دعم “الأقصى” يعزز حضوراً لافتاً لـ”الأزهر” في غياب السلطات المصرية

عززت المواقف المتتابعة للأزهر في دعم القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى الحديث الرائج في الأوساط المصرية عن مواقف مشيخة الأزهر الشريف التي أخذت أبعاداً إقليمية ودولية، وفق رصد “المجتمع”، تخطت الدور المحلي الرائج عن المؤسسة في فترات سابقة خاصة في دعم القضية الفلسطينية.

اهتمام بارز

وسجلت المشيخة حضوراً منفرداً في دعم المسجد الأقصى، وأصدر بياناً بمفرده الثلاثاء 12 مارس في ظل غياب واضح لجميع مؤسسات الدولة المصرية، خاصة مؤسستي الرئاسة ووزارة الخارجية اللذين التزما الصمت، وفق رصد “المجتمع”، فيما ذهب الأزهر الشريف إلى إدانة اقتحام قوات الاحتلال الصهيوني لساحات المسجد الأقصى المبارك، والاعتداء على المصلين فيه، وإغلاق بواباته.

وفي 1 مارس الجاري، ندد الأزهر الشريف بسلسلة الإجراءات القمعية، التي اتخذتها سلطات الاحتلال الصهيوني بحق مدينة القدس المحتلة، وما شملته من اعتقالات لرموز المدينة، واقتحامات متكررة للمسجد الأقصى المبارك مؤكدا دعمه للمقدسيين في مواجهة تلك الإجراءات التعسفية.

وفي يناير 2018، نظم الأزهر الشريف مؤتمرًا عالميًا تحت عنوان “مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس”، وحظي بمشاركة أكثر من 86 دولة، وضم نخبة من “المهتمين بقضية المسجد الأقصى والقدس وكل محبي السلام من جميع أنحاء العالم”، بمن في ذلك عدد من الحاخامات اليهود المعارضين للسياسات الصهيونية والأمريكية بشأن المدينة التاريخية المقدسة.

وصدر عن المؤتمر إعلانٌ عالمي بعنوان “إعلان الأزهر العالمي لنصرة القدس”، شدد على أن “القدس هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المستقلة، ويجب العمل الجاد على إعلانها رسميًّا والاعتراف الدولي بها وقبول عضويتها الفاعلة في كافة المنظمات والهيئات الدولية”، كما أكد “أن عروبةَ القدس أمر لا يقبل العبث أو التغيير وهي ثابتة تاريخيًّا منذ آلاف السنين”.

دور يتوسع

وباتت مقابلات السفراء وكبار المسؤولين الخارجيين إجراء معتاداً رغم كثافته، وتخطى دور الأزهر الإجراءات البروتوكولية، حيث انتقل إلى إجراءات اتفاقات مع الدول بمفرده وهو ما أبرزه لقاء د. أحمد الطيب مساء الأربعاء 13 مارس الجاري بالسفير أحمد نايف الدليمي، سفير العراق الجديد بالقاهرة، حيث اتفقا على إعداد الأزهر برنامجاً خاصاً لتدريب أئمة العراق لتفكيك الفكر الداعشي، ومواجهة التحديات والقضايا المعاصرة التي تخص الشأن العراقي.

وفي 11 مارس الجاري، استقبل شيخ الأزهر الشريف ماساجوس ذو الكفل، وزير الشؤون الإسلامية السنغافوري، والوفد المرافق له، واتفقا على تعزيز التعاون المشترك، خاصة ما يتعلق بمجال تدريب الأئمة للتعامل مع القضايا والمشكلات المعاصرة، كالتطرف والإرهاب.

وبحسب رصد لـ”المجتمع”، نظم الطيب منذ توليه منصبه في 19 مارس 2010، العديد من المؤتمرات والندوات ذات الأدوار الإقليمية، ومنها: مؤتمر الأزهر لمواجهة التطرف والإرهاب في 4 ديسمبر عام 2014، بمشاركة ممثلي 120 دولة وممثلين عن جميع المذاهب الإسلامية والطوائف المسيحية، وممثلين عن بعض الطوائف الأخرى التي عانت من إجرام الجماعات الإرهابية.

وفي يناير 2017، نظم الأزهر “مؤتمر نحو حوار إنساني حضاري من أجل مواطني ميانمار” بمشاركة نخبة من شباب بورما، الذين يمثلون الأطراف المعنية بالصراع في ولاية راخين بميانمار، وذلك بحضور عددٍ من السُّفراء والأدباء والمفكِّرين والإعلاميين؛ بهدف التباحث مع هؤلاء الشباب حول سُبُل العيشِ المشترك.

وفي مارس 2017، نظم الأزهر مؤتمر “الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل”، بحضور عدد كبير من العلماء ورموز الدين الإسلامي والمسيحي والمثقفين والمفكرين وقادة الرأي من الدول العربية والإسلامية.

وفي أبريل 2017، شهد “مؤتمر الأزهر العالمي للسلام”، لقاءً تاريخيًا، بحسب وصف مراقبين، بين شيخ الأزهر، والبابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، ليدشن الأزهر بذلك مرحلة جديدة في البحث عن دور دولي له يعيد مكانة الجامع والمشيخة المفقودة في فترات سابقة.

صحيفة “صوت الأزهر”، أقرت في عددها الجديد قبل أيام بهذا التوجه بشكل واضح، مؤكدة على هامش مؤتمر دولي لدعم الأفارقة أن “الأزهر لم يغب يومًا عن دوره الداعم والمساند بقوة لشعوب القارة الأفريقية، حيث قدم الأزهر الشريف عبر تاريخه الطويل الممتد لأكثر من ألف عام كل سبل الدعم لشعوب القارة السوداء”.

وأكد هذا المسار الكاتب الصحفي أحمد الصاوي، رئيس تحرير صحيفة “صوت الأزهر” الرسمية في مقاله هذا الأسبوع، موضحاً أن الطيب يعزز الاحتفاء بالأزهر في حواضر أوروبا وآسيا وأفريقيا.

انتقاد حكومي متتابع

وفي المقابل، شكلت مطالبة النظام المصري للأزهر الشريف بالمشاركة في تجديد الخطاب الديني لحظة صدام حقيقة، بحسب المراقبين.

وعندما اشتد الهجوم المصنف إعلامياً على السلطات المصرية رد د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في نوفمبر 2016 قائلاً: “إن الهجوم على مؤسسة بحجم الأزهر الشريف يصب في مصلحة “داعش” ومَن على شاكلتها بشكل مباشر؛ لأن الذي يقف في مواجهة هذه التنظيمات هو الفكر والفقه والعقل الأزهري، كما أن هذا الهجوم في الحقيقة هجوم على الأمة المصرية، ويخدم أجندات موجهة من مصلحتها التشغيب على الأزهر وعرقلته عن أداء دوره في النهوض بالأمة”.

وعاد الهجوم بعد توقف يسير بعد عتاب لاذع من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لشيخ الأزهر في حفل أقيم في يناير 2017، قائلاً: “أتعبتني يا فضيلة الإمام”، بالتزامن مع طلب الرئيس بتقييد الطلاق الشفوي، الذي رفضته بالإجماع هيئة كبار العلماء، التي يترأسها الطيب لتبدأ حملة وصلت إلى البرلمان بإصدار قانون رفضته مشيخة الأزهر، واضطر رئيس مجلس النواب د. علي عبدالعال أن يذهب إلى شيخ الأزهر في مكتبه ويعتذر له، معلناً أن مشروع القانون “صفحة وطويت”.

وطلت الأزمة مرة أخرى في نوفمبر 2018، بمواجهة حول تجديد الخطاب الديني، ونشر شيخ الأزهر مقالاً في صحيفة “صوت الأزهر”، وجريدة “الأهرام” الحكومية تحت عنوان “نعم للتجديد لا للتبديد”، أوضح فيه د. أحمد الطيب أهمية “التجديد” وضرورته للمسلمين في كل زمان ومكان، ولكنه وضع ضوابط للاجتهاد والتجديد ورفض الخطابات الشمولية التي لا تعرف تعدد الآراء ووجهات النظر، وحذر من “الصراع” ونفي الآخر، واحتكار الحقيقة في مذهب، ومصادرتها عن مذهب آخر مماثل.

واستفز الهجوم العلماني المقرب من السلطات المصرية المصريين، وهو ما دفع الآلاف من أبناء محافظات الجنوب المصري وبالتحديد الأقصر وقنا وأسوان، بعد صلاة الجمعة 23 نوفمبر الماضي بمسجد وساحة الشيخ الطيب، بمدينة القرنة، مسقط رأس شيخ الأزهر، بهدف إعلان دعم المؤسسة الأزهرية وشيخها.

Exit mobile version