أسباب توراتية وراء اعتراف ترمب بالجولان والقدس “إسرائيليتين”.. تعرف عليها

يوم 21 مارس 2019م، زعم وزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبيو في مقابلة مع شبكة الإذاعات المسيحية «سي بي إن» (CBN News) الأمريكية، أن “الإله يمكن أن يكون قد بعث الرئيس ترمب لإنقاذ الشعب اليهودي”(1)، مشبهاً ترمب بالملكة “إستير” التي أقنعت زوجها الملك الفارسي “خشايارشا الأول” بعدم ذبح اليهود قبل نحو 2500 عام، وفقاً لما ورد بالتوراة.

وحين سئل بومبيو، في الحوار عما إذا كان يعتقد أن ترمب (عقب اعترافه بشرعية احتلال “إسرائيل” للجولان وضمها لسيادتها رسمياً بعد اعترافه بالقدس عاصمة للدولة الصهيونية)، يعد بذلك نسخة أخرى من “إستير”؟ رد مبتسماً: “كمسيحي، أعتقد بالتأكيد أنه ممكن.. من المحتمل في اعتقادي أن الله استخدم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للمساعدة في الدفاع عن دولة “إسرائيل” اليهودية”.

وأضاف: “لرؤية التاريخ الرائع للإيمان في هذا المكان (القدس)، والعمل الذي قامت به إدارتنا، للتأكد من بقاء هذه الديمقراطية في الشرق الأوسط، وبقاء الدولة اليهودية، أنا واثق من أن الرب يعمل هنا”.

ما قاله بومبيو ومن قبل ترمب وغالبية المسؤولين الأمريكيين هو ما يؤمن به المنتمون إلى اليمين المسيحي (الإنجيلي) المتطرف، حيث يؤمنون بالعهد القديم (التوراة)، وكل مفردات منظومة التطرف الإنجيلي مثل “الوعد الإلهي” و”الشعب المختار” و”معركة هرمجدون”، و”دولة إسرائيل من النيل للفرات”، ومن ثم وبإبادة المسلمين وصعود المسيحية بعد سيطرة اليهود (إسرائيل) على القدس والجولان وبابل العراق وأهرامات مصر ومكة والمدينة وضمها لـ”إسرائيل”، ويرون الآن الوقت الأمثل في ظل حالة الضياع والخضوع والتطبيع التي تعيشها الأنظمة العربية.

سبب آخر لاعتراف ترمب بإسرائيلية الجولان بعد القدس، كشفه ترمب نفسه، وهو لا مبالاة الأنظمة العربية بالقدس ولا الجولان ولا أي أرض عربية محتلة وضعف رد فعلهم على اعترافه بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، ما دفعه للاعتراف بالجولان أيضاً كأرض “إسرائيلية” رغم أنها محتلة وتصريحه يخالف قرارات الأمم المتحدة.

فحين سألت مذيعة قناة “فوكس” الرئيس الأمريكي ترمب عن سبب اختياره هذا التوقيت لإعلان ضم “إسرائيل” لمرتفعات الجولان السورية؟ أجابها: “انظري كيف اعترفت بالقدس كعاصمة لـ”إسرائيل” ولم يحدث شيء ولم يتحرك أحد!”.

ففي مقابلته مع “فوكس نيوز”(2) شبّه ترمب قراره الاعتراف بسيادة “إسرائيل” على الجولان بنقل السفارة إلى القدس، وتحدث عن صمت وتآمر الأنظمة العربية وقبولهم التفريط بالقدس ما شجعه على اعتبار الجولان أيضاً “إسرائيلية”!

الإنجيليون و”إسرائيلية” القدس

الأمر ذاته قاله هؤلاء الإنجيليون من التيار المسيحي المتطرف في إدارة ترمب، الذين يشكلون أغلبية في الحزب الجمهوري، في أعقاب إعلان الرئيس ترمب القدس عاصمة لـ”إسرائيل” ونقل السفارة الأمريكية إليها، وذاع صيت الحركة الإنجيلية (Evangelicalism) باعتبارها العامل الأساس لاتخاذ ترمب هذا القرار.

وكان ترمب قد جمع دائرة من المستشارين الإنجيليين للمرة الأولى خلال حملته الانتخابية وكان هو المرشح المفضل لدى الناخبين الإنجيليين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

وأحد أهم الوعود التي قطعها الرئيس الأمريكي على نفسه هو موضوع القدس وهو وعد مارس الإنجيليون دوراً في الضغط على ترمب بعد انتخابه من أجل إعلان القدس عاصمة لـ”إسرائيل” ونقل السفارة إليها.

وقد أكد تقرير لوكالة “رويترز”(3) أن الإنجيليين استخدموا عدة وسائل للضغط، لاعتراف ترمب بالقدس عاصمة للدولة الصهيونية، منها الحملات على الإنترنت، والبرقيات والرسائل، بالإضافة للمستشارين المحافظين الذين ضغطوا على ترمب كي ينفذ وعده.

وأشار التقرير إلى الدور الكبير الذي مارسه مايك هاكبي، والد سارة هاكبي، المتحدثة باسم رئاسة البيت الأبيض، الحاكم السابق لولاية أركنسو والمرشح الرئاسي السابق، الذي يرأس منظمة مسيحية تدعى “أصوات إيماني” (My Faith Votes) نشطت في موضوع القدس ونشرت عريضة على موقعها على الإنترنت دعت الناس للضغط على الرئيس ترمب للاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”.

وكذا الجماعة الإنجيلية “أمريكان كريسيتيان ليدرز فور إسرائيل” (القادة المسيحيون الأمريكيون من أجل إسرائيل) التي بعثت برسالة إلى ترمب تحذر فيها من أن الوقت عنصر أساسي في نقل السفارة.

ويزعم أنصار هذا التيار الإنجيلي أن اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” هو تحقيق لما يسمونه “نبوءة زكريا”(4)، وعلى رأسهم د. جورغن بوهلر، و”السفارة المسيحية الدولية في القدس”، والقس ويليم ج.ج غلاشوير الذي يزعم أن قرار ترمب يستند إلى كلام النبي زكريا (الثاني) و”يمكن أيضاً أن يكون علامة على قرب انتهاء زمن الأمم الوثنية، وبدء إنشاء القدس كعاصمة العالم، المكان الذي ستخرج منه كلمة الرب عندما يأتي المسيح، ويحكم بين الأمم”، بحسب مزاعمهم.

فهؤلاء المتطرفون يستندون لما يزعمون أنه نبوءة زكريا ونبوءات أنبياء العهد القديم لتسويق علامات نبوية حول القدس وقرار ترمب بشأنها.

من هم الإنجيليون؟ وما علاقتهم بالقدس والجولان؟

الإنجيلية هي تيار داخل الدين المسيحي البروتستانتي نما في القرن الثامن عشر، ويعتمد على ما يسمي نبوءات العهد القديم (التوراة) وإيمانهم قائم على تجميع اليهود في أرض الميعاد واستيلائهم على أرض النيل إلى الفرات، ثم قيام معركة “هرمجدون” وانتصار المسيحية علي الإسلام.

وتُعد الولايات المتّحدة أكبر تجمّع للإنجيليين، بالإضافة إلى مراكز أخرى لهم في هولندا ونيوزيلندا وأستراليا والبرازيل ونيجيريا وغيرها.

ويؤكد الإنجيليون – دينياً- أهمية البيت والعائلة، وأهمية الهوية المسيحية للمطالب والنضالات السياسية، مثل حركة مناهضة الكحول والحركة لإبطال قانونية الخدمات الجنسية والحركة لمنع الإجهاض.

ولكنه –سياسياً– يتبنون مكانة “إسرائيل” والقدس، إذ تعتبر أغلبية الإنجيليين في الولايات المتحدة حاضنة داعمة لـ”إسرائيل” والصهيونية، ويقوم كثيرون منهم بالتبرع لـ”إسرائيل” والعمل لأجلها، وبالتحديد لحركات اليمين الإسرائيلي، ويعود ذلك بالأساس إلى أسباب دينية متعلقة بمسألة عودة المسيح واليهودية.

ولذلك يُطلق على الإنجيليون تعريف “الصهيونية المسيحية”، فهم يدعمون بقوة الفكرة الصهيونية، وهي كحركة مسيحية تقول عن نفسها: إنها تعمل من أجل عودة الشعب اليهودي إلى فلسطين، وسيادة اليهود على الأرض المقدسة.

ويعتبر الصهيونيون المسيحيون أنفسهم مدافعين عن الشعب اليهودي خاصة الدولة العبرية، ويتضمن هذا الدعم معارضة كل من ينتقد أو يعادي الدولة الصهيونية، لهذا تُسمي حركتهم “المسيحية التي تدعم الصهيونية”، وأصبح يطلق على من ينتمون إلى هذه الحركة اسم “مسيحيون متصهينون”.

ومن النبوءات التي يؤمنون بها أن المسيح عليه السلام سوف يظهر في المرحلة الأولى لنهاية العالم في السماء ويأخذ إليه المؤمنين، ثم تقوم في المرحلة الثانية المآسي على الأرض، مثل كوارث طبيعية وحروب، وسيقوم اليهود، الذين سيسيطرون على “أرضهم” في هذه الفترة، بالإيمان بالمسيخ الكذاب –بدل المسيح-وبناء هيكلهم، فتقوم الحرب عليهم، ويقتل فيها ثلثا اليهود، أما الثلث المتبقي فيعتنق المسيحية ديناً، وبعد 7 سنوات ينزل المسيح مع المؤمنين من السماء ويطرد “المسيح – الكاذب”، ومن ثم يحكم المسيح العالم لمدة ألف سنة من داخل عاصمته، القدس.

لهذا فهم –لأسباب دينية– يرون أنه لتسريع هذه النبوءة عليهم أن يدعموا الدولة الصهيونية واستيلاءها على ما تدعي أنه أرض الميعاد (ومنها القدس والجولان وبابل ومصر ومكة والمدينة) وهو ما بدؤوه بدعمهم في إقامة الدولة اليهودية (عام 1948) والاستيلاء على المسجد الأقصى (عام 1967) ثم الاستيلاء على القدس والسعي لبناء الهيكل.

وفي سبيل تقديم المجموعات والكنائس الإنجيلية الدعم للدولة الصهيونية بشكل عشوائي، تم توحيد جهود كثير منها تحت منظمة “مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل” (CUFI -Christians United for Israel) حيث يقومون بفعاليات شهرية ومؤتمر سنوي يمتد لعدة أيام يشارك فيه الآلاف لتقديم الدعم للدولة الصهيونية.

وهناك منظمة إنجيلية أخرى هي “السفارة المسيحية العالمية”، التي تضم مسيحيين متضامنين مع “إسرائيل” من كافة أنحاء العالم، تقوم بعقد مؤتمر سنوي في القدس منذ حوالي 40 عاماً يشارك فيه آلاف من الإنجيليين من شتى أنحاء العالم لدعم الصهاينة.

ويربط هؤلاء المتطرفون الإنجيليون بين دعمه الدولة الصهيونية ووصفهم الإسلام بالفاشية، ولذلك يستخدمون هم والرؤساء الجمهوريون الأمريكيون (مثل بوش) لفظ “الفاشية الإسلامية” (Islamic fascists)، وهو تعبير استخدمه الرئيس الأمريكي بوش منذ أغسطس 2006 حتى نهاية رئاسته ويكرره الآن “مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل”، التي كان المتحدث باسمها السيناتور ريك سانتورم يزعم أن “الحرب على الإرهاب هو نتيجة لحملة تعتيم، فالإرهاب ليس هو العدو وإنما الإسلاميون الفاشيون”!

ويشكل الإنجيليون، بحسب معهد “بيو” الأمريكي، حوالي 26% من جمهور المصوّتين في الولايات المتحدة، وقد صوّت 81% منهم لترمب (وذلك بالرغم من عدم تديّنه وقضاياه الجنسية التي لا تتلاءم مع القيم الإنجيلية).

ويعود الدعم الذي تلقاه ترمب لعدة أسباب، منها: تعيينه لنائب رئيس إنجيلي هو مايك بينس، وإخافتهم من انتخاب هيلاري كلينتون بادعاء أنها سوف تستغل أموال الضرائب من أجل قضايا يرفضونها مثل تمويل الإجهاض وتوسيع حقوق الشواذ وغير ذلك، بالإضافة إلى مناغمته للنزعة اليمينية عموماً للإنجيليين في القضايا السياسية مثل موضوع المهاجرين.

ويختلف “الانجيليون المشيخيون” مع التيار الإنجيلي التوراتي الذي يدعم ترمب و”إسرائيل”، ويرفضون أن تكون القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، وسبق أن أصدرت الكنيسة الإنجيلية المشيخية بالولايات المتحدة بياناً(5) تنتقد فيه قرار ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، وتؤكد أن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس خطأ فادحاً، ويجب أن تكون القدس مدينة تتقاسمها 3 ديانات وشعبان.

“صفقة القرن” وخريطة الشرق الأوسط

رغم التفسيرات الدينية من جانب مسئولي ترمب لقراراته بشأن الاعتراف بـ”إسرائيلية” القدس والجولان، يبقي السؤال: هل ما يجري جزء من الترتيبات التي تجري للمنطقة مع اقتراب إعلان “صفقة القرن”، أم مجرد تنفيذ لرؤية اليمين المتطرف الأمريكي الذي يمثله ترمب (النبوءة الإنجيلية)، التي يطالبون فيها أيضاً بضم بابل العراق وأهرامات مصر ومكة والمدينة لـ”إسرائيل”؟

وهل لتسارع التغيرات في منطقة الشرق الأوسط بشكل دراماتيكي، علاقة –سياسياً- بالتوجه نحو إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط عبر إعادة تموضع بعض الحدود في المنطقة، والحديث عن مخططات التقسيم والانفصالات؟!

الواضح أن تنفيذ هذه المخططات بدأ بالفعل، و”صفقة القرن” المتعلقة بالقضية الفلسطينية والتسريبات المتعلقة بتبادل الأراضي، جزء من هذه المخططات، إضافة إلى استفتاء كردستان العراق على الانفصال والأزمات المتلاطمة في الشرق الأوسط، وصولاً إلى الخطة الأمريكية التي بشّرت بها علناً كونداليزا رايس، قبل أكثر من 11 عاماً، عندما كانت تشغل منصب وزيرة الخارجية الأمريكية، ومن تل أبيب على وجه التحديد، وكرّرها مسؤولون أمريكيون آخرون؛ أبرزهم جو بايدن، عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، في عام 2006.

ففي ذلك الحين قالت رايس: إن مشروع “الشرق الأوسط الكبير” سيحقق –حسب زعمها- “حلاً سحرياً لعلاج أزمات المنطقة المزمنة”.

وفي كتابها “شركة كوشنر المحدودة.. الجشع والطموح والفساد.. القصة الاستثنائية لجاريد كوشنر وإيفانكا ترمب” للكاتبة فيكي وارد(6)، سلطت الضوء على بعض أسرار “صفقة القرن” وخطة كوشنير التي تضمنت تبادلاً للأراضي، حيث سيمنح الأردن أراضي للفلسطينيين، وفي المقابل يحصل على أراض من السعودية، فيما تستعيد المملكة جزيرتين في البحر الأحمر كانت قد أعطت إدارتهما لمصر في عام 1950، في إشارة إلى جزيرتي “تيران وصنافير” اللتين تسلمت إداراتهما السعودية بالفعل من مصر عام 2017.

وضمن المخطط أيضاً تقسيم المملكة العربية السعودية إلى خمسة أقسام، وتغييرات في بعض دولة الخليج وقص ولزق في بعض مناطق أفغانستان وباكستان وإيران.

وقد حذر من هذا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقال(7) لصحيفة “لو فيجارو” الفرنسية بمناسبة الذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى بعنوان “لا لتقسيمات سايكس بيكو جديدة في المنطقة”.

كما أشار لهذا ضمناً نائب رئيس الوزراء التركي، هاكان جاويش أوغلو، حين قال في كلمة ألقاها بمدينة إسطنبول: إن بعض الجهات (لم يسمّها) تحاول إعادة رسم حدود المنطقة بعد 100 عام على اتفاقية سايكس بيكو” السرّية التي وقعتها بريطانيا وفرنسا، في 16 مايو 1916، بهدف تفتيت منطقة الشرق الأوسط(8).

وأضاف المسؤول التركي: “لقد شاهدنا ذلك في الأحداث التي نعيشها في سورية، واستفتاء انفصال إقليم شمال العراق (..) ندرك جيداً أين تُكتب سيناريوهات اللعبة (التي تحاك ضد المنطقة)، ونعلم الدمية والجهة التي تستخدمها أيضاً”.

 

__________

الهوامش

(1) God May Have Raised Up Trump Like He Raised Up Queen Esther

(2) حوار ترمب حول الجولان والصمت العربي.

(3) ضغط المسيحيين الإنجيليين ساهم في دفع ترمب لاتخاذ قرار القدس.

(4) نبوءة زكريا تتحقّق؟ قرار ترمب حول القدس و”العلامة النبويّة” المزعومة.

(5) بيان الكنيسة الإنجيلية المشيخية بالولايات المتحدة حول قرار ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”.

(6) شركة كوشنر المحدودة.. كتاب يفضح استغلال صهر ترمب لنفوذه.

(7) أردوغان يكتب “لا لتقسيمات سايكس بيكو جديدة في المنطقة”.

(8) نعلم أين تحاك المؤامرات ضد المنطقة.

Exit mobile version