاً مناسبة لتطوير وتحديث العمل الإغاثي، ولجمع المعلومات وتبادل الآراء وطرح الخيارات والبدائل وترتيب الأولويات وتحديد الأهداف ورسم السياسات لاستشراف المستقبل.

ارتكز الباحث على الصدق والموضوعية، واستقطاب الآراء في وجهات نظر متقابلة تكون بمثابة بدائل أو خيارات للسياسات لكيفية تنمية وتطوير العمل الإنساني، والتعرف على دور الحكومة.

وهذا ملائم للمنهج للموضوع والتأمل النقدي للباحث في فعله ومشاعره بوصفه عنصراً أساسياً من المعرفة، وهي ميزة وركيزة أساسية من نقاط تميز الموضوع.

أسئلة البحث

تقوم الدراسة واضعة بعين الاعتبار الكثير من التفاعلات/ المتغيرات في ميدان العمل الخيري والإنساني، وتحاول توصيف/ توضيح حجم المساعدات الكويتية، وتشرح/ تقارن مكان/ مكانة دولة الكويت من أنماط ونماذج المانحين الدوليين، وتثير مجموعة من الأسئلة حول:

– الأسباب والمبررات لتقديم المساعدات الخارجية، ومقارنة المنظمات الكويتية بالمنظمات الدولية، وكيف تتشكل العلاقات بين اللاعبين الأساسيين في عملية المساعدات الدولية؟ وعلامَ تنبني؟

– دور المنظمات غير الحكومية في التأثير على سياسة المساعدات الكويتية.

– محفزات كل من المساعدات الكويتية والسياسة الخارجية للبلاد، وما مبادئ وحدود كل منهما، وأهدافهما وأولوياتهما؟

– ما الأحداث والعوامل التي شكلت واقع العمل الخيري والإنساني؟

– ما مصادر تمويل المنظمات غير الحكومية الكويتية؟ وعوامل تنميتها؟ وأسباب تطورها؟ وهل يمكن أن تتطور أكثر من المؤسسات الحكومية؟ وما الإشكالية في عملية تطورها أكثر من المؤسسات الحكومية؟ وما أشكال التعاون بين المنظمات غير الحكومية والحكومية والخاصة؟

– ما الذي يميز المنظمات غير الحكومية كجزء من القطاع الثالث داخل دولة الكويت؟ وما الخدمات التي تقدمها المنظمات غير الحكومية ولا تقدمها الحكومة داخل الكويت وخارجها؟ وإلى أي مدى تعد الجمعيات الخيرية أداة وسفيراً للنوايا الحسنة؟

يعرج الكتاب على العلاقة بين المجتمع المدني والحكومة، متخذاً القطاع الخيري والإنساني نموذجاً؛ مؤكداً أنه لا يمكن توضيح العلاقة بشكلها العام بين المنظمات غير الحكومية والحكومية دون تحديد مجموعة من الموضوعات، مثل: الأهداف وطبيعة الدور ومكان العمل وتوقيت العمل، ووضع بعض المتغيرات الأخرى، مثل: الأزمات التي تمر بها الدول، التبرعات، شكل ومكان العمل، وهذا يوضح لنا تنوع سمات العلاقة بين «التعاون، المجابهة، التكامل، السيطرة، الإيقاف».

ويصل الكاتب إلى نتيجة مفادها أن المنظمات الخيرية في الكويت تخضع لتأثير الحكومة، لكن المنظمات الخيرية/ الإنسانية هي الأقوى ضمن المجتمع المدني، وتملك الوزن الاجتماعي الأثقل فيه، وشعبيتها في تصاعد، بينما علاقاتها ضعيفة مع باقي منظمات المجتمعات المدنية كالنقابات التجارية والجمعيات التخصصية.

ويرجع أسباب قوة الجمعيات الخيرية إلى الجذور الدينية التي تمكنها من الانتشار في المجتمع وكسب التعاطف وتدفق التبرعات، والتنوع في البرامج المتبناة التي تلامس نواحيَ كثيرة في حياة الناس، بالإضافة إلى المدخر المالي الكبير، داعياً إلى إنشاء نقابة للمنظمات والجمعيات الخيرية للمدافعة عن الحقوق والمطالب، هي آلية من آليات دعم المجتمع المدني بصورته الأوسع.

تحمل المسؤولية الوطنية

في الوقت الذي يمكن اقتناص الفرص وتحويلها لاستثمارات بشكل متتابع، يتعرض العمل الخيري لتهديدات، ويُطلب منه دائماً تبرير أفعاله وأنشطته، وفي هذا السياق يرى الباحث أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر ألقت بظلالها على كافة أشكال التعامل والتفاعل اليومي المعيش، وهذا ما يؤكد أهمية رؤية الفرص من داخل التهديد، واستثمارها لأبعد مدى، كما يؤكد أهمية الانتباه لدور وزارة الخارجية في إدارة العمل الخيري خارج الكويت، وأن قرار مجلس الوزراء بتفويضها بالقيام بذلك يؤكد علامة انفتاح وصراحة وقدرة على التعامل بشكل محترف، والتعاون من خلال الجمعيات والمنظمات الخيرية مع وزارة الخارجية يرجع لخبرة الخارجية في إدارة الأمور وحسن تيسير الأعمال.

الأهم أن الوزارة كانت داعمة بقوة لموقف الجمعيات في العمل، وهذا ما يدفع بأهمية الاستفادة من دور وزارة الخارجية بالداخل، ويذكر أن العلاقة بين الجمعيات الخيرية ووزارة الخارجية مرت بمراحل مختلفة، وما يميزها أن الخارجية الكويتية اتخذت أسلوباً توفيقياً كأداة بدلاً من وضع القوانين/ الضوابط، بل الحلول المشتركة (رابح – رابح)، بل وفي الكثير من الأحيان توفر التعاون والحماية للجمعيات على المستوى الدولي، والاحتواء والاحتضان، ولذا من المهم تفهم وتعزيز مواردها بما يتم تنفيذه من خلال الجمعيات حتى تستوعب عمل الجمعيات وتسرعه.

من الممارسات الجيدة أيضاً قيام الحكومة بتمويل المشروعات التي تنفذها الجمعيات والهيئات التي تعمل في الخارج وتدعم بعض المشروعات بقوة في بعض القطاعات وخاصة التعليم والصحة، والإغاثة، بل إن وزارة الخارجية تقوم بدور الوسيط في عمليات تحويل الأموال دولياً، وهو ما يعكس مزيداً من الشفافية والتعاون، مع وجود منظمات الأمم المتحدة كشريك في بعض الحالات.

ويدعو الباحث إلى الانطلاق من قناعة أن إدارة المنظمات غير الحكومية، أو ما يعرف بالقطاع الثالث، لها أهمية كبرى، ولديها إمكانيات تنموية عالية تؤهلها للمساهمة الفعالة في إدارة حاضر ومجابهة التحديات التي تواجهها.

ويذهب إلى أن تجربة دولة الكويت تعكس ثراء التجربة بشكلها التطبيقي الميداني، بل وتؤهلها لتكون بيت خبرة في مجالات متعددة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وتمكنها أن تمارس دوراً حاسماً في الاستقرار السياسي من خلال تبني الأفكار والترويج لها؛ كالإيجابية والتعاون والسلام واستيعاب الطاقة البشرية والقوى العاملة ومحاربة التطرف، وتعزيز مشروعاتها لتصبح بدلاً من مشاريع إغاثة إلى مشاريع تنمية طويلة الأجل، وتطوير أنظمتها التنظيمية والإدارية.

وفي الختام

من الضروري الانتقال في التعامل من ردود الفعل إلى استشراف المستقبل واستقرائه، ومن المهم إنشاء إدارة/ قسم/ فرع للأبحاث والدراسات وتوفير البيانات الدورية، وما هذا الكتاب إلا بادرة علها تفتح سبيلاً للمزيد من المنتوجات الثقافية والعلمية.

لقد آن الأوان لتتبوأ الكويت مكانة في الساحة الفكرية العربية والعالمية، وتجمع المهتمين الأكاديميين والتطبيقيين في مجال العمل التنموي المستدام، وربطه بمقتضيات التنمية المختلفة وفق موضوعاتها المتعددة (لكافة المجالات الثقافية، الاجتماعية، السياسية)، والتعريف بدور منظمات المجتمع المدني الكويتي وتاريخها ومنطلقاتها ومنجزاتها على مستوى الدول والمجالات التي عملت بها، وتكثيف النقاشات والأبحاث والدراسات حول الإمكانيات للمنظمات التنموية المعاصرة في التنمية المعاصرة، واستثمار المشروعات التي يتم تنفيذها وتحويلها إلى أبحاث استقرائية واستشرافية، وإنتاج العديد من الدراسات التي توضح الحالة التي يتم العمل فيها، وعرضها بشكل علمي بين المتخصصين مما يسمح بديناميكية بين الباحثين والمنظمات ويحقق الربط المنشود لعملية التطور بين الفكر والتطبيق.

 

___________________________________________________________

(*) مدرب في التطوير المؤسسي متخصص في منظمات المجتمع المدني وشؤون الشباب وقضايا التنمية.

Exit mobile version